الأنظمة الشمولية ومرايا الرأي الواحد !

دهام حسن

إن مشكلة النظم الشمولية ، أو أنظمة حكم الحزب الواحد ، أنها لا تعر التيارات الأخرى من المعارضة أو سواها أي انتباه ، فهي تدب على عكازتها مهما تهرأت و تنظر إلى الآخرين كوسائل وآلات لا كجماعات تتمتع باستقلالية ولها شخصيتها الاعتبارية حتى القريبون منها بعيدون عن أي تقويم أو تحليل موضوعي يمس عمل السلطة ، لأنهم جردوا من التفكير بحرية ، فهم متوجسون بالتالي من عرض أي رأي مخالف لرأي السلطة ، ونتيجة تسييج ذهنية هؤلاء بإسار السلطة ، فلا تتفتح قرائحهم إلا بنبرة المديح و الخشوع و الامتثال .

فهم يعرفون ما تفكر به السلطة ، لهذا ـ غالباً ما تأتي آراؤهم على مقاس تفكير السلطة حتى لو كان هذا الموقف واضح الخطأ و ظاهر الضرر ، طالما زين بميزان السلطة ، ونظر إليه بمنظار السلطة ، و قيس على مقاس تفكير السلطة كما أوردنا .
فحال متخذ القرار ضمن هذا الجمع من الطبعات الفوتوغرافية المتماثلة ، حال من يجلس في داخل مربع من المرايا لا يرى إلا صورته ، الإعلام واحد مهما تعددت القنوات الفضائية ، و الأقلام ذاتها مهما اختلفت عناوين الصحف، لهذا تتكاثر أخطاء النظام ، وتتوالى ( مطباته ) ، إلى أن تتفاقم ، وقد تفضي في النهاية إلى أزمة يصعب بالتالي تجاوزها ، أو الفكاك منها ، إلا بضريبة قاسية مكلفة .

في حين نرى أن قادة الغرب عندما تعترضهم معضلة اقتصادية أو اجتماعية ما يستعين الرئيس بخبراء بمن فيهم ليسوا من تياره ، فيستمزج الآراء بغية الخروج بمعالجة ناجعة ، لكن قادة الأنظمة الشمولية يتناسون أن التفكير الأحادي أكثر عرضة للخطأ ، في حين أن تلاقح الأفكار المتباينة غالبا ما يعبد الطريق نحو الرأي السليم ، لكن هؤلاء (المعصومين) يكابرون رغم ما هم عليه من غي و مخادعة الذات ، فالصحيح أن مصالح هؤلاء ، هي التي تعمي بصرهم و بصيرتهم من النظر بموضوعية للأمور ، فيتظاهرون بأنهم على حق ، وأنهم يمثلون كل المجتمع ، ويحاولون أن يفرضوا عليه لبوسهم السياسي ، و التكلم باسمه ، وتمثيله ككتلة واحدة متجانسة ، متجاهلين أنه لا يوجد مجتمع متجانس ، فالمجتمع منقسم بطبيعته إلى طبقات و فئات و شرائح تتعارض مصالحها ، فيتجسد ذلك التعارض على الصعيد الاجتماعي بتعددية سياسية.

و يمكن في النهاية أن نقف عند ثلاث دوائر بها يكتمل قوام النظام ، و ما تعكس مراياها من ظلال على عدسة القيمين على السلطة .

الدائرة الأولى :
و تشمل الفريق المتحالف مع النظام ، وهذا الفريق يركز على الجانب الإيجابي في السلطة ، لكنه أيضا ينتقد بعض السلبيات ،والعلاقة بين الطرفين في مد وجزر … هذا الفريق معرض للانقسام من جانب والتشظي خارج سور النظام من جانب آخر ، وقد يبقى شريكا صغيرا متواطئا مع السلطة ، في هذا الفريق كثير من المستفيدين بما تقدم لهم من أعطيات وتسهيلات وامتيازات ، لا يلتقي هذا الفريق مع المعارضة ، وقد يشكك في مصداقيتها وارتباطاتها ، وربما حرض السلطة ضدها ، فهم يشعرون بأنهم مدينون للسلطة ، وكونهم فقدوا رصيدهم الاجتماعي في الشارع ، فلم يبق أمامهم سوى الدوران في فلك السلطة .

هذا التحالف لا مستقبل له ، فهو يضعف عندما تقوى السلطة ، لأنها لا تعود بحاجة إليه ، وينتهي بانتهاء السلطة لأنهم ربطوا مصيرهم بمصير السلطة.

هذه الدائرة تعكس مرايا مغبشة عن الواقع ، وتحجب الحقيقة عن الناس ، نتيجة ممالأتها للسلطة دوما .

الدائرة الثانية :
وتحصر بـ (أزلام ) النظام ، هؤلاء لصيقون بالسلطة بل هم جزء من السلطة دون أن يكون بيدهم اتخاذ أي قرار .يناصرونها ظالمة أو مظلومة ، فيها المستفيدون و المرتزقة ، لكن هؤلاء جميعا رغم ثرثرتهم ، لا يملكون جرأة اتخاذ أي قرار كما أسلفنا أو تحمل أية مسؤولية خطيرة ، حتى إن واحدهم يتنصل من تبعات ماضيه السلطوي لما فيه من ارتكابات فيما لو أقصي .

هؤلاء موظفون لدى السلطة ، ولا يتعدى دورهم سوى كونهم أبواقا و بيادق .

هؤلاء يلوحون بمرآة السلطة ، ولا تجد فيها الإ صدى السلطة يتراءى ويتردد.

الدائرة الثالثة :
هي السلطة ذاتها .

وهنا تضيق الدائرة ، بحيث لا يتجاوز عدد أفرادها عدد أصابع اليد الواحدة ، وعن هذه الفئة الصغيرة يتفرع كل هذا الجهاز الضخم ، بحيث ينتشر في كل قصبات الدولة ، فلا توجد مؤسسة مهما صغر شأنها بمنأى عن عينها ، هذه الدائرة أمنية أكثر منها سياسة، وهي تتحكم في كل مفاصل الدولة ، كما أنها تضغط على الدائرة الأولى، وتوجه الدائرة الثانية .

مرآة هذه الدائرة لا تعكس الإ مصالح هذه الفئة وعلى هذا الأساس تتحكم وتتصرف وتنطلق .

وفي الختام أقول : إن الرأي الواحد المفروض ، من أية سلطة متحكمة كانت ، أصبح ممجوجا ، ولا يعكس الواقع ، والديمقراطية تفترض التعددية ، وهي الإ كسير الناجع لكثير من العلل السياسية .

عند ذلك سوف تعكس المرآة واقعا حقيقيا ، يتعايش فيه مختلف الآراء ، ترى فيها نفسك و الآخرين ، ولا تعود تعكس رأيا واحد فحسب.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…