وانما الارادة الكوردية متأصلة ومتجذرة منذ القدم ولكن بين الحين والآخر ممكن ان يكون هناك تغيير في الاستراتيجيات بالنسبة الى المجتمع الكوردي حيث بدأت بالثورات والانتفاضات ومن ثم بالحركة السياسية المنظمة و بالوسائل الاعلامية الجديدة كالنت وما شابه ذلك, اما المشكلة الكوردية فهي من صنع السلطات التي اعتبر الشعب الكوردي دخيل ويطمح في اقتطاع جزء من البلاد والإخلال بالامن القومي العربي وما الى ذلك وبالتالي حدثت المشكلة..
ولن نتطرق كثيرا الى مضمون المحاضرة لاننا سننشرها كاملة في نهاية التقرير.
وبعد انتهاء المحاضر من القاء محاضرته فتح المجال للحضور لطرح الأسئلة:
وفيما يلي نص المحاضرة ويتبعها الأسئلة واجوبة المحاضر عليها:
«القضية الكردية في سوريا»
بقلم : محمد إسماعيل *
مدخل
إن تاريخ الشعب الكردي الذي يتجاوز تعداده / 40 / مليون نسمة لم يتم إيلاء الاهتمام اللازم به من قبل كثير من الباحثين والمختصين من جهة، والتشويه الذي تعرض له من قبل الأوساط المضطهِدة للشعب الكردي من جهة أخرى, والتي حاولت صياغة التاريخ وعلم الآثار وفق مقاييسه السياسية والآيديولوجية بعيداً عن العلم والبحث العلمي وعدم السماح للبعثات بالبحث
في مناطق توزع هذا الشعب, ونشر نتائج أبحاثها بحرية, كما أن الشعب الكردي نفسَه لم يتمكن من الدراسة والبحث عن أصوله لعدم توافر الإمكانات لديه.
والشيء المؤكد هو أن الكرد وبهذا العدد, وهذا الكم الهائل من العشائر والقبائل التي تتكلم لغة واحدة ((وإن اختلفت اللهجات)) يتميزون عن اللغات الأخرى، وهذه العادات والتقاليد الموحدة والإرادة المشتركة لم يكونوا يوماً طيوراً جاءت من عالم آخر أو لم يكونوا نملاً خرجت من باطن الأرض, حيث يؤكد المؤرخون من أمثال مينورسكي وليرخ والميجرسون وغيرهم بأن الكرد
من الجماعات القديمة التي سكنت شرقي الأناضول وهم أحفاد الآريين والميديين, كانت تقطن شرقي بلاد آشور وهم من الأمم الهندو أوربية من جهة اللغة واللسان ومن الجنس الآري من جهة العنصر والدم, وهم من أقدم شعوب المنطقة, تعود أسلافهم إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وإنهم بنوا حضاراتٍ وإمبراطورياتٍ ذاتَ شأن في المنطقة, وتعرضت مناطق سكناهم الى المد والجذر لأن القوة هي التي كانت الحكَمَ على مر العصور، إلا أنهم استقروا منذ قرون عديدة في مناطق وجودهم الحالي في رقعة جغرافية متصلة تتوزع بين تركيا، إيران، عراق وسوريا.
القضية الكردية في سوريا
الكرد في سوريا تميزوا في المنطقة الواقعة على الحدود التركية والعراقية متصلين بأبناء جلدتهم هناك, حيث يقطنون الجزيرة العليا ((حسكة – قامشلي – رأس العين – درباسية عامودا – ديريك….)) كما يتواجدون في محافظة حلب حيث جبل الكرد ومنطقة عفرين وكوباني (عين العرب) المجاورة لولاية أورفة وكلس في كردستان تركيا ووجد الكردي نفسَه بين عشية وضحاها يقف قبالة حدود دولية تفصله عن أخوة له حيث تم تقسيم القبيلة الواحدة والعائلة الواحدة وأحياناً الأسرة الواحدة إلى شطرين, شطرٍ اعتبر في عداد المواطنين الأتراك أو العراقيين وشطرٍ في عداد المواطنين السوريين، وجدوا في إخوانهم السوريين خير شريك في الوطن وقاموا بأداء واجبهم تجاه الوطن في سبيل تحريره من الانتداب, كما حصل في جبل الزاوية وغوطة دمشق ومعركة بياندور وانتفاضة عامودا….
