بقلم عبد المسيح قرياقس
تحية تقدير واحترام للأستاذ إبراهيم محمود من عبد المسيح قرياقس مؤلف كتاب “المسألة الكردية في سوريا” قرأتُ ردَّك الكريم حول كتابي “المسألة الكردية في سوريا” في موقعي (ولا تي مه و سما القامشلي) في 8/6/2012, واسمح لي أن أنتهزُ الفرصة لأوجه تحية لكل العاملين في هذين الموقعين المميزين.
لقد قرأتُ ردَّك مراراً, واستنطقتُ كل جملةٍ بل كل كلمةٍ فيه, وأستطيع بكل ثقةٍ أن أقول: بأن ردَّك تميّزَ بصفتين مهمتين جداً وهما:
1ـ الحرية “فقد كنت بالحقيقة حرّاً في إبداء رأيكَ ولم تكن ممثلاً لغيركَ”.
2ـ الشجاعة.
وهاتان الصفتان يجب أن تميزا “الكاتب الحر والسوري ضمناً”, وخاصةً في هذه المرحلة الخطرة من انتقال سوريا إلى ـ مجاهل الديمقراطية الحديثة ـ .
فبالنسبة لي فقد مزّقتُ ـ عبر كتابي ـ كل وثائق سايكس بيكو التي أرادتْ أن يتخندق كلٌّ منّا في مجاله ” القومي الشوفيني المغلق” وأن يرى الشرَّ في القومية الأخرى… وجئتُ خفيفاً نظيفاً, لا أحمل أثقال تلك المرحلة التي مرّتْ وكانت مليئةً بالآمال العراض, والمليئة أيضاً بالانكسارات والهزائم المتلاحقة العراض لأوطاننا.
جئتُ لأقول لك: أخي إبراهيم, وعبرك لكل أبناء وطني السوري ومنهم شعبنا الكردي النبيل, بأن يدي ممدودةً إليكم بكل إخلاص لتكون أيدينا ورقةً بيضاء نريد أن نكتب عليها مستقبلاً جديداً لوطننا, مبنيّاً على (الحرية والشجاعة) والاحترام في طرحِ أفكارنا…
وهدفنا الذي لا نريد بديلاً عنه ولن نحيد عنه, هو أن نتوحد بالرؤى والأفكار السياسية لنشكّلَ الوطن السوري الواحد الموحد, حيث لا فرق بين مواطنٍ وأخر فيه, فكما تزدهر الثقافة العربية يجب أن تزدهر الثقافة السريانية والأرمنية والكردية وكل ثقافةٍ في هذا الوطن.
إن أهم نقدٍ وجّهته لي أيها الأستاذ المحترم كان في ” عدم ممارستي لأي نقدٍ لتاريخي الحزبي أو لعقيدتي البعثّية, كما إني لم أنقد صدام حسين وأهوال نظامه الديكتاتوري”.
فأقول في الحوار معك حول هذه النقطة المهمة ما يلي:
ـ لقد تعرضتُ في كتابي لنقد القوميات المغلقة التي حملناها جميعاً العرب والأكراد والآشوريون…الخ, وبيّنتُ أن تلك الأرضية التي وقفنا فوقها كانت لغير صالح أوطاننا, ودعوتُ إلى أن يتوفر رجالٌ ونساءٌ شجعان, يعملون على إنقاذ هذا الوطن الغالي بقرارهم التوحّد الكامل مع بعضهم, وحين تتوفر هذه الإمكانية الوطنية ويغادر شعبنا كله ساحاته القومية المغلقة وساحاته الطائفية المغلقة ويأتي إلى الساحة الوطنية المشتركة, عندها فإننا مستعدون أن نجلس سويةً كإخوةٍ وكإنسانٍ واحد همّه الأكيد مستقبل وطنه , لا مستقبل مجموعة مغلقة من هذا الوطن, وأن ندرس معاً وبروح المسؤولية الوطنية العالية كبداية مسيرة أوطاننا “العراق وسوريا” والتي يتواجد فيها شعبنا الكردي, وأن ندرس تاريخ كلَّ بلدٍ فيها منذ العام 1920 وحتى اليوم, وأن ندرس تاريخ العلاقة بين تجمّعاتنا القومية مرحلةً مرحلة, وأن ننقد بالتوازي كل خطأ وطني وقعتْ فيه هذه القومية المغلقة أو تلك هنا أو هناك…
فمشكلة الأكراد لم تبدأ مع صدام ولم تنتهي بعده, فمنذ أن تأسس العراق في العام 1920 وحتى العام 1958 لم تتوقف أبداً الاضطرابات والمواجهات بين هذه القيادات الكردية والحكومات العراقية, وسادَ اعتقادٌ أن قيام الثورة بالعراق سنة 1958 ومجيء البرزاني من منفاه في روسيا, ستُحل المسألة الكردية نهائياً, لكن سرعان ما بدأتْ الصراعات أقوى بعد مجيئه, أولاً مع عبد الكريم قاسم وحتى العام 1963 وتوالتْ الصراعات بعدها مع أول حكومةِ بعثٍ لم يكن لصدام دورٌ فيها بالعام 1963, ثم توالتْ الصراعات في فترة عبد السلام عارف من عام 1963ـ 1965, وكان الصراع أعنف مع أخيه عبد الرحمن عارف بين عامي 1965ـ 1968, أي /48/ عاماً من الاحتراب والصراع بين هذه القوميات المغلقة قبل مجيء صدام الذي استمرتْ فترته /35/ عاماً منها /10/ سنواتٍ كان يتقاسم السلطة مع أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية.
