كوردستان موطن شعب حتى لو كانت قرية صغيرة – الى مناف جاسم –

   م .

محمد امين محمد

    قبلنا بصدق مشاعر الاخ مناف جاسم وتاكيده على انه لايحمل تجاه الكورد سوى المحبة والتفهم لقضيتهم العادلة وحقوقهم المشروعة في مقالته التي نشرها بعنوان ( ما معنى تكريد اسمي مدينتي رأس العين وعفرين السوريتين! ) حيث عبر بوضوح عما يحمله من تصور وثقافة وسيكولوجية تجاه مصطلح ( كوردستان سوريا ) او ( غرب كوردستان ) هي بالحقيقة تعبير بليغ وشفاف لمشاعره  و مشاعر الملايين من العرب الذين وقعو في مصيدة الفكر والثقافة القومية العربية الشوفينية منذ حوالي نصف قرن من حكم الشوفينيين العرب لسوريا والعراق في العصر الحديث ولاكثر من اربعة عشرة قرنا من حكم العرب باسم الاسلام للشعوب غير العربية في المنطقة وعلى اوطانهم وثقافتهم وتاريخهم وجغرافيتهم وغيرها

مما انتجت جملة تصورات و مفاهيم تحولت في النهاية الى معتقدات ومسلمات منتهية لاتقبل الجدل والى مفاهيم مقدسة او لنقل الهية بصورة اكثر تعبيرا و بلاغة, وتحول كل من يتحدث خارج اطار تلك المسلمات الى كافر او مرتد او عميل , لذا فان الاخ مناف قد كتب وفق ما تمليه عليه تلك الخلفية الثقافية  المتراكمة عليه دون قصد منه او تعمد .


    لقد اعتبر الاخ مناف اطلاق اسم  كوردستان على وطن الكورد على انها جريمة وخيانة وشبيهة بحالة اسرائيل , وقد قالها بكل بساطة وطلاقة و دون خوف او وجل  منطلقا من حالة لاشعور كرستها البيئة والمناخ الذي يعيشه والسلطة الاستبدادية التي تحميه على عكس الحالة التي يشعر بها الكوردي من كل ذلك حيث يتجنب ذكر اسم وطنه كوردستان او لغته او ثقافته او تاريخه خوفا وخشية من ذات البيئة والمناخ ومن السلطة الاستبدادية ذاتها , والمفارقة هنا بادية وواضحة ومؤلمة  .
ان كل حديث خارج اطار فلسفة عروبة هذه المنطقة فكريا وثقافيا وتاريخيا تعتبر خيانة وعمالة وكفرا على ان العرب هم اسياد هذه المنطقة واما الاخرون , اديانا او اقواما , فيمكن ان يمنحو بعض الحقوق شريطة ان يقبلو بالاسلام دينا وبالبعث قائدا للدولة والمجتمع وبصدام حسين او حافظ الاسد قائدا الى الابد بعد ان يحفظهم الله ويرعاهم , تلك اصبحت القاعدة واما النشاذ هو ان تتحدث عن مسائل اخرى كالمساواة و الديمقراطية وحقوق الانسان , حتى ولو كنت تتحدث عن قريتك واغاني آبائك واجدادك .
 من هذا المنطلق لايرى الاخ مناف في سوريا , التاريخ والجغرافيا والثقافة والاقوام , سوى انها عربية  وان اي حديث عن لاعروبة سوريا او اي جزء منها هي مؤامرة وخيانة وغدرا , وينسى ان سوريا بحضارتها وآثارها وتاريخها ومدنيتها وجدت قبل دخول العرب اليها وينسى ان نسبة العرب في سوريا لاتصل الى 10% من مجموع السكان وهم تلك الفئة التي استوطنت ريف الحسكة ودير الزور وريف حمص والرقة , بعد مجيئ الاسلام,  اي الشريط المتصل مع الحدود العراقية وان باقي سكان سوريا لاينحدرون من اصل عربي الا اذا اصر الاخ مناف على ان هذا القول ايضا يعتبر كفرا وخيانة وعمالة وتقسيما وتجاوزا لكل المقدسات .


ان مفهوم التقسيم ايضا تحول بفعل تاثيرات ثقافة الاستباد والطغيان الى مرض مذمن في خيال القوميين العرب , لذا يعتبرون كل حديث عن التعدد الديني والقومي تقسيما وكل حديث عن راي سياسي اوفكر ديمقراطي او ثقافة اخرى تقسيما وخيانة وغدرا , وفي ظل هذا المناخ , العروبي , الاسلاموي , المتسم بالارهاب والسطوة والسحق , بات من الصعب الحديث في هذا العالم الجميل القائم على الحرية والديمقراطية وعلى مبادئ حقوق الانسان وحرية الاعتناق والانتماء واللغة والراي , من التحدث عن تلك القيم النبيلة في سوريا ومعظم الدول العربية , ما عدا العراق الجديد .


ختاما لقد ابلى الاخ حسين عيسو بلاءا حسنا حين او رد ببعض الحقائق التاريخية من الماضي السحيق , اي فترة ما قبل قدوم الاخوة العرب الى هذه المنطقة بعدة آلاف من السنين , وانا اقول للاخ مناف ان كوردستان التي تعتبرها اسرائيل ثانية هي موطن لملايين من البشر يعشقونها ويفتخرون بانتمائهم اليها بحلاوتها ومرارتها ,  كونها تجسد شخصيتهم وكرامتهم وتاريخهم وهم مقتنعون  بهذا الوطن الذي اسمه كوردستان سواءا كان وطنا ممتدا على مساحة قارة او وطنا مختزلا بمساحة قرية ,  واود ان اطمأن الاخ مناف بان الكورد لايطالبون بدمشق اوالقدس او القاهرة او غيرها من المدن التي حرروها , بكل اسف , من الصليبيين الذين ربما ما كانو اشد ظلما وقسوة من اخوتهم العرب وهم لايطالبون سوى بمدنهم وقراهم المتناثرة هنا وهناك والمحرومة من كل شيئ ابتداءا بشرف حمل الهوية وانتهاءا بمنع تسجيل ولادة طفل يولد , والى ان يتحرر هذا الوطن لابد لابنائه من النضال والعمل والمثابرة من اجل ذلك ولابد من ايجاد اصدقاء اوفياء من الاخوة العرب والترك والفرس , امثال مناف جاسم  وغيره , حتى يساعدوننا على التحرر من عبوديتهم لانه تحرر لهم ايضا  والتمتع معا بالحرية والكرامة والمساواة .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…