وقاموا بافتتاح عدد قليل من النوادي وتأسيس بعض الجمعيات إلا أنها جوبهت بالإغلاق وعدم الترخيص, كما قامت سلطات الانتداب بنفي زعماء الكرد إلى دمشق استجابة لرغبة السلطات الفاشية في تركيا لإبعادهم عن حدودها, واستمرت سياسة إدارة الظهر للحقوق القومية الكردية سارية حتى الآن بل ترافقت بممارسات لا تصدق، من نحو منع التكلم باللغة الكردية أو منع أغنية كردية, وكانت ولا تزال تعتبر قصيدةٌ شعريةٌ كرديةٌ جريمةً, وصورةُ أحد مشاهير أو أعلام الكرد إخلالاً بالأمن القومي، يتعرض بذلك الكرديُّ إلى الضرب والشتم والإهانة والاعتقال, حيث ارتفعت وتيرتها بعد تأسيس البارتي أول تنظيم سياسي كردي عام 1957م، وكذلك بعد ثورة أيلول الوطنية 1961م بقيادة البارزاني الخالد في كردستان العراق, كما باتت تمارس علناً بعد انقلاب حزب البعث في آذار 1963م حيث بدأت تمارس الاجراءات ضد الكرد بموجب مراسيم وقرارات ولوائح رسمية معلنة وفق ما تمخضت عن المذكرة سيئةِ الصيت لضابط الأمن آنذاك محمد طلب هلال ومن تلك القرارات والمراسيم:
1 – الإحصاء الاستثنائي الساري المفعول منذ عام 1962م في الجزيرة, فبتاريخ 23/8/1962 صدر المرسوم الجمهوري رقم /93/ الذي تم بموجبه إجراء إحصاء في محافظة الجزيرة دون غيرها من محافظات سوريا؟! حيث تم تنفيذه في 5/10/1962 من نتائجه تم حرمان /120/ ألف كردي في ذلك الوقت ويقدر عددهم اليوم بأكثر من /400/ ألف قسم منهم حرم من الجنسية السورية وقسك آخر جُرِّد منها ووردت أسماؤهم فجأة في سجلات (أجانب ومكتومي القيد) وحرموا بذلك من حقوق المواطنة والإنسانية طيلة سبعة وأربعين عاماً من كافة الحقوق المدنية وحق التملك والتعليم والصحة والسفر و… حتى المبيت في الفنادق لا لذنب اقترفوه إنما لأنهم خلقوا أكرداً في هذا الكون الزاخر بالقوميات والأعراق المختلفة.
2 – الحزام العربي الهادف إلى تخفيض نسبة السكان الكرد في الشريط الحدودي بطول 375كم وعمق 10 – 15كم فقامت مديرية الإصلاح الزراعي بالاستيلاء على المساحات الفائضة عن سقف الملكية ولم توزع على الفلاحين وفق قانون الإصلاح الزراعي بل بقيت /17/ ألف عائلة كردية دون دونم واحد من الأرض بل تم استثمارها مباشرة من قبل السلطات السورية, وبعام 1973م تم توطين عوائل عربية (الغمر) من محافظتي حلب والرقة على شكل تجمعات سكنية وأقامت القيادة القطرية /42/ مركزاً ووزعت عليهم أكثر من /750/ ألف دونم من أخصب الأراضي الزراعية من تلك المساحات المستولى عليها من أراضي الفلاحين الكرد مع تأمين الخدمات وإمدادهم بالسلاح والمال, وانتعشت العقلية العنصرية وبسطت سيطرتها على مراكز صنع القرار وعملت على:
1 – تجريد الكرد من الجنسية وكافة الحقوق المدنية, والحرمان من حق التملك والتعليم و…
2 – حرمان الكرد من حقهم الطبيعي في ممارسة لغتهم وثقافتهم القومية وفلكلورهم..