وبدون الدخول في التفاصيل, فإننا حين نقرر أن “نتوحّد ونتّحد” وطنياً فإننا نتمكن بكلِّ وطنيةٍ وجرأةٍ أن ندرس كل تلك المراحل بروحٍ المسؤولية العالية لاكتشاف الأخطاء والعيوب “بكل موضوعيةٍ وبكل تجرّدٍ وصدقٍ وجدّية” عند هذا الطرف وذاك وعندها سنقيّم بالوثائق والأدلة عيوب وأخطاء هذا الطرف القومي أو ذاك, ولنقل إرضاءً لك: سنقيّم عيوب وأخطاء نظام صدام وأخطاء البرزاني وغيره, لا لهدف التجريح بل بهدف كشف الحقيقة, والاستفادة من دروس وأخطاء الماضي, لننطلق منها لبناء حاضرٍ ومستقبلٍ مشرّفٍ لأحفادنا ولأوطاننا, وكي نتمكن من بناء وطنٍ عزيزٍِ قويٍّ قادرٍ على الصمود أمام رياح العصر العاتية التي لا تثبتُ فيها إلا الأوطان القوية الأركان والتي لا تفتك فيها جراثيم “العنصرية والطائفية”, بناء وطنٍ مبنيٍّ على العدل والمساواة وسلطة القانون, لكنه موحّد الرؤى السياسية والفكرية ومختلفٍ في ثقافاته القومية والدينية مع الحرية التامة في العمل على ازدهار هذه القوميات والأديان.
فكما تعلم يا أستاذ إبراهيم أن الغرب بزعامة أمريكا والصهيونية وكل الإعلام الغربي والعربي الذي يسير في فلكهم والإعلام الكردي بكل أشكاله, قد شنّوا حرباً إعلاميةً لا هوادة فيها ولا مثيل لها في التاريخ كله على بعث العراق وعلى صدام وصار أي إنسانٍ مؤيدٍ لصدام لا يجد وسيلةً إعلاميةً يمكن أن يعبّر عن رأيه فيها, فلا توجد الآن في العالم كله وسيلة إعلامية تسمح لك في قول رأيك المؤيد مثلاً لصدام, بينما إذا أردتَ أن تشتمه فكل السُبل والوسائل موفرة, وفي عصر الخوف من الشيطان الأميركي الذي يسيّر العالم كعبيدٍ نحو خدمة مصالحه, أليس من الجبنِ أن ننساق مع هذا الشيطان!! وبالمقابل أليس من الشجاعة أن تقول كلمة حقٍّ في وجه حاكمٍ أميركي ظالم؟؟ ولكن رغم هذا حين نتآخى نحن أبناء هذا الوطن ونجد القوة في بعضنا, لا القوة التي ينتظر بعضنا أن تأتيه مُنّةٍ من أمريكا, عندها نتمكن بالتوازي من نقد كل تاريخنا ونقد كل قادتنا لنصل لوطن العزة والقوة.
فالمناخ الآن في سوريا وربما في العراق أنك لا يمكن أن تنتقد أو تتحدث عن عيوب القيادات الكردية بينما نقد صدام وشتم فترته هي الفاتحةَ التي يتمكن أي مواطن أن يتلوها بكل سهولة…
ومن هنا ربما كان كتابي هو الوحيد الذي وجّه نقداً علنياً وطنياً واضحاً ومباشراً للقيادات الكردية, مقابل جبال وسيول النقد والكتب التي وجّهتْ ضد صدام وفترة حكمه..
