الرقص على أنغام النظام السوري

حسين جلبي

منذُ ستة عشر شهراً يضبُط العالم أموره على ما يصدر عن النظام السوري من إيقاع، هذا النظام الذي أدخل الجميع في الفوضى و الحُزن بسبب معزوفة الموت التي أغرق بها الدولة السورية طولاً و عرضاً طوال تلك المُدة.
و لعل المرة الأولى و الوحيدة التي أفرح فيها نظام الأسد السوريين و أصدقائهم خلال كل تلك المدة هي تلك التي أعلن فيها عن التفجير الذي إستهدف مبنى (الأمن القومي) الذي كانت تجتمع فيه ما كان يُعرف (بخلية الأزمة)، التي يبدو أن أمرها قد إنتهى إلى غير رجعة، بحيث أن بشار الأسد قد أصبح وحيد عائلته و نظامه و زمانه، و بات كالطفل المدلل يُمارس جميع الألعاب حتى و إن كانت دموية و بدأت ترتد عليه، بدءاً من وضع أصبعه الخائف مباشرةً على الزناد، و إطلاق النار على كل شئ، لتكسير كل شئ، و إنتهاءً بقراءة نشرة الأخبار و تقرير ما يجب أن يُقال أو لا يُقال فيها.

و قد كان لافتاً إلى درجة الإستغراب الشديد الإعلان المفاجئ من النظام السوري عن هذه العملية النوعية القاتلة، إعلانه هذا الذي لم يكن بمثابة توجيه المسدس إلى نفسه فحسب، بل بمثابة إطلاق رصاصة منه على رأسه، هي و بلا شك الأولى التي ستليها أُخريات في عملية من عمليات الإنتحار الشهيرة على الطريقة السورية، أما الأشد غرابةً فهو تصديق العالم لرواية النظام ـ و هو لايملك غير ذلك ـ رغم عدم توافر أدلة حقيقية على صحتها، أو على الأقل ضعف السيناريو الذي قدمه أعلامه، و سيبقى السؤال عن السبب في إعلان النظام عن العملية دون إجابة، فهو مهما كان هاماً لا يتناسب مع المعروف عن سلوكياته، و يفتقر تبعاً لذلك إلى مبرر منطقي خاصةً في هذا الوقت الذي يخوض فيه صراعاً من أجل البقاء، اللهم إلا إذا كان ذلك السبب أكبر من التضحية بهؤلاء، و من التضحية كذلك بسمعته كنظام حديدي يحاول إظهار نفسه متماسكاً حتى الرمق الأخير، فقد كان يستطيع و ببساطة إخفاء العملية و إنكار وقوعها كما حدث بشأن الأخبار التي تم تداولها قبل فترة عن تسميم أعضاء خلية الأزمة، و كان بإمكانه إخفاء (جثث) قتلاه و سحبهم من مسرح الأحداث بهدوء، مع توفير مبررات معقولة لعدم ظهورهم على الإعلام، و إستبدالهم بآخرين خلال مدة زمنية ممتدة بحيث لا تلفت الإنتباه، هذا مع العلم أن النظام السوري لم يبالي يوماً بتصديق الآخرين للروايات التي يقدمها.
هل يمكن إعتبار ما حدث بمثابة (غلطة الشاطر)؟ أم إن الأمر خرج عن السيطرة و بدء النظام يفقد أعصابه بعد أن فقد عقله، و لم يعد يقدر عواقب أفعاله، و أصبح عاجزاً عن إخفاء جرائمه و خسائره؟ مهما يكن من أمر فإن ما شهدناه على الإعلام خلال اليومين الماضين ـ و معذرة على التعبير ـ ليس سوى جنازاتٍ مضحكة يسير فيها مجموعة من المشيعين الحمقى، لأن من يحمل تلك الصناديق و من يسير خلفها لا يعلم ما الذي تحتويه حقاً، فهو لا يعرف، و كذلك نحنُ، هل هي مجرد حجارة صماء أم إشلاء هؤلاء الذين أُعلن عن مقتلهم، كما لا يعلم من يتلقى العزاء في هؤلاء و كذلك من يقوم بتقديمه أي كلماتٍ يجب عليهم إختيارها للمناسبة، و أيها يصلح للتبادل بين الطرفين، المؤكد أن طرفاً واحداً فقط هو الذي يملك الإجابة على كل هذه التساؤلات و هو الطرف الغير مرشح للحديث عنها، و ربما سيشترك مع الراحلين في أخذ سرهم معه، كما أن طرفاً آخر هو الذي يرقص فرحاً على ما أصاب النظام، بعد أن ذاق من سمه الذي طبخه طويلاً و قدمه له بكرمٍ يحسد عليه، مع العلم أن الطرف الأخير لا يملك سوى تصديق رواية عدوه، و لا يريد أن يتخيل كابوساً يتراجع فيه ذلك العدو عن روايته و يعيد هؤلاء إلى الحياة ثانيةً.
إن ما يزيد من من غموض المشهد و يضيف إليه عبثيةً هو ما يقوم به رئيس النظام بعد كل الذي أُعلن عنه، إذ لا أحكام عُرفية تُفرض، و لا حداد يُعلن، و لا أعلام تُنكس، و لا قُرآن يقرأ، و لا ظهور له في تلك الجنازات الكثيرة، و كأنه فرحٌ بالتخلص من ألعاب قديمة أصبحت مملة و بالية، أو تعب من لعب دور القوي المتماسك.
لقد إنقلبت الأمور بعد هذا الحادث الغامض، و بدأ النظام هو الذي يرقص على إيقاع الثورة المتسارع، رقصةٌ تتسارع بدورها لحظةً بعد أخرى، لأن الأرض تزداد سخونةً تحت قدميه، و لم يعد يستطيع الإحتفاظ بهما ثابتتين دون أن يحترق، و هو ما سيحصل أخيراً بعد الإعياء الذي بدأ يظهر عليه.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…