3 – ضرب المشاعر القومية لدى الإنسان الكردي عن طريق تغيير الأسماء التاريخية والحضارية للقرى والقصبات الكردية حيث شمل التعريب البشر والحجر.
4 – فصل ونقل العديد من الكرد العاملين في دوائر الدولة ومؤسساتها بشكل تعسفي وكذلك فصل الطلبة الكرد من معاهد التعليم التابعة للوزارات المختلفة وسحب الثقة من الطلبة الكرد بحرمانهم من القبول في الكليات العسكرية وسدّ أبواب السلك الدبلوماسي بوجههم مهما بلغت درجة مؤهلاتهم العلمية ومستوى تحصيلهم العلمي والأكاديمي وغيرها من الإجراءات المطبقة
بحق عموم الشعب السوري.
5 – المرسوم /49/ لعام 2008م الذي اعتبر المناطق الكردية (الجزيرة – كوباني – عفرين) استثناءً مناطق حدودية والذي يمنع بموجبه نقل أو تبديل أو اكتساب أيّ حق عينيّ عقاري، أو إشغاله عن طريق الاستئجار أو الاستثمار… إلا بترخيص مسبق علماً أن الترخيص حلم شبه مستحيل التحقيق، وهذا يعني أن المواطن الكردي لا يحق له عملياً البيع والشراء لأن الترخيص يخضع لموافقات أمنية لها اعتبارات شوفينية إضافة إلى حصر حق التملك كما في الأراضي الزراعية بموافقة وزارات الدفاع والداخلية والزراعة والكل يعلم بأن هذه الموافقات لم ولن يحظى بها المواطنون الكرد.
هذه المرسوم يشكل ذروة التصعيد ضد الشعب الكردي وهو قرار بترحيلهم من مناطقهم التاريخية لأنه يلحق شللاً بالنشاط الاقتصادي في تلك المناطق, كما يلحق أفدح الأضرار بالوحدة الوطنية ومصالح الوطن العليا التي تتطلب التخلي عن جميع السياسات والممارسات الاستثنائية وإلغاء المراسيم والقرارات التي تستهدف أحد المكونات الأساسية للشعب السوري.
من خلال ما سبق يتضح أن القضية الكردية هي إحدى أهم القضايا في منطقة الشرق الأوسط التي تحتاج إلى دراسة مستفيضة لإيجاد الحلول الديمقراطية العادلة والمنطقية لها لرفع الظلم وتحقيق الحقوق المصادَرة.
إننا ومن خلال أطنان الكلمات التي كتبها وبثها المثقفون والسياسيون الكرد حول التآخي والتعايش المشترك مع الأخوة في القوميات والشعوب المتعايشة معنا وكذلك من خلال الأدبيات المختلفة لجميع القوى الوطنية الكردية والمنابر الثقافية والندوات السياسية في مجال الأخوة والشراكة الوطنية والمصير المشترك وإظهار معاناة الكرد وأبعاد القضية الكردية نشعر بأنه لاتزال هناك فجوة في هذه العلاقة ومسافة تفصلنا بعضنا عن بعض.
فإننا نرى من واجبنا جميعاً أحزاباً ومثقفين أن نبذل كل ما في وسعنا لإبقاء الحوار مستمراً وفي المسار الصحيح.
للحفاظ على هذا الحوار الوطني مستمراً ومثمراً يكون الأمل معقوداً على المثقفين الحقيقيين والقوى الوطنية الذين أخذوا على عاتقهم مهمة إنارة الدرب أمام شعوبهم ودول ضامنة لحقوفنا .
