ثنائية الانتماء وإشكالية التعامل معها

سعيد فرمان

مما لا شك فيه إن الموقف السليم من مسألة ثنائية الانتماء هذه بالنسبة للشعب الكردي في سوريا, أي إنتمائه لسوريا كوطن  ومجتمع , وإنتمائه ايضاً لبعدة القومي الكردستاني, يعتبر من المرتكزات الاساسية التي يجب إن تعتمد عليها الحركة الكردية في سوريا, لترسم في ضوء ذلك برامجها وتوجهاتها النضالية الصائبة0 إلا ان بعض الاحزاب الكردية, وعوضاً عن الاهتمام المتوازن بجانبي هذه المسألة لجأت في كثير من الاحيان الى تهميشها , وإلحاق التشويه بها وذلك من خلال التعامل مع جانب واحد من جوانبها0
لذا نرى انه من المفيد التطرق لهذه المسألة, ولو  بشكل متواضع,  وإعطائها حقها من الدراسة والاهتمام , لوضع الرؤية النضالية لحركة الشعب في إطارها الواقعي المناسب , حول صحة وصدق الانتماء بجانبيه الوطني السوري- والقومي الكردستاني , ولتجنيب الحركة الكردية في سوريا مخاطر الوقوع في مطبات سياسية ضارة بكافة المحاور البرنامجية الاخرى0

ولا ضير في أن نعترف إن النظر لهذه المسألة قد يخلق لأول وهلة إختلاطاً في الفكر , وضبابية في الموقف السياسيي لدى الكثير من أبناء شعبنا, وذلك إما لقصور في الرؤية السياسية والاستراتيجية, أو لإهمال متعمد بغية ترسيخ رؤية أحادية الجانب لهذه المسألة , وذلك قد يكون لمراضاة إملاءات الوطنية المفرطة أو لإرضاء النزعة القومية الجامحة التي تهدف في ما تهدف, الى طمس حقيقة الوجود القومي الكردي المجزأ , وتعايشه وتفاعله مع شعوب وأثنيات الدول التي يتواجد ضمن حدودها واطرها  كما أنه يجب إن لا يفوتنا, إن الخوض في مسائل هامة كهذه المسألة يستدعي الواقعية في التفكير والموضوعية في التحليل لإدراك الضوابط والعلائق الناظمة لها, تلك العلائق الجدلية التي تؤكد على عدم التعارض بين جانبيها, والتي تؤكد في نفس الوقت على ان التناول الجاد والهادف لهذه المسألة  إنما يغني المسيرة النضالية  ولا يعيقها, ويعطيها القوة والصلابة للسير في الاتجاه الذي يخدم تطلعات شعبنا وجماهيره المناضلة0
فإنتماؤنا الوطني السوري الذي أكد عليه الشعب الكردي في كافة الظروف والمنعطفات, ومن خلال الممارسة العملية شيء ثابت وأصيل يدخل في صلب المسلمات التي لا جدال حولها, كما أن مسألة وجود بعد قومي كردي لنا ليس ضرباً من الخيال أو حكاية فبركته ونسجته المخيلة الشعبية الكردية , إنما هو ايضاً شيء ثابت وواقعي نحس به ونعايشه في كافة الظروف والازمان, ولمزيد من الايضاح لابد أن نبين0
1- إنتماء شعبنا الكردي لسوريا كوطن له ما يبرره  وهي ليست مسألة تكتيكية فالشعب الكردي يعيش في إطار سوريا كدولة وكيان قانوني ذات سيادة منذ عقود عديدة وقد تفاعل خلال هذه الفترة مع كافة العناصر المكونة للمجتمع السوري وتأثر به, وأثر فيه في حدود معينة , ويمكننا سوق العديد من الامثلة التي تؤكدعلى هذا التفاعل كالزواج والتماثل في العادات والقيم الاجتماعية , والعمل المشترك في الميادين الاقتصادية والى ما هنالك من مجالات الحياة العديدة,  والتي تعكس بشكل واضح وصادق درجة التأثير والتأثر لشعبنا الكردي  في , و بالشعب السوري بكافة فئاته وأثنياته القومية المختلفة , وعلى هذا الاساس فإن إدعاء الشعب الكردي في سوريا بالوطنية هي مسألة صادقة وجادة, بعكس ما يحاول إن يصورها العناصر والفئات والجماعات الحاقدة على شعبنا والتي تحاول بسلوكياتها هذه الإساءة الى وحدة الصف الوطني وإلصاق تهم باطلة بشعبنا الكردي 0
2- إن حقيقة إنتماء شعبنا الكردي في سوريا الى محيطه القومي الكردي مسألة واقعية لها ايضاً مبرراتها التاريخية  والنضالية , كما الشعب العربي في كل قطر ينتمي وينتسب هو الاخر الى بعده ومحيطه القومي العربي العام 0
ولا يمكن إعتبار إدعاء الشعب الكردي في سوريا بالانتماء الى بعده القومي الكردي العام إدعاءاً من اجل الانتماء كحالة خيالية( طوبوية) , أو رؤية نابعة من مقدمات سياسية وفكرية متطرفة أو غير واقعية , بل ان لهذا الجانب من المسألة تأثيره الواضح على مجمل النشاط الكردي في سوريا , وذلك سواء كان سلباً أم إيجاباً 0
فالإخفاقات التي تصيب الحركة الكردستانية تسيء الى العملية النضالية للشعب الكردي في سوريا, وتحد من تطورها وتقدمها, كما إن النجاحات التي تحققها الحركة الكردستانية تساعد في المقابل على تنشيط الحركة الكردية في سوريا , وتساهم في تحسين الاداء النضالي بشكل عام0
لذا فإن إيلاء الاهتمام بهذا الجانب من المسألة لا يلغي الجانب الاخر, بل انه يساعد في تنشيطه وتكامله, كما انه لا يساهم في خلق المبررات والحجج لدى القوى التي تنظر بعين الريبة والشك الى شعبنا الكردي وقضيته العادلة , إن النظر الى هذه المسألة على أساس وحدة جانبيها وتكاملهما يفتح آفاقاً نضالية رحبة لجماهير شعبنا الكردي وحركته السياسية , لجهة العمل على تشخيص مسارات التحرك , والنشاط السياسي  وإنضاجه0
وفي هذه العجالة من السرد لهذه المسألة الشائكة لا يمكننا إلا إن نؤكد على إن النظر لهذه المسألة وفق رؤية موضوعية , سيفتح مجالات رحبة ودروب هامة , لتطوير النقاشات والحوارات مع الوسط السياسي والثقافي العربي في سوريا , خاصة وان الشعبين , الكردي والعربي , يشتركان في مسألة إزدواجية الانتماء كل الى الوطن السوري ومن ثم الى البعد القومي العام ؟ و يسهل من عملية تناول القضية الكردية في سوريا , لمعالجتها وفق رؤية موضوعية وواقعية , أساسها المعاير الدولية والعالمية لحل هكذا معضلات مزمنة0    

  في   29 /1/2007        

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…