إحصاء رياضي

الدكتور شمدين شمدين

على شاشة قناة /2/ الفضائية تابعنا احد الأفلام الأمريكية التي تغوص في عالم الخيال ،وميزة هذا الفيلم الذي يدعى /ماتريكس/ انه يستعير من فضاء الرياضيات اسمه ،ويتحدث عن مجموعة من الشباب الأمريكي المتعلم ، وهم يخوضون معركة إنقاذ العالم من الدمار الذي يحيق به جراء القوة الشريرة التي تسكن العالم الآخر، وبما أن العالم الآخر هو عالم افتراضي لذا يتوجب على أفراد هذه المجموعة أن تتجرد من لباسها الإنساني ، وتسافر عن طريق الفكر والوعي إلى ذلك العالم المليء بالأسرار والأشرار

ولأنه لا بد من قائد يمسك بمفتاح الولوج والخروج من ذلك العالم فقد اختارت الأقدار رجلا تنفتح بواسطته كل الأبواب ويكون على يديه تحرر أو فناء العالم ،انه المنقذ الذي يسخر نفسه وروحه من اجل إنقاذ العالم الأرضي من ألاعيب أشرار العالم السفلي ،وكل هذا يتم عن طريق الافتراض الرياضي  لكن هذا الافتراض نفس! ه  يقودنا اليوم إلى واقع ارضي تعيشه منطقة المفتاح ويخوض فيه المنقذ دوره المطلوب، إنها ارض العراق والمنقذ الذي يخوض معركته الأخيرة هو جورج بوش ، فالرئيس الأمريكي يعلم إن العراق هو مفتاح الازدهار أو الانهيار ففي حالة نجاح الديمقراطية وحلول الاستقرار في العراق ، فان منطقة الشرق الأوسط برمتها ستعيش واقعا جديدا مليئا بالتطورات التي ستلامس حياة البسطاء والمهمشين في هذه المنطقة، وربما وحسب اعتقاد المنقذ فان نجاح مهمته ستكون البداية لسلسلة نجاحات للسياسة الأمريكية ولحلفاء أمريكا المعتدلين ،أما إن فشل المنقذ في مهمته فان الشرق الأوسط وبرمته سيشهد بدايات حروب صغيرة وربما حرب عالمية ثالثة تكون على يديها دمار الشرق وفناؤه ، حيث علينا أن لا ننسى الصراعات بين الطوائف  والأعراق الشرق الأوسطية ، وحتى لا تكون هذه المأساة فقد طرح المنقذ أي السيد بوش إستراتيجيته الجديدة للمنطقة وللحل على الجبهة العراقية ،هذه الإستراتيجية التي تعد الفرصة الأخيرة للمنقذ للخروج من وحل الشرق الأوسط دون أن تلحق بأقدامه طفيليات ! وبكتيريا هذا الشرق ، وفي سبيل نجاح هذه الإستراتيجية تقوم السيدة رايس ب جولتها على عواصم المحور المعتدل للحصول على مباركتهم للخطة الجديدة ولتخبرهم إن فشل المنقذ يعني وكما أسلفنا الاستعداد لطوفان الموت القادم من جهة الشرق ، السيد بلير بدوره أرسل إشارات بهذا المعنى حين خاطب جيشه وشعبه بان مايجري في العالم لهو أشبه ما يكون ببدايات الثورة الشيوعية وإننا وحسب قوله علينا أن نكون مستعدين دائما للمواجهة ، هذه المواجهة التي دفعت الرئيس الإيراني وكقائد للمحور الآخر إلى السفر عبر البحار والمحيطات للالتقاء والتفاهم مع حلفائه من الدول الثورية واليسارية لتشكيل المحور المضاد والاستعداد للعاصفة القادمة دون أي اعتبار للتنافر الفكري والديني بين أطراف هذا المحور فالمصالح تجمع الأعداء والفر قاء، هذه التطورات تجري في الواقع المعاش الذي تدفع ضريبته عامة الشعب سواء في الغرب أو الشرق ،ولكن وحتى لا نخلط الواقع بالخيال وحتى لا نحمل الرياضيات كل مآسي الافتراض، فإننا يمكن أن نخبر المنقذ الكبير ببعض الإحصاءات الرياضية المفرحة والتي يمكن أن تجنبه مخاطر الخوض في استراتيجيات أخرى ،ربما تجلب له وللعالم مخاطر جمة حيث تقول الإحصائيات الغير رسمية انه قتل في العراق منذ دخول القوات ! الأمريكية ما يقارب 600الف مدني ومسلح ،وقتل في نفس الفترة ما يقارب 3000امريكي ، ولو أجرينا بعض الحسابات البسيطة من ضرب وقسمة وطرح  لتوقعنا وببساطة أن ينقرض العراقيون خلال 100سنة من الآن ، باستثناء أعداد الوفيات التي تسقط يوميا جراء نقص الخدمات الصحية ،والتي لم تستطع الحكومات المتعاقبة على تأمين الجزء القليل منها أما في الجانب الأمريكي وبإجراء نفس الحسابات وبإضافة الدفعة الأخيرة من الجنود المتوقع وصولهم إلى بغداد لتأمينها ضد المليشيات المدعومة من المحور الآخر سنرى أن القوات الأمريكية في العراق وكنتيجة لمعدل أعداد القتلى الأمريكيين اليومية تحتاج إلى مدة 170عاما حتى تفنى عن آخرها، أي إن هذه القوات ستحكم العراق الخالي من أي جنس بشري ولمدة لا تقل عن سبعين عاما ، ومن هنا نكتشف ووفق هذه الإحصائيات الرياضية والتي تقترب قليلا من الخيال إن المنقذ الأمريكي لا يحتاج إلى أية استراتيجيات جديدة ، فالأحداث تسير لمصلحته والأقدار تقف دائما إلى جانبه والعراق سيبقى أرضا ترفده بالغذاء اللازم لاستمراريته وبقائه كقوة عظمة تتهاوى في طريقها كل قوى العالم ا! لآخر أو العالم الشرير الذي يقتل العباد ويهدر مقدرات البلاد .

