رثاء صدام حسين كردياً!!

جان دوست

هالني ما قرأته قبل أيام على صفحات موقع روزافا  في ثنايا مقال تحت عنوان لمصلحة من إعدام صدام حسين؟ و لا أخفي أنني  أعدت قراءة المقال  للمرة الثانية لأتأكد أن كاتب المقال ليس أحد أيتام صدام من الباكين عليه و النائحين و المولولين ليل نهار و صبح مساء.

لا لم يكن كاتب المقال أحد أولئك الأيتام بل كان أحد اكرادنا من أصحاب القلوب الرقيقة و الأعين الدامعة و العواطف الجياشة.

لقد كان ذاك المقال ذرفاً إنترنيتياً للدموع و دعوة مكشوفة لإدانة الإعدام الذي يستحقه صدام حسين بعدد ضحاياه من الكرد و العرب و السنة و الشيعة و البقر و الدواب  و الحمير و بنات آوى  و ثعالب البرية و افاعي الصحراء.

لقد وقع كردينا تحت تأثير الإعلام العربي المولول و الذي هول و ضخم الحدث  البسيط الذي ليس سوى إعدام طاغية يشبه إعدام موسوليني و تشاوتشيسكو و مقتل هتلر و إعدام مجرمي الحرب و غيرهم من الطغاة.

ليس في الحدث ما يثير الجدل  سوى أن أعين صدام حسين ( التي ابقاها الجلادون مفتوحة بناء على رغبته) لم تكتحل برؤية العام الجديد و أن أعينه لم تكتحل برؤية ثياب العيد على أحفاده في الصورة التي كانت ستصله في سجنه.

ما معنى احتجاج كردي لم يسمح صدام لخمسة آلاف طفل و امرأة و شيخ من أمته برؤية عيد النوروز؟.

لقد أعدمهم صدام الحياة في لحظة واحدة و بالغاز( طريقة رومانسية للقتل في الهواء الطلق و الحقول  لا تثير  الشفقة) و في يوم الجمعة الذي لا يقل قدسية عن الأعياد؟.

صدام  كان يفجر ضحاياه  بأصابع الديناميت.

و كان و كان و لا حاجة بي هنا  لتعداد اساليبه في الإجرام فالجميع يعرفها!! صدام كان زعيم مافيا  و رئيس عصابة و قرصاناً و لا أرى فيه من الصفات الإنسانية صفة واحدة  تجعلني  أتوقف  كإنسان و ليس ككردي أمام حادثة إعدامه بتلك الطريقة( الشنيعة) على حد تعبير كردينا الحزين.
يقول كردينا الباكي ( بعد هنيهة من كفكفة دموعه) : أمريكا هي صاحبة المصلحة الأولى و الأخيرة في إعدام صدام!!  يا لعجبي!! و الكرد  ليس لهم مصلحة في إعدام هذا الغول!! و الأبرياء من الذين شردوا و عذبوا  و استبيحت دماؤهم و أعراضهم لا مصلحة لهم في إعدام هذا الوحش!!
على الأقل يجب علينا احترام  تلك الأمهات اللواتي امتد بهن العمر  ليروا موت هذا المجرم  و يظفرن بقليل من الراحة النفسية بعد سنوات من العذاب  و القهر و الشعور  بالذل.

لقد كان وجود صدام حسين حياً على الأرض أكبر عار للبشرية.
يواصل كردينا الثاكل بكائيته قائلاً:  وبديهيات العمل السياسي تقتضي بأن إعدام صدَّام، في هذا الوقت بالذات، وبتلك الطريقة الشنيعة، والنقل التلفزيوني لها، تقتضي بأنها تنطوي على مجازفة خطيرة، من شأنها تعميق الشرخ الطائفي الحاصل في العراق، ناهيكم عن أن الإعدام في أول أيام عيد الأضحى، وأعياد الميلاد ورأس السنة، تنطوي على منزلق أخلاقي وإنساني جد خطير.
هذا  الكلام يذكرني بالممثلة الفرنسية بريجيت باردو الرقيقة القلب التي تحتج على ذبح الأضاحي في عيد الأضحى و لا تحتج على ذبح مئات الآلاف من الخنازير في مسالخ أوروبا.