بدون أن تتجرأ أية جهةٍ عربيةٍ على التصدي والردِّ والدفاعِ عنه, رغم أن عشرات الملايين منهم يفدونه بأرواحهم, بينما حين تتعرض بالنقد للقيادات الكردية فأنك تتعرض لهجومٍ شرسٍ من العديد من المحطات الفضائية ومواقع الانترنيت والأشخاص الذين يعتقدون أنك مسستَ شيئاً مقدساً, فينبرون للدفاع بطرقٍ هستيريةٍ يغلبُ على بعضها الإسفاف والهبوط بالمنطق, وبشكلٍ تستحي أن يهبط مستوى وعي أبناء وطنك إلى هذا الدرك السافل.
ومن هنا كان تقديري الكبير لك أيها الأستاذ المحترم لأن ردّك كان مليئاً بالجرأة والمنطق والاحترام والحوار المنطقي وعدم الإسفاف, ومن خلال مقابلاتي للعديد من المثقفين الأكراد غير ـ المحتلين مراكز قيادية في الأحزاب ـ فإني ألاحظ أن هناك توقاً منهم إلى التوحّد مع كل أبناء وطنهم, وصرتُ على ثقةٍ الآن بعد ـ الانتشار الواسع لكتابي وتقبّل شعبنا والشعب الكردي الكبير له ـ أن الآلاف بل الملايين من الأكراد الطيبين “مثلك” و”مثلي” يريدون الوحدة والتوحّد مع بعضهم ولا نحتاج جميعاً ألا لرفع هذه الحواجز البسيطة بيننا, لنصبح بالملايين وليختلط النهر بالنهرٍ, والناي بالنايِ لنعزف معاً سيمفونية الوطن الموحّد العزيز, وحين سنتوحّد ستذوي وتذبل وتموت كل الأفكار القومية المغلقة و كل الأفكار الطائفية المغلقة من أي جهةٍ كانت العربية أولاً ثم الكردية وغيرها, وبالتالي ستموت معها كل القيادات التي تدعو للقوميات المغلقة, ليتوحّد ويتحرر الوطن منهم, قبل أن يتحرر من حكامه الديكتاتوريين.
وكتابي كان ـ إعلاناً ـ من “حركة الإحياء الديمقراطي” بأننا قد هجرنا كل فكرٍ قوميٍّ وطائفيٍّ مغلق ونزلنا للساحة الوطنية, ساحة الاستشهاد لتوحيد الوطن, وقد مددنا أيدينا بكل صدقٍ وإخلاصٍ لكل أبناء وطننا السوري العزيز وبشكلٍ خاص لأبناء شعبنا الكردي الوفي, لنتّحد ونصبح مواطنين سوريين متّحدين بكل شيء مع احتفاظ كل واحدٍ منّا بخصوصيته…
وربما لاحظتْ أخي إبراهيم أنني لم أورد كلمة ” العربي” حين ذكرتُ “حركة الإحياء الديمقراطي” أعلاه, لتعلم أننا في الحركة لا نتوقف عند أية فكرةٍ يعتقد البعض أنها ستعيدنا إلى القومية المغلقة… “فالعربي” عندنا هنا تعني الوطني وتعادل السوري بامتياز, لأننا نحارب بلا هوادة الديمقراطية التي تمزّق المجتمع عبر القوميات والطوائف المغلقة, فإذا شعر أي مواطنٍ سوري أن كلمة “العربي” في أسم حركتنا ملتبسٌ عليه أو يرى فيه محرّضاً ودافعاً لتكوين قومياتٍ شوفينية مغلقة بسببه, أو أن هذه الكلمة غدتْ حاجزاً يمنع دخوله أو مساهمته في هذه الحركة… فإننا غير متمسكين إلا ـ بما هو وطني ـ صميم وموحّدٌ حقيقيٌّ لشعبنا, وإن مؤتمرات حركتنا اللاحقة كفيلةٌ بتجاوز أي عائقٍ يقف أمام توحّد شعبنا.
علمتنا الأحزاب المغلقة أن يلقي كل واحدٍ منّا تاريخ القومية المقابلة له وتاريخ قياداتها في مزابل التاريخ, وحان الوقت الآن أن نتوحّد لننصف تاريخنا وننصف قياداتنا, فهل صحيح أن كل ما عمله صدام حسين أو جمال عبد الناصر ـ والذين يحظون بشعبيةٍ هائلة في الطرف العربي ـ هو في نظر القيادات الكردية شرٌّ وخطأ؟ وبالمقابل هل كل هذه الشعبية الكبيرة لمصطفى البرزاني وكل ما عمله لشعبه الكردي, هي في نظر العرب شرٌّ وخطأ؟ لا شك أن لهؤلاء القادة مزايا حقيقية تستحق التقدير وهي التي مكّنتهم من هذه الشعبية الكبرى لدى قومياتهم.
