إن معنى المقاومة في لفظها، هو رد لظلم أو صد لعدوان، أو نضال للتحرر من احتلال.
والحالة الأخيرة، تعد من أسمى الحركات النضالية، التي تجيزها الشرعية الدولية، وتلقى التأييد والتعاطف من الجماهير الشعبية ومن مختلف الحركات السياسية؛ وهي الموضوع الذي نحن بصدد تناوله ..
فلكي تحافظ المقاومة على شرعيتها ونظافتها، فلا بد من أطر ضابطة تقوّم نضالها، ومنطلقات فكرية وأخلاقية ترشد وتعزز انطلاقتها .
وسوف أتناول هنا بعض الضوابط التي أراها من المفيد والصواب مراعاتها، حتى تبقى المقاومة محافظة على قيمتها وشرعيتها، وحتى تحظى بتقدير الناس وتعاطفهم معها وتقييمهم الإيجابي لها …
– أن تكون المقاومة وطنية، أي يتشكل قوامها من مواطني البلد المعني، دون أن يكون لها أي ارتباط خارجي، أو ولاء لجهة ما، ما عدا الولاء للدولة.
– أن يكون التمويل من مال وعتاد ذاتيا وطنيا، حتى لا يصادر قرارها، وحتى لا تتهم بتبعية خارجية.
– أن تشتمل المقاومة على سائر تكوينات المجتمع المعني، أي مختلف شرائحه الاجتماعية بحيث لا تقتصر على عرق أو دين أو طائفة أو مذهب …
– أن تكون المقاومة واضحة الأهداف واضحة المعالم نبيلة الغايات.
– أن تحظى المقاومة باحتضان ورعاية الدولة لها، بل وحتى تبنيها، طالما المقاومة موجهة ضـد عدو خارجي، يتمثل إما باحتلال مباشر، أو باغتصاب أرض، أو مواصلة التهديد واعتبار المقاومة متممة ومكملة للدفاع الوطني المتمثل بالجيش النظامي .
في كل الحالات ينبغي على المقاومة أن تلتزم بقرار الحكومة وبسياساتها، ولا تنفرد بمبادرات كالعمليات الهجومية، أو إعلان قتال، دون تنسيق بينها وبين الحكومة .
– أن يكون قادة المقاومة معروفين، وألا تثير حركتهم الهواجس لدى المواطنين، وتدخل الرعب في نفوسهم تحسبا من أن توجه فوهة البنادق باتجاههم يوما ما .
– أن يكون هناك إجماع، أو شبه إجماع وطني وشعبي على ضرورة وجود المقاومة، وأن تسعى المقاومة لكسب تأييد الرأي العام الدولي، بحيث لا يدخر قادة المقاومة بذل أي جهد لإيضاح وجهة نظرهم، وتعريف الآخرين بمشروعية نضالهم وبعدالة قضيتهم، بالطرق الدبلوماسية، وعن طريق الإعلام، فكسب التأييد الواسع والتعاطف الدولي، أهم من عملية ناجحة محدودة، تثير الرأي العام ضدها.
– أن تتوسل المقاومة السبل الديمقراطية أساسا، والوسائل المشروعة دوما، وأن تبتعد وتتجنب من إتيان أعمال موسومة بالإرهاب، تسبب في تأليب الرأي العام ضدها، لاسيما في النظم الديمقراطية طالما السبل الشرعية متاحة .
في ضوء هذه الأفكار، يمكن لنا أن نتطرق لنموذجين من المقاومة، ونرى مدى مقاربتها لتلك الأفكار.
إن المقاومة في العراق، لا يمكن تحديد هويتها، إنها مزيج من أطراف مقاومة، التقت مصالحهم الظرفية، رغم اختلاف مشاربهم الفكرية، وافتراق إستراتيجيتهم، جميعها سعت لبث الرعب، وزرع الفوضى، والتحريض على الفتنة الطائفية والعرقية، وتأليب الناس بعضهم ضد بعض، لخلق حالة من عدم الاستقرار، تسبب في تذمر الناس، وتعيش الدولة في أزمة مستديمة.
الأهداف غير محددة، قادة المقاومة غير معروفين، وإن عرف بعضهم لدى الناس جميعا كإرهابيين؛ وبينهم من يثني على المقاومة، لكنه بالمقابل يتنصل من أعمالهم مخافة المسؤولية الجزائية؛ الوسائل المستخدمة مرعبة؛ وما دعوتهم مقاومة الاحتلال الأمريكي، إلا ذريعة كاذبة، وتغطية، لا يمكن لها أن تبرر أعمالهم الإرهابية؛ ولا ننسى أن بينهم كثيرا من غير العراقيين .
أما المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله؛ فهنا الوضع يختلف، هنا قادة حزب الله معروفون كلبنانيين، ولهم باع مشهود له في مقاومة المحتل الإسرائيلي، وحظيت المقاومة بدعم شعبي ووطني وعربي وإسلامي؛ وألحقت هزيمة منكرة بالعدو الإسرائيلي في جنوب لبنان واستطاعت أن تصمد وأن تجرح بطولات من خلال الاستبسال والمقاومة في المعارك الأخيرة …
لكن بالمقابل للبنان تجربة مرة مع المظاهر المسلحة، وإن اتفاقية الطائف توجب في النهاية ضرورة اختفاء كل تلك المظاهر المسلحة في مرحلة ما, إن أطرافا عديدة التزمت، وحلت ميليشياتها، وغالبية الشعب اللبناني اليوم يتحسس من بقاء حزب الله وحده مسلحا، ويتوجس منها خيفة، من أن تسبب في فتنة داخلية، يلتهب جراها كل لبنان في حرب أهلية؛ علينا أن نعي أن حزب الله حزب إسلامي، وأن وطنية هذا الحزب لا ينفي ولاءه العقائدي لخارج لبنان، ثم أن المقاومة تقتصر على طائفة وحيدة هي الطائفة الشيعية الكريمة، كما أنها تنفرد وحدها بالمقاومة، دون رجوع أو تنسيق مع الدولة كما أنها تمول من عتاد ومال وسواهما من خارج لبنان، وكل هذا محط شك وتوجس من قبل غالبية اللبنانيين وتثير هواجسهم.
..
بعد عرضنا لبعض الأفكار والضوابط، وإسقاطها على نموذجين من المقاومة، نقول: لا يمكن لنا أن نثني على أية مقاومة كانت جريا وراء شعاراتها، ولا يمكن لنا أن ندرجها في سياق المقاومة أصلا، طالما يكتنفها الغموض، وتثير الهواجس لدى المواطنين، الخشية كل الخشية على الديمقراطية في لبنان، التجربة الرائدة الوحيدة في العالم العربي؛ ووأد التجربة الديمقراطية الوليدة في العراق، والعودة بالبلدين إلى القهقرى