كما يذكرني بنفاق الدول الأوروبية التي  تدين الإعدام  و تسلح أمثال صدام لينكلوا بشعوبهم  و يغيروا على جيرانهم  و يعدموا خيرة أبناء الشعب دون أن يرف لهم جفن أو يصدر عنهم صوت احتجاج .

إن المنزلق الإنساني الخطير الذي يتحدث عنه كردينا المكلوم!!! هو قتل طاغية في يوم عيد!! أو تصويره ونقل ذلك للملأ.

قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر                  و قتل شعب آمن مسالة فيها نظر!!
هكذا سخر جبران خليل جبران من المنافقين.
و بهذه العين  يقيس  منافقو أوروبا  من تجار الحروب و نجاري الطغاة  الحادث و أمثال كردينا يقعون تحت تأثير التهويل الإعلامي  العربي العروبي  الغوغائي و يلبسون رداء التمدن المزيف  و الحس الإنساني المرهف فيقولون إن إعدام صدام كان بشعاً!! و لا أدري  ما هو الإعدام غير البشع!! إن العبارات الواردة في ثنايا هذا المقال المهين تفصح عن مدى وقوع الكاتب الكردي الذي حرمته مشاهد النقل التلفزوني من متع العيد و و خمور راس السنة, تفصح عن مدى وقوعه تحت تأثير المخدر القوموي العروبي و الغوغائي و إلا فما معنى احتجاجه على التوقيت ( غير الموفق و الخطير) الذي من شأنه (تعميق الشرخ الطائفي) في العراق!!! لا أعرف متى كان هؤلاء يريدون إعدام صدام حسين!! هل في يوم تأسيس البعث  أم في يوم  ثورة شباط البعثية في العراق أي في الثامن من شباط!! أم في ذكرى احتلاله للكويت!!
يبلغ  الكردي البائس و المنهار و المصدوم ذروة الإحباط عندما يقول: إن إعدام صدام فيه من الإرهاب ما فيه!!
إعدام صدام إذاً اصبح إرهاباً !! أيها القوم  ثكلتكم أمهاتكم  ألا حلفتكم باللات و العزى و مناة الثالثة الأخرى من يعرب لي  هذا الكلام؟ إعدام صدام إرهاب!!!! ما هو المبتدأ هنا و ما هو الخبر؟ و من يقول ذلك؟ كردي عايش حلبجة و عاش  هول  جرائم البعث الصدامي!! من يرهب من!! لو فيه إرهاب  للطغاة فليكن! لم لا!! و للإرهابيين فليكن لم لا!!
يتمادى هذا الكردي  في مرثيته عندما يقول:
ناهيكم عن أن إعدامه، قد رقَّاه إلى مرتبة “الشهادة والبطولة” في مقاومة الأمريكيين، وحوَّله من طاغية إلى رمز قومي ديني عربي، وهذا ما كان يسعى إليه صدَّام في حياته، وحصل عليه بموته.
يعني  أن صدام لو لم يعدم لما أصبح بطلاً!! يا رجل اتق الله و احترم قلمك!! صدام بطل عروبي كبير في نظر الملايين من الجماهير الجاهلة و الأمية و هو البطل منذ عشرات السنين  حتى عندما احتل الكويت  رقص العرب  و غنوا و ثملوا بنصره المبين و قبله  ياسر عرفات من جبينه قائلاً له أنت صلاح الدين!! أم أن الذاكرة أصيبت بالشلل!! صدام كان بطلاً كبيراً دبجت له اقلام المئات من الصحفيين العرب من المرتزقة و آكلي الجيف كتباً و مقالات و أساطير!! صدام بطل و كان سيعتبره الغوغاء  شهيداً حتى لو مات في سجنه دون أن يمسه أحد!! و كأنك لا تعرف  شعوبنا المهووسة بطغاتها!! شعوبنا التي تعبد مضطهديها و تلحس أحذية جلاديها!! صدام هو الرمز القومي العربي شئت أم أبيت.

و إعدامه لا يغير من المعادلة في شيء.

و لم يكن في عملية الإعدام من المساوئ سوى أنه مات دون أن يحكم القاضي عليه بالإعدام شنقاً حتى الموت في قضية الأنفال.

من هنا تستطيع أن تبكي.
لقد قال أحد المعلقين و أصاب في قوله: انشغل الناس بآخر خمس دقائق من حياة صدام  و نسوا  ما اقترفه هذا المجرم على مدى أكثر من ثلاثين عاماً.

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…