أخيرا هل سنشهد ذات مساء استفاقة البشرية على ما صنعته أطماعها من تدمير للقيم الإنسانية والخيرات الأرضية؟ أم سنبقى مثل نظرائنا في أفلام الخيال الرياضي نحارب دون توقف أملين أن تحقق الأحلام ما لا ترضى الأيام بتحقيقه من انتصار لارادة الخير على الشر، وانتصار للسلام على القتل، وانتصار للتعاون على الانشقاق والأحقاد ،نرجو ذلك ونتمنى لكل أبناء الشرق والغرب البسطاء عاماً طيباً وسعيداً.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم بعد كفاح طويل ومرير ومتشعب من الصراع خاضه السوريون، وإثر ما عرفت بالثورات “الربيع العربي” والتي لا تزال إرتداداتها مستمرة كما هي الزلازل الطبيعية؛ لاحقاً فقد تمت الإطاحة بنظام الحكم في سوريا ٠٠٠ وبما انه لا بد من ملئ الفراغ الذي خلفته الإطاحة العسكرية تلك وتداعياتها في عموم الساحات السورية والكردية خصوصاً؛ فقد بادر اصحاب الفكر الإستباقي…

درويش محما من كان يصدق أن يسقط بشار الأسد فجأة خلال بضعة أيام وعلى النحو الذي رأيناه؟ لو جاءني أحدهم قبل أن تتحرر دمشق، وقال: إنَّ الأسد ساقط، لقلت له: كلام فارغ ومحض هراء. وأقصد بالساقط هنا الساقط من الحكم والقيادة، لا الساقط الدنيء الشاذ في السلوك والتصرفة؛ للتوضيح أقولها ولتجنب السهو واللغط، لأن بشار الأسد لم يعد اليوم ساقطًا…

خليل مصطفى مطالب كورد سوريا (بعد سقوط نظام البعث) ليست بجديدة، بل هي قديمة. فالغالبية العظمى من أبناء شعوب الأُمُّة السُّورية (وتحديداً ذوي الذهنية الشوفينية / عرباً وآخرين أمثالهم): لم يقرؤوا التاريخ الحقيقي لشعوب الأُمَّة السورية وتحديداً المُتعلق بالشعب الكوردي.؟! ولذا أُعرض للمعنيين (أعلاه) جزئيات من تاريخ سوريا (فترة الانتداب الفرنسي): أوَّلاً / عملت فرنسا خلال الأعوام من 1920 إلى…

أزاد خليل* في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، دخلت سوريا منعطفًا تاريخيًا بعد إسقاط نظام الأسد، إيذانًا ببدء مرحلة انتقالية تهدف إلى إعادة بناء الدولة على أسس جديدة، بعيدًا عن عقود من الاستبداد والحرب. هذه المرحلة تشكل نقطة تحول نحو تحقيق تطلعات السوريين للحرية والكرامة، بعد أربعة عشر عامًا من النضال والتضحيات. الفرص والتحديات أمام سوريا الجديدة مع إسقاط النظام، باتت…