فتعالوا “لنتّحد سياسياً ونتمايز ثقافياً” ونزيل الزبد من تاريخ قادتنا ونلقيه خارجاً, ونُبقي ما ينفع الناس من تاريخهم وأعمالهم ونعطيه للشعب… وحين نصل إلى هذه المراحل من توحّدنا فإننا سنطالب مجتمعين أن لا يبقى وطننا معزولاً ومخنوقاً بل سيكون من صالحنا وإرادتنا جميعاً أن نتواصل نحن أكراد سوريا ووطنييها مع أكراد العراق ووطنييه ونتوحّد معهم, ونتوحّد مع العراق كله لنجلب القوة والخير لكل مواطنٍ يسكن هذين الوطنين الغاليين, وعندها سيكون لقاء مجموعاتٍ كرديةٍ هنا في سوريا مع مجموعاتٍ كردية في العراق مثار فرحٍ وتأييد منّا جميعاً وسنعلم أن هذا اللقاء لخير وطننا كله لأننا كلنا مشاركون فيه, لا كما تثار الشكوك والشبهات اليوم حين يتم أي لقاء من خلف ظهر الحركة الوطنية بين أكراد سوريا والعراق.
وهناك نقاطٌ عديدةٌ من نقدك لكتابي رأيتُ أيضاً من المفيد المرور عليها والتحاور حولها معك…
1ـ تقول في معرض نقدك لي إني أشرتُ إلى “الخوف الأزلي من الجوار الكردي” ثم بعد قليل تقول بأني أوردتُ في كتابي “أن الأكراد عبر تاريخهم الطويل لم يسجل لنا التاريخ حتى منتصف القرن العشرين أنهم قاموا بأي عملٍ فيه إساءة لتاريخ هذه الأمة”..
ورأيتَ في كلامي هذا تناقضاً.
وفي الحوار معك حول هذه الفكرة أقول:
ـ إني حين ذكرتُ “الخوف الأزلي من الجوار الكردي” كنتُ أعني بها قريتي أزخ ” السريانية كنسيّاً والعربية لغةً ” والتي تعرّضتْ بسبب مسيحيتها وعلى مدى /500/ عام مضتْ
ـ كما سجّل مؤرخوها أنها تعرّضتْ لسبع حملات إبادة من جوارها الكردي منها ( حملة الميري كور أمير الروندوز, وحملات بدرخان بك وآخرها عام 1915) وهنا كنتُ أعني تاريخ أزخ الخاص المسيحي والذي لا علاقة له بالتاريخ العام للمنطقة كتاريخ الإمبراطوريات والدول التي تعاقبتْ على حكم المنطقة.
بينما ملاحظتي الثانية والتي رأيتْ فيها تناقضاً مع ملاحظتي الأولى حين قلتُ “أن الأكراد لم يسيئوا لتاريخ هذه الأمة” كنتُ أعني به التاريخ العام أي تاريخ تلك الإمبراطوريات والدول, ولا صلة أو علاقة لهذا بذاك.
2ـ تستنتج أستاذي الغالي “أن هناك صورةً سلبيةً عن الكردي في واعية ـ قرياقس ـ حتى لو كان هذا الكردي طيّباً” وأعطيتَ دليلاً بأني قلتُ “أن كاسان كانت قريةً في حالةِ سُبات”.
ففي الرّد أقول وبكل صدقٍ إني لا أملكُ أيةِ صورةٍ سلبيةٍ عن الكردي وأظهرتُ في مقدمتي عمق تأثّري بإنسانية الشعب الكردي كما عشتها وصوّرتها في مقدمتي, إلى درجة أني قلتُ “لقد تعلّمتُ قدسيّةِ كنيستي من هذا الشعب الطيب”..
وكنت أعني بكلمة سُبات أن أهل كاسان حين جاءها أهلي كانوا في حالة سكونٍ على ما تعوّدوا واعتادوا عليه في حياتهم نتيجة المآسي والاضطرابات والحياة العشائرية التي كانوا يعيشونها, وكان سُباتهم مرتكزاً على أُسسٍ أهمها:
ـ أنهم يُدينونَ بولاءٍ شبه مطلق لرؤوسائهم العشائريين وكمثالٍ هنا نايف باشا رئيس عشيرة الكوجر مالك قريتهم.
ـ وأنهم يُدينونَ بولاءٍ شبه مطلق أيضاً لشيوخِ دينهم المشهورين بالمنطقة, إلى درجة أنهم قد يحلفون أحياناً باطلاً باسم الله, لكنهم أبداً لا يجرؤون أن يحلفوا باطلاً باسم شيخهم الديني هذا.
ـ وكان قد تسرّب إلى أذهانهم أن المسيحيين كَفَرَة وأنهم جبناء وغيرها من الصفات السلبية.