إلا أن هؤلاء الذين نعقد عليهم الآمال نشعر بأن معلوماتهم عن الشعب الكردي والقضية الكردية تحتاج إلى إضافات, خاصة بعد انفتاح نخبة فاضلة من المثقفين والقوى السياسية والمجتمعية غير الكردية وذول اوربية على القضية الكردية والاهتمام بأبعادها وظروفها القومية والوطنية, التاريخية والجغرافية, القانونية والإنسانية, ولكن هناك من ينطلق في تأييده للقضية الكردية من منطلق المشاركة التاريخية للكرد في الأدب والثقافة والدين من ابن الأثير وابن خلكان وصلاح الدين الأيوبي وأبي الفداء ومنهم من يفتخر بيوسف العظمة وفي مجالات أخرى محمد عبده وأحمد شوقي وقاسم أمين….
وهناك من يرجع تأييده للقضية الكردية لأسباب إنسانية ويتعاطف معها من هذا المنطلق فيتذكر مأساة قلعة دم دم أو ديرسم وآلقمشي والأنفال وحلبجة وقمع انتفاضة قامشلو 2004م.
كما أن هناك من يربط تأييده للقضية الكردية بأحداث تاريخية كتأسيس جمعية الاتحاد والترقي وظهور الفاشية الطورانية والكمالية ونظريات ساطع الحصري العنصرية.
ولكن القضية الكردية لاتنطلق من كل هذا بل تنطلق من حقيقة بسيطة هو وجود شعبٍ تعداده أكثر من أربعين مليون نسمة مقسمٍ بين أربع دول بالرغم من توافر كل عناصر ومقومات القومية والأمة الواحدة, من الأراضي المتصلة, واللغة الواحدة, والإرادة المشتركة.
فلو لم يحدث كل ما حدث, ولو لم يظهر صلاح الدين أو يوسف العظمة في التاريخ أو لم تكن هناك المآسي من دمدم أو حلبجة وغيرها أو لم تكن هناك الشوفينية التركية وساطع الحصري أيضاً, أفلا يمكن اعتبار شعب بلا حقوق أو بلا دولة، شعب بلا قضية، علماً أن توافر كل مقومات الأمة فيه بحد ذاته يشكل جوهر القضية بشكل عام.
خصوصية القضية الكردية في سوريا تتلخص في وجود أكثر من ثلاثة ملايين مواطن كردي يقطنون جزءاً متماسكاً ومتواصلاً من أرض الدولة السورية ملاصقاً لكردستان تركيا من الشمال وكردستان العراق من الشرق ومتداخلاً مع المناطق العربية في الجنوب محرومون من كل حقوقهم القومية.
والحركة الكردية ليست وليدة الظروف الحالية أو ناتجة عن ردود الأفعال, بل إن إرهاصات قومية تشغل الحيز الواسع من التاريخ الكردي حيث كان هناك نشوء دول كردية ضمن الإمبراطورية الإسلامية ملوكها وشعوبها بأكملهم أكراد مما يؤكد تجسيد الروح القومية والمستقلة والمتميزة عن الشعوب المحيطة بهم, من مثل الدولة الروادية (1221 – 1845م), الدولة السالارية (913 – 1029م) والدولة الحسنوية (942 – 1015م)….
وغيرها بالإضافة إلى خمس وثلاثين إمارة كردية, بقي منها إحدى وعشرون إمارة حتى زمن الفتح العثماني وتغلبهم على الفرس الصفويين في عام 1514م حيث عقد الملا إدريس باسمهم معاهدة وميثاقاً مع السلطان سليم العثماني, أبقي على استقلالية هذه الإمارات مع نوع من التبعية للإمبراطورية العثمانية مما يدل على أن القومية الكردية كانت متبلورة قبل نشوء الاتحاد والترقي, وأن الجهود الكردية إلى الاستقلال والانفصال عن الأتراك حينذاك لا تعني أن تلك الفترة كانت بداية الشعور القومي بل كانت تلك بداية لتغيير الإستراتيجية القومية كَرَدِّ فعل على الفاشية الطورانية التي استفحل شرها بعد انقلاب الاتحاد والترقي (ومن قياداتها كرديان هما: إسحق سكوتي– عبد الله جودت).
