الأكاديمية العليا للجريمة..!.

إبراهيم اليوسف

إلى أسماء أبي اللبن

لقدأماطت الثورة السورية اللثام، عن حقيقة النظام الدموي الاستبدادي في سوريا، بعد أن أجريت عمليات مكياج كثيرة له-ممثلة في شخص المترئس بشارالأسد- في محاولة إخفاء مدى بشاعته، وذلك عبرصفقات تواشج فيها أساتيذ علم التزوير، محليين، وإقليميين، ودوليين، كي يخدع العالم كله، موهمين أنهم أمام عقل منفتح، درس الطب في دمشق، وأكمل دراسته العليا في بريطانيا التي سرعان ماصاهرها، من خلال مواطنتها من الأصل السوري، ليضفي وجودها مسحة ديكورية، يسدّ أي فراغ في اللوحة المصطنعة التي لابد من فبركتها، حتى يخيَّل إلى ملايين السوريين، ومليارات العالم، الذين عرفوا دموية أكثر من أسد، أظهر استرخاصاً لأرواح السوريين، بقلوب لاتعرف الشفقة، أو الرحمة،
حيث أن السجين السوري الذي اعتقل في ثمانينيات القرن الماضي، قد مرَّ عليه الآن أكثر من ثلاثين عاماً، وهو مجهول المصير، ليسجل المعتقل السوري بذلك، أكبر رقم قياسي في العالم.
ومن يتتبع تاريخ الإجرام في العالم، منذ قتل قابيل لهابيل- حيث قتل نصف البشرية- يجد أن الجريمة، تأتي على أشكال كثيرة، بل ودرجات عدة، إلا أن من يعاين الجريمة التي يمارسها النظام الدموي في سوريا، بحق شعب”ه”، الذي تجاوز كل حدّ، ليبلغ أفظع حالاً، على مدى التاريخ، فإنه سيرى أن هذا النظام، جمع بين كل أشكال الجريمة، بل ابتكر أشكالاً جديدة -وهو الذي لم يبدع إلا في مجال القمع والاستبداد والدكتاتورية وخيانة الوطن- حيث جمع بين بربرية الإجرام التقليدية، والحداثية، وما بعد الحداثية، في آن واحد، كي يقف العالم -كله- مذهولاً-أمام الفظائع المرتكبة، إذ لم يسجل التاريخ، وحتى الآن، سابقة من هذا النوع، يقوم حاكم، طاغية، خلالها، بمجابهة من يفترض أنه -شعبه- بكل الأسلحة الثقيلة، بل وهو لايتورع، عن الإعلان، على رؤوس الأشهاد، عالمياً، بأنه سيلجأ إلى استخدام الأسلحة الكيميائية التي يمتلكها، في حال تدخل العالم الحر، مايذكر-تماماً- بتهديد راعي البيت أفراد أسرته بالموت، في ما إذا واجهوه بأية حقيقة.
 
سلسلة المجازر التي ارتكبها، ولما يزل يرتكبها، النظام الدموي، في الأسابيع الأخيرة في عدد من المدن السورية، ولاسيما في كل من:الحراك -داريا- وريفي دمشق و إدلب، وكذلك في ديرالزور والبوكمال..إلخ..،هذه المجازرأكدت أن من يقوم بها، ليس أنه لاعلاقة له بالحس الإنساني البتة، وإنما لا يمكن لأي وحش مفترس أن يقوم به، في مواجهة قطيع من الأغنام، لأنه حتى هذه الوحوش لها أخلاقياتها التي لاتتجاوزها البتة، وهي تبدو أشبه بالوعول، في ما إذا قورنت به، وليس أدلَّ على ذلك من القصف العشوائي للمدنيين، واستهداف النشطاء، بل وحرق الشجر، والحجر، دون أن تكون هناك قضية سوى كرسي السلطة.
إن أية دراسة للإجرام الذي يمارسه النظام السوري، على طول البلاد وعرضها، تبين أن مايتم ليس وليد المصادفة، بل إن هناك منهجاً لديه في عالم الجريمة، غير مسبوق البتة، الأمر الذي يؤهله لأن يكون ليس مدرسة خاصة في هذا المجال، بل أكاديمية، عليا،في إزهاق الأرواح، وسفك الدماء، وذبح الشيخ المسن، كما الطفل، كما المرأة، كما الحيوان، سواء أكانوا في بيوتهم، أم حتى في بيوت الله، وهي جميعها سلوكيات شاذة، تنتمي لآلة غريبة عما وصلت إليه بوصلة اللحظة، حيث لامكان لهذا العقل السفاح في معجم العصر البتة، لأنه عقل كارثي، على عداء مع البشرية برمتها.
 ومن هنا، فإن النظام الذي هدد بحرق المنطقة، أو محو قارة كاملة، في حال وقوف أحد منها إلى جانب الثورة السورية، لايتصرف -اعتباطياً- بل هو لا يزال يطبق “خطة عمل”، وضعها، “عن سابق وعي وإرادة وتصميم”، وهي صفات، ونعوت، تجعل الجريمة موصوفة، لاسيما وأنها لم تقع في حالة “ردّ فعل”، وإنما وقعت في موقع “الفعل”، لأن النظام  بدأ بمواجهة “الموقف” ب”الرصاص” ومن ثم ب”القنبلة” و”الصاروخ” والقذيفة” و”الطائرة” و”المدفع” إلخ…..، وهو سلوك ، لا يمكن أن يوجد أي شبيه له حتى لدى أعتى مجرمي النازية، والفاشية، هؤلاء الذين يترفعون عن ذبح طفل صغير، أو استهداف منارة جامع، لاسيما وإذا وضعنا في الاعتبار، أن مايتم هو حرق سوريا، حتى ما بعد قرن، مادام أن جيلاً كاملاً نالت منه “حرب النظام المفتوحة”، وهو من دفع الضريبة، بين من طويت صفحة حياته، أومن أصيب بعاهة دائمة، أومن هجِّر، ليخسره وطنه، ويخسر الوطن، بل إن حليب طفل العام 2050، وهو رقم افتراضي، سيتأثر بهذه الحرب، كما تراب المكان، وهواؤه، وماؤه، وسماؤه، وهو ما يجعل اسمه في قائمة عتاة المجرمين المرضى.

 وحقيقة، أحار، وأنا في موقع تخير مجرد جريمة مثيرة، تدل على انعدام أخلاق هذا النظام، لأن كل ما يتم من سيل للدم السوري، إنما يصب في هذا المجال، ولعل لقطتين تفرضان نفسيهما علي-وأنا في مقام  رصد ما هو أشدّ استفزازية وما أكثر الأمثلة..!- وهما تعودان لطفلة واحدة، هي أسماء أبو اللبن، ابنة داريا، الشهيدة، وكانت قد كتبت بعيد مجزرة الحولة 25-5-2012، على لوحة رفعتها عبارة” قتلوا الأطفال بالحولة حمص موكتير بعيدة عن داريا!! يارب تنتصر الثورة قبل ما يجي دوري”  إلا أنها وبعد ثلاثة أشهر، من المجزرة نفسها، وتحديداً في 25 -8-2012، قتلت على أيدي هذا النظام الأخطبوطية، لأن حمص ليست بعيدة، فعلاً، كما قالت لا عن داريا، ولا عن حلب، ولاعن أية بقعة سورية، تختصرها طائرات الميغ21 في ومض البصر، كما أن النظام المجرم، ليس بعيداً عن محاكمة التاريخ..!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…