لكن حين جاءتْ عائلتي وأصبح عمي “ببي” ووالدي “قرياقس” بشخصياتهم القوية وقيادتهم المباشرة لهم وحمايتهم من لصوص المنطقة غيّر كثيراً من ثوابت ما كان في أذهانهم فصارتْ شخصية “ببي” القوية والتي لا تعرف الخوف تنافس أحياناً شخصية نايف باشا, كما أن الحياة الرصينة والمليئة بالإيمان والأخلاق والتسامح التي عاشها أهلي معهم جعل الطرفين ينتقدان ما هو سلبي في هذه التصرفات الدينية هنا أو هناك, وكان حين ما يرى عمي “ببي” أحد فقراء كاسان يأخذ عجلاً مسمّناً لشيخه الديني وأولاده لم يأكلوا اللحم منذ شهور كان يقول له وبكل مودّة “والله لو أطعمتَ هذا العجل لأولادك الفقراء المعدمين كان أفضل لك ومقبولاً أكثر أمام الله, من أن تأخذه للشيخ الذي ربما عنده العشرات منه, وليس بحاجةٍ إليه..
كما أثّر أهلي بهم بزيادة الزراعة بالقرية فبعد أن زرع أهلي كرماً من العنب حول كاسان زرع الكثير من أهل القرية الكروم التي صارتْ تحيط بكاسان سوراً أخضر أعطى جمالاً حقيقياً لها..
وبالمختصر أردتُ أن أقول أن التنوّع والاختلاف الحضاري بين أهلي وبين أهل كاسان خلق حالة تفاعلٍ حقيقيٍّ بينهم وأيقظَ الجميع من سُباتِ عاداتهم..
فلو أن عائلةً كرديةً بدل من عائلتنا جاءتْ إلى كاسان أقول لبقيتْ كاسان على حالها ولما تغيّر فيها شيئاً وهذا بالضبط ما أردتُ أن أقوله من أن التنوع يخلق الحياة ويوسّع العقل والروح… وقد سمعتُ أهل كاسان مراراً يقولون لأهلي..
واللهِ كنا قبل مجيئكم إلينا نتصوّر أن المسيحيين أُناسٌ لا دين لهم ومعدومي الأخلاق وإن نساءهم ذوي سُمعةٍ سيئة ورجالهم جبناء كالنساء, لكننا الآن نرى الأدب والحشمة والأخلاق والدين والرجولة… وبالمقابل كان أهلي يقولون لأكراد كاسان..
أنتم لستم كأكراد تركيا..
أنتم كتلةٌ من الأخلاق والطيب والإنسانية, بينما أكراد تركيا ذبحونا وقتلونا وأنتم الآن أقرب إلينا من كل مسيحيي عين ديوار والعالم.
3ـ نقدك لي في سعي الأكراد ومن جهة قياداتهم إلى الاستئثار بالمكان ـ كشراء عقارات والدخول في الوظائف ـ ثم تتابع فجأةً قائلاً “لا يتحدّث المؤلف هنا عما كان صدام حسين مثلاً يلجأ إليه في مناوراته ومحاولاته الالتفاف على الأكراد”وفي ردّي أقول إن الأرقام التي أوردّتها وخاصةً ما يخص شراء العقارات والدخول في الوظائف جاءتْ عن دراسةٍ هادئة وهي بالنسبة لي حقائق على الأرض وأمراً واقعاً يراه كل المواطنين..
وقد حمّلتُ دائماً السلطة ما كان يجري من أخطاء في محافظتنا هذه وحمّلتُ معها الأحزاب الكردية وقياداتها جزءاً من هذه الأخطاء لكني وعبر كتابي كله وقفتُ بكل قوّةٍ ووطنيةٍ مع شعبي الكردي الأصيل وأردتُ أن نقويه عبر الحوار معه ليتمكن من مغادرة ساحة قياداته المغلقة والمجيء إلى الساحة الوطنية المشتركة..
رغم إني أكن كل الاحترام والتقدير للقيادات الكردية كشخصياتٍ اجتماعيةٍ فاعلة في المجال الكردي, وخلافي معها هو بالرؤى والأفكار ولكني ـ كأبناء وطني ـ احترمهم واحترم قدراتهم السياسية وتربطني بعددٍ كبيرٍ منها علاقاتٌ طيبةٌ جداً..
أما السلطة فكانت تعملُ عكس ما قمتُ به في كتابي تماماً, فهي عملتْ دائماً على تقوية الأحزاب وتقوية كل صوتٍ يؤدي إلى إغلاق شرائح الشعب في المحافظة على بعضهم , وبالمقابل راحتْ تضطهد الشعب الكردي العادي وتضغط عليه بهدفٍ خبيثٍ حتى تضطره للالتجاء والاحتماء بالأحزاب, ليتمكن عبر هذه الأحزاب من حماية نفسه من السلطة, وكان هدف السلطة الحقيقي هو تقوية نفوذ هذه الأحزاب على شعبها.