فالحركة الكردية ليست موقفاً دفاعياً ازاء جهود الإبادة والتطهير العرقي, وليست استدراراً لعطف إنساني أو إسلامي بل هي حركة أصيلة انطلقت من حقوق وحقائق واعتبارات متعارف عليها وفق كل المعايير, شأنها في ذلك شأن كل الحركات الوطنية في العالم، والتي تدافع عن حقوقها ووجودها, ومشاركتها الحضارة الإنسانية.
أما المشكلة الكردية فتكمن في اعتبار السلطات أن هذا الشعب دخيلٌ مهاجرٌ طامعٌ في اقتطاع ما يسكنه من أرض, لذا يجب أن تتخذ كل الاحتياطات لقمع تطلعاتهم قبل استفحالها, وعلى رأس تلك الاحتياطات فصلهم في سوريا عن إخوانهم في كردستان تركيا والعراق (الحزام العربي) وإسقاط الجنسية عن بعضهم (الإحصاء الاستثنائي) وصهرهم في البوتقة العربية (سائر الإجراءات الشوفينية الأخرى).
فإذا كانت القضية الكردية هي ا نتيجة الحتمية للوضع الكردي فإن المشكلة هي من خلق السلطات المستنِدة في هذا الخلق إلى آراء شوفينية، ومن هنا يأتي دور وواجب المثقفين للتصدي لحل المشكلة أولاً, ثم التصدي بروِيّة إلى حل القضية بالحوار البناء والهادف مع أصحابها, أما المثقف العربي فلا حول ولا قوة له تجاه السلطات وهنا لا بد من الإشارة إلى الإعلام العربي الرسمي الذي يُشَكِّك في نزاهة كل كردي أو كل من يدعو إلى الحرية وحق التعبير وتستخدم في ذلك البعبع الإسرائيلي في وجه كل الأحرار بذريعة المحافظة على الأمن القومي, وهنا يتضح أن الفجوة والفراغ في العلاقة الكردية العربية سببها الأساسي الأنظمة الحاكمة, أما دور الشعوب فهو بدرجة أقلَّ، علماً أنها تتأثر بالخطاب الرسمي العربي,
فالقضية الكردية والحديث فيها يعد من المحرمات في الذهن السياسي العربي الرسمي, ولكن المثقف المعرفي الحقيقي يَبقى هو الأملَفي إطلاق المبادرة وإبقاء الحوار على مساره الصحيح.
قد تكون ثمة تعاطف في موقف بعض منهم إلا أنهم غير مطّلعين على تفصيلات القضية الكردية وتعقيداتها، لكن ذلك لا يبرر ولا يمنع من أن يكون لديه موقف مبدئي مطلوب كأي مثف تجاه أية قضية إنسانية, وهنا لا بد أن يشار إلى أن المثقف الكردي نفسه لم يؤدِّ واجبه في تعريف الآخرين بقضيته كما يجب ليبقى الحوار مجدياً أكثر, لأن في الحوار كل الفائدة للجميع, يبقى أن يتم توضيح ما إذا كان الاعتراف بحقوق الكرد يلحق ضرراً بحقوق الآخرين، من خلال حقيقة أن الكرد كانوا يعيشون في هذه المنطقة إلى جوار الشعوب الأخرى فارسية وعربية وآثورية وغيرها..
قبل الفتح العثماني الذي نادى اصطلاحاً بكردستان نسبة إلى اسم شعبها هي أرض الكرد بغض النظر عن حدودها ومساحتها، فقد تعرضت إلى التضييق والاتساع وفق الظروف التاريخية التي مرت بالمنطقة, إلا أنه في كل الأحوال فإن الحدود الحالية لكردستان هي أضيق الحدود التي يمكن تصورها لأنه لم يشهد التاريخ المعاصر توسعاً كردياً على حساب الشعوب الأخرى بل بالعكس من ذلك, شهد انحساراً تجلى في يومنا الحاضر في سياسات التعريب والتتريك والتفريس المعروفة.
والشعب الكردي حافظ رغم كل المعيقات على أصالته وعاداته ولغته وإرادته المشتركة في الحياة الحرة الكريمة, وهو بكل الاعتبارات يصلح لتجسيد مفهوم الأمة ويملك بالتالي حقه في تقرير مصيره وفق الشرائع الدولية ومعظم النظريات الشارحة لمفهوم الأمة, ولهذا الاعتبار تبقى كل مطالبة كردية بما هو دون الاستقلال التام أكثر من مشروع, ومن هذا المنطلق يمكننا تصور أن مطالبة الكرد في سوريا بمجرد بالاقرار الدستوري بوجوده وحل قضيته القومية بما يضمن حقه في تقرير مصيره ضمن اطار وحدة سوريا , ومطالبة الكرد في العراق بالفدرالية وفي إيران بالحكم الذاتي وفي تركيا اقتصرت مطاليب الكرد على الشروط التي وضعها الاتحاد الأوربي دون ضم تركيا إليه.
فمن خلال كل ما سبق هل بقي هناك مجال لتصور أن الحقوق الكردية إذا ما تم الاعتراف بها ستكون وبالاً على الشعوب الأخرى, فإن هذه الحقوق تعني تحرير الإنسان الكردي وإنعاشاً لروحه القومية وشده أكثر فأكثر إلى الشعب الذي يعايشه, وإذا كانت الشعوب الأخرى ستفقد شيئاً فإنها ستفقد ما ليس من حقها أصلاً ألا وهو الاستعلاء القومي والإلحاق القسري والصهر والتذويب, وهذه لا يمكن في أي اعتبار (حشرها) تحت عنوان حقوق لأنها مجرد ممارسات كان العالم يتغاضى عنها سابقاً إلا أنها وضعت في هذا العصر في قفص الاتهام والإدانة, بل في زاوية السخط والاشمئزاز.
فيأتي الملف الكردي على رأس الملفات الساخنة التي يجب أن تتناولها الأجندة السورية في أعلى مستوياتها, سواء السلطة أو المعارضة وذلك بحل المسألة الكردية حلاً ديمقراطياً عادلاً ومعالجتها معالجة جذرية ونهائية دستورياً من خلال الاعتراف بالشعب الكردي وبلغته كثاني قومية في البلاد, إذ يشكل ما يزيد على نسبة 15% ومشاركة الأكراد الفعلية في إدارة البلاد, لتـتسنى لأبناء الشعب الكردي ممارسة حقوقه الطبيعية في الحياة السياسية في دولة تعددية برلمانية ذات لا مركزية سياسية ,سواء أكان ذلك على مستوى ممارسة خصوصيته القومية في مناطق تواجده أو على مستوى البلاد كلها,لان سوريا بلد متعدد القوميات والمذاهب مثل وجود الشعب السرياني الآشوري وكذلك العلويين والدروز … لاطمئنانهم في التمتع بحقوقهم كاملة غير منقوصة وفتح المجال أمامه لكي يلعب دوره بشكل كامل في الحياة السياسية, لأن حرمان البلاد من طاقات أي نسيجٍ مهمٍّ من المجتمع السوري يخلق أجواء غير طبيعية وغير عادلة تعيق العملية الديمقراطية وتحقيق الوحدة الوطنية في البلاد التي طالما ينادي بها جميع الأحرار والقوى المؤمنة بالديمقراطية وأنصار إحياء المجتمع المدني والقوى السياسية الحريصة على أمن البلاد ووحدتها الوطنية من خلال الشراكة الفعلية في الحقوق والواجبات بين مكونات الشعب السوري ومنح حقوق الجميع كاملة في إطار وحدة البلاد.
• عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (( البارتي ))
• عضو المجلس الوطني الكردي في سوريا
الأسئلة والأجوبة:
سؤال من “شمدين نبي” : المعارضة السورية حتى الآن لم تعترف بالحقوق الشرعية للشعب الكوردي في سوريا ونرى هناك عدة خطابات سياسية مختلفة من الحركة الكوردية في سوريا كـ الفدرالية واللامركزية السياسية والحكم الذاتي ..
انتم كأعضاء في المكتب التنفيذي للمجلس الوطني الكوردي في سوريا وعضو في المكتب السياسي للبارتي ما رأيكم بهذه الخطابات وهل توصلتم الى خطاب موحد للقضية الكوردية في سوريا , وكما تعرفون ان الدكتور حامد خليل منذ حوالي عشرة أعوام جلس مع مجموعة من المثقفين الكورد وقال انكم الكورد لم تصلوا الى المستوى المطلوب في قضيتكم .
هل نبشره في هذه الأيام ؟
جواب: نحن في الحركة الكوردية مثل أي حركة في العالم جزء من المكون الشعب السوري , خلال اربعين سنة من الظلم والاضطهاد في هذه المرحلة ينقصنا الكثير في الاساليب ولدينا اخطاء في ميدان العمل السياسي..
لدينا في المجلس الوطني الكردي وثيقة سياسية ورؤية , تؤكد على الاقرار الدستوري بالشعب الكردي واهميته ااقومية وايجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية بما يضمن حقه في تقرير مصيره ضمن اطار وحدة البلاد وفي اجتماعها الثاني اكد المجلس على هذه الوثيقة وطرح برنامج السياسي المرحلي تتضمن نفس العبارات وتم كتابة عبارة وفق المواثيق والعهود الدولية بدلا من حق تقرير المصير , طبعا الاعراف والمواثيق الدولية تؤكد لشعب بهذه الخصوصية بحقه في تقرير مصيره ..
اما الاشكالية فتأتي في شكلين هناك احزاب تريد ان تبرز خصوصيتها بطرح ارائها وهناك افراد واشخاص تطرح أرائها الشخصية ..
اعتقد يجب ان يكون لدينا قدر من الالتزام بالراي المشترك لكي نثبت للعالم باننا شعب نحترم هيئاتنا , اما اذا اعطينا العنان لكل فرد ولكل حزب ان يطرح رأيه فسيكون لدينا ملايين الآراء للأفراد وعشرين رؤية حزبية وهذه اشكالية
سؤال: لدي طلب بالإضافة الى سؤال, طلبي هو ان تنشروا هذه الرؤية التي يتبناها المجلس الوطني في الاعلام بالطرق المتوفرة لدينا, عن طريق الانترنيت وسيكون انجح من ندوة جماهيرية .
سؤالي هو: برأيكم الى أين تتجه قضيتنا الكوردية ؟
جواب :موضوع القضية الكوردية والاعلام , حقيقة الاعلام له دور قوي ومهم, في فترة من الفترات كان من يملك قوات وميليشيات على الأرض كان يعتبر رقم في الحسابات , اليوم من لديه اربع او خمس اعلاميين كأن لديه قوات وأسلحة على الأرض , ولكن الاعلام كما باقي الوسائل سلاح ذو حدين اذا لم يستثمر بشكل لائق وخاصة في قضية معقدة كالقضية الكوردية في هذه الظروف الشائكة يمكن أن يؤثر ..
لقد حاولت ان اكون معقولا وموضوعيا ومرنا في طرحي , اشرح القضية الكوردية باسلوب لبق يتقبله الآخر مما يجعله – ولو اختلف معي – يحترم آرائنا .
اما اذا طرحنا آرائنا باسلوب استفزازي سيكون مصيرنا كمصير غلاة القوميين والعنصريين والشوفينيين عبر التاريخ سواء كانوا الترك او العرب او الفرس ..
اما بخصوص اتجاه القضية الكوردية الى أين , القضية الكوردية قضية مفصلية وموجودة ومن القضايا الهامة , هي قضية اكثر من ثلاثة ملاين كوردي وهناك بقع جغرافية متواصلة , هناك ارادة مشتركة والتي تعتبر من اهم مقومات الشعب ..
قضيتنا تتقدم في ظل التطورات الدولية وضمن الإمكانيات المتوفرة نتفاءل خيرا ..
سؤال: تحدثت عن الثورات والقادة الاكراد كيوسف العظمة وصلاح الدين وهذه حالات فردية , ولكن الآن هناك مجلسان وتنسيقيات ولكل عقليته الخاصة , فأين انتم من القضية الكوردية في سوريا وحتى الآن لم تتفقوا فيما بينكم وانما حبر على ورق , وانتم برأي الكثيرين تمشون ببطء ولستم مع المرحلة .
جواب: تحدثت عن صلاح الدين الايوبي ويوسف العظمة ومختلف النقاط المضيئة في التاريخ الكوردي والشخصيات كمثال شخصي , كبرهان بان القضية الكوردية لا تتعلق بهذه الحالات الشخصية والفردية , وقلت لو لم يكن هناك صلاح الدين ولم يكن هناك مجازر بحق الأكراد , الا يشكل شعب موجود جوهر القضية, القضية الكوردية ليست بحاجة الى استدرار عطف انساني او اسلامي ..
اما موضوع الاختلاف والتوافق , هذا امر طبيعي وموجود في كل حركات التحرر في العالم ..
اننا متفائلون ان مستوى الوعي ومستوى التحمل لدى ابناء شعبنا متطور الى درجة معقولة, السياسي يستطيع استيعاب المثقف والتنسيقية والتنسيقيات تستطيع استيعاب بعضها البعض هذا امر جيد ..
اما مسألة البطء في العمل فاني اوافقك لاننا نعتبر الاستيعاب هو القوة مع ما يكتنفه من بطء ..
سؤال: تعقيب صغير حول الدويلات او الامارات الاسلامية ومن مصادر موثوقة لابن خلكان وابن الأثير تشير الى وجود 53 ولاية وامارة اسلامية ضمن الخلافة الاسلامية , وقد جاء العدد في محاضرتكم اقل من ذلك , لا اعلم سبب ذلك ..
سؤالي بخصوص اللامركزية السياسية التي تقول بانها وضعت المعارضة في دوامة.
اقول نحن الكورد وقعنا في دوامة قبل ان تقع المعارضة فيها , هناك مصطلحات متعارف عليها كـ الفدرالية , الحكم الذاتي , الادارة الذاتية ..
ومؤتمر هولير تبنى الفدرالية , لذلك اللامركزية السياسية مصطلح فضفاض يوقعنا في دوامة قبل المعارضة والمعارضة لها الحق في ذلك .
ارجوا ان توضح لنا اللامركزية السياسة .
جواب: ما تفضلت به بالرقم 50 بين ولايات وامارات , انا لم احسب الولايات فقط اشرت الى الامارات والدويلات الكوردية كـ الدولة الروندية والحسناوية … كانت هناك 35 امارة , من اميرها الى شعبها كانوا اكراد وبقيت منها 20 امارة الى عهد الفتح العثماني ..
موضوع اللامركزية السياسية موضوع مهم ومصطلح جديد ..
ببساطة اللامركزية السياسية جاءت من طرف الحركة الكوردية كرد فعل او كتوضيح او عدم رضى بما يطرحه اخوتنا في المعارضة الوطنية السورية في دولة مدنية لامركزية , قراءة أي انسان قد يختلف بخصوص المدنية او اللامركزية , ولكن تأكدنا بان قراءة المعارضة للدولة اللامركزية بدون كلمة السياسية او الادارية هي كما هو الحال , الشكل الحالي “مجلس مدنية , مجلس محافظة” أي ان اللامركزية الادارية كانت موجودة اصلا في سوريا , الشكل الموجود حاليا هي اللامركزية الادارية ومعظم اطراف المعارضة ليس لديهم اكثر من هذا , نحن اردنا توضيح ذلك او نريد غير ذلك , لذلك قلنا اللامركزية السياسية , وفي كل الاحوال اللامركزية السياسية موجودة في وثيقة المؤتمر الوطني الكردي وفي الوثيقة المرحلية ذكرنا فقط اللامركزية لاعطاء المجال للحوار بيننا والمعارضة وممكن ان نتفق على مشتركات ..
في كل الاحوال لا نريد اللامركزية الادارية المتبعة من قبل حزب البعث والموجودة الآن ..