أما إقحام أسم صدام هنا فأعتقد أنني رددتُ على هذا الموضوع أعلاه.
4ـ وفي قولك “لماذا يكون البحث عن القومية كتمثُل تاريخيّ وتربوي وثقافي ـ امتيازاً عربياً وبطبعته البعثية ـ دون غيره”.
وفي ردي أقول لك باسمي وباسم حركة الإحياء إننا لا نريده ولا نقبله أن يكون امتيازاً عربياً فقط ولا بطبعته البعثية.
5ـ وفي قولك “أن العرب أنفسهم انخرطوا في اللعبة الغربية مع مراسلات حسين ـ مكماهون, فلماذا لدى الأكراد فقط هي خيانة لأخلاقية الجوار العربي.
إننا ندين بشدة كل مَن تعاون مع الغرب وصار مطيةً لهم من أي جهةٍ كانت, لأن كل مَن كان مطيةً للغرب, خسر التاريخ وخسر شعبه وخسر نفسه, ولم يربح من هذا التعاون سوى الغرب الاستعماري.
6ـ أما بالنسبة لقولك عن عبد الناصر وديكتاتوريته فأقول في ردّي: نحن نعلم أن نظام عبد الناصر كان ديكتاتورياً في ما يخص الحياة السياسية, وأنا لم أدنْ الأكراد ولا غيرهم من الأحزاب السياسية في وقوفهم في وجه ملاحقتهم أو حلِّ أحزابهم, لكني بيّنتُ أن القيادة الكردية تحسّبتْ وتهيّأتْ للوحدة قبل وقوعها وقبل مجيء عبد الناصر, وقد قامتْ هذه القيادات بتشكيل حزبها في العام 1957, وجاء تشكيله كدفاعٍ مسبق ضد سيطرةٍ محتملة وقادمة للقومية العربية على المنطقة, وفي احتمال قيام الوحدة بين مصر وسوريا التي تمّتْ عام 1958.
7ـ أما بخصوص تعليقك على الإحصاء وربطه كعقابٍ للأكراد على خلفية فشل الوحدة السورية المصرية من قِبَل السلطة (في حال عبد الباقي نظام الدين وأخيه توفيق)..
وفي ردّي على هذا أقول: أن موضوع الإحصاء في شكله الظاهري كان لمعرفة المتسللين لسوريا بعد عام 1929, لكنه في جوهره كان لعبةً دوليةً كبرى نفّذتها حكومة الانفصال لإيقاع العقوبة والظلم على جزءٍ من الشعب الكردي بحرمانه من الجنسية, لكي يضطّر أن يلتجأ إلى الأحزاب لترفع هذا الغبن عنه, وفعلاً كان الإحصاء أحد الأسباب الكبيرة في التفاف الأكراد المظلومين حول أحزابهم وتقويتها, واستمرتْ سلطة حافظ الأسد من العام 1970 وحتى اليوم بالضغط الدائم والاضطهاد على الشعب الكردي, ليضطر إلى اللجوء إلى أحزابه لحمايته..
واليوم وحين تتحقق الديمقراطية في وطننا فمن واجب الحركة الوطنية كلها أن تقوم بعمليةٍ وطنيةٍ عكسية تتمثل بفتح كل أبواب الوطن لاستقبال الشعب الكردي الأصيل, وإنصافه وتحقيق طموحاته القومية المشروعة, ووضعه في صدارة الوطن, لكي يصل إلى قناعةٍ أن شعبه السوري يحقق له كل ما كان يبتغيه, ولا حاجة له للالتجاء إلى أحزابٍ مغلقةٍ لتحميه لكن لتعزله عن شعبه, وأطلب منك أيها الأستاذ العزيز أن تعود إلى صفحات كتابي / 48 ـ 49/ لترى تتمة الجواب الشافي..
وحقيقةً ـ وأعتذر ـ إني لم أفهم بالضبط ماذا عنيتَ بإيراد أسماء الأخوة الذين نعتزّوا بهم (عبد الباقي نظام الدين ـ وأخيه توفيق).
8ـ في أحاديثك المنثورة عبر مقالك تريدني أن أتفق معك بأن السلطة كانت وراء كل مشاكل الأكراد والمحافظة, وفي ردّي أقول: إنني متّفقٌ معك تماماً في هذا وعبّرتُ عبر كتابي أن السلطة رعتْ انقسام المجتمع إلى “كردي وعربي ومسيحي” في محافظتنا الكريمة, وعملتْ على أن لا يكون هناك أي حوارٍ أو لقاءٍ حقيقي بين هذه المجموعات, وأنا معك أيضاً في أنه في حالة تحقق الديمقراطية في وطننا سيصبح لزاماً أن تكون كل مدن المحافظة ملكاً لكل شرائحها, في تسمية المدارس أو الشوارع أو الحدائق العامة أو النوادي بأسماءٍ تمثل كل أطياف المحافظة وباتفاق ورضا الجميع.
9ـ طلبتَ أخي إبراهيم أن تحافظ كل مجموعةٍ على أرومتها..
وفي ردّي أقول: إن شعار المرحلة الديمقراطية والذي طرحته في كتابي يجب أن يكون “تعالوا لنتّحد سياسياً , ولنتمايز ثقافياً” ونحن كحركة إحياء سنعمل على أن تحافظ كل مجموعةٍ على أرومتها, ونعمل معها على إحياء كل طموحاتها المشروعة, مقابل أن نتّحد سياسياً ونقود وطننا نحو الوحدة والقوة, لا نحو التمزّق والموت كما هو حاصلٌ الآن في العراق ـ كمثالٍ سيءٍ ـ في الفيدراليات العنصرية والطائفية التي تنتمي إلى ما قبل العصور الوسطى, حيث تتحارب كل هذه العنصريات والطوائف ليقتص كلٌّ منها جزءاً من الوطن لصالحها, ولتحارب الآخرين حتى تحقق مطلبها, حتى غدا العراق كما نراه اليوم “لا حكومة ولا اقتصاد ولا جيش ولا شعب موحّد فيه” فللبرزاني والطالباني وكلٌّ على حده له شعبه وجيشه الخاص, وللمالكي والصدر والحكيم كطائفيين شيعة جيشهم وشعبهم الخاص وكذلك للسنّة أيضاً جيشهم وشعبهم الخاص, وللآشوريين والسريان والكلدان وطناً خاصاً في العراق يدعى سهل نينوى… فقد قتلوا العراق ومزّقوه لتعيش على جثته طفيليات “العنصرية والطائفية”, إنه لشيءٌ محزن ويدعو للأسف..
أنها الآن جولة الباطل لكن ستتبعها جولات للحق, وسيعود العراق موحّداً وأعظم مما كان.
شكراً لك أيها العزيز والغالي الأستاذ إبراهيم محمود, فقد كنتَ شمعةً مضيئةً في سماء القامشلي, لكنك غدوتَ الآن نجماً في سمائها, في نظر الكثير من أبناء هذه المحافظة وخاصةً أولائك الذين قرؤوا ردّك ولمسوا منه موقفك “الحر والشجاع” وتأسيسك ” للحوار الحضاري ” المبني على أدب الحوار والاحترام والثقافة العالية..
فليوفقكَ الله وليوفق الملايين من أمثالك من أبناء شعبنا الكردي الأصيل وشعبنا السوري عامة التي نؤمن تماماً أنهم يحملون ذات النُبل وذات الأخلاق والصفات الحميدة التي تحملها أنتَ, تعالوا لنتّحد ونبني وطن العزّة والكرامة لأجيالنا وأحفادنا من بعدنا…
وشكراً
فبالنسبة لي فقد مزّقتُ ـ عبر كتابي ـ كل وثائق سايكس بيكو التي أرادتْ أن يتخندق كلٌّ منّا في مجاله ” القومي الشوفيني المغلق” وأن يرى الشرَّ في القومية الأخرى… وجئتُ خفيفاً نظيفاً, لا أحمل أثقال تلك المرحلة التي مرّتْ وكانت مليئةً بالآمال العراض, والمليئة أيضاً بالانكسارات والهزائم المتلاحقة العراض لأوطاننا.
جئتُ لأقول لك: أخي إبراهيم, وعبرك لكل أبناء وطني السوري ومنهم شعبنا الكردي النبيل, بأن يدي ممدودةً إليكم بكل إخلاص لتكون أيدينا ورقةً بيضاء نريد أن نكتب عليها مستقبلاً جديداً لوطننا, مبنيّاً على (الحرية والشجاعة) والاحترام في طرحِ أفكارنا…
وهدفنا الذي لا نريد بديلاً عنه ولن نحيد عنه, هو أن نتوحد بالرؤى والأفكار السياسية لنشكّلَ الوطن السوري الواحد الموحد, حيث لا فرق بين مواطنٍ وأخر فيه, فكما تزدهر الثقافة العربية يجب أن تزدهر الثقافة السريانية والأرمنية والكردية وكل ثقافةٍ في هذا الوطن.
إن أهم نقدٍ وجّهته لي أيها الأستاذ المحترم كان في ” عدم ممارستي لأي نقدٍ لتاريخي الحزبي أو لعقيدتي البعثّية, كما إني لم أنقد صدام حسين وأهوال نظامه الديكتاتوري”.
فأقول في الحوار معك حول هذه النقطة المهمة ما يلي:
ـ لقد تعرضتُ في كتابي لنقد القوميات المغلقة التي حملناها جميعاً العرب والأكراد والآشوريون…الخ, وبيّنتُ أن تلك الأرضية التي وقفنا فوقها كانت لغير صالح أوطاننا, ودعوتُ إلى أن يتوفر رجالٌ ونساءٌ شجعان, يعملون على إنقاذ هذا الوطن الغالي بقرارهم التوحّد الكامل مع بعضهم, وحين تتوفر هذه الإمكانية الوطنية ويغادر شعبنا كله ساحاته القومية المغلقة وساحاته الطائفية المغلقة ويأتي إلى الساحة الوطنية المشتركة, عندها فإننا مستعدون أن نجلس سويةً كإخوةٍ وكإنسانٍ واحد همّه الأكيد مستقبل وطنه , لا مستقبل مجموعة مغلقة من هذا الوطن, وأن ندرس معاً وبروح المسؤولية الوطنية العالية كبداية مسيرة أوطاننا “العراق وسوريا” والتي يتواجد فيها شعبنا الكردي, وأن ندرس تاريخ كلَّ بلدٍ فيها منذ العام 1920 وحتى اليوم, وأن ندرس تاريخ العلاقة بين تجمّعاتنا القومية مرحلةً مرحلة, وأن ننقد بالتوازي كل خطأ وطني وقعتْ فيه هذه القومية المغلقة أو تلك هنا أو هناك…
فمشكلة الأكراد لم تبدأ مع صدام ولم تنتهي بعده, فمنذ أن تأسس العراق في العام 1920 وحتى العام 1958 لم تتوقف أبداً الاضطرابات والمواجهات بين هذه القيادات الكردية والحكومات العراقية, وسادَ اعتقادٌ أن قيام الثورة بالعراق سنة 1958 ومجيء البرزاني من منفاه في روسيا, ستُحل المسألة الكردية نهائياً, لكن سرعان ما بدأتْ الصراعات أقوى بعد مجيئه, أولاً مع عبد الكريم قاسم وحتى العام 1963 وتوالتْ الصراعات بعدها مع أول حكومةِ بعثٍ لم يكن لصدام دورٌ فيها بالعام 1963, ثم توالتْ الصراعات في فترة عبد السلام عارف من عام 1963ـ 1965, وكان الصراع أعنف مع أخيه عبد الرحمن عارف بين عامي 1965ـ 1968, أي /48/ عاماً من الاحتراب والصراع بين هذه القوميات المغلقة قبل مجيء صدام الذي استمرتْ فترته /35/ عاماً منها /10/ سنواتٍ كان يتقاسم السلطة مع أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية.
وبدون الدخول في التفاصيل, فإننا حين نقرر أن “نتوحّد ونتّحد” وطنياً فإننا نتمكن بكلِّ وطنيةٍ وجرأةٍ أن ندرس كل تلك المراحل بروحٍ المسؤولية العالية لاكتشاف الأخطاء والعيوب “بكل موضوعيةٍ وبكل تجرّدٍ وصدقٍ وجدّية” عند هذا الطرف وذاك وعندها سنقيّم بالوثائق والأدلة عيوب وأخطاء هذا الطرف القومي أو ذاك, ولنقل إرضاءً لك: سنقيّم عيوب وأخطاء نظام صدام وأخطاء البرزاني وغيره, لا لهدف التجريح بل بهدف كشف الحقيقة, والاستفادة من دروس وأخطاء الماضي, لننطلق منها لبناء حاضرٍ ومستقبلٍ مشرّفٍ لأحفادنا ولأوطاننا, وكي نتمكن من بناء وطنٍ عزيزٍِ قويٍّ قادرٍ على الصمود أمام رياح العصر العاتية التي لا تثبتُ فيها إلا الأوطان القوية الأركان والتي لا تفتك فيها جراثيم “العنصرية والطائفية”, بناء وطنٍ مبنيٍّ على العدل والمساواة وسلطة القانون, لكنه موحّد الرؤى السياسية والفكرية ومختلفٍ في ثقافاته القومية والدينية مع الحرية التامة في العمل على ازدهار هذه القوميات والأديان.
فكما تعلم يا أستاذ إبراهيم أن الغرب بزعامة أمريكا والصهيونية وكل الإعلام الغربي والعربي الذي يسير في فلكهم والإعلام الكردي بكل أشكاله, قد شنّوا حرباً إعلاميةً لا هوادة فيها ولا مثيل لها في التاريخ كله على بعث العراق وعلى صدام وصار أي إنسانٍ مؤيدٍ لصدام لا يجد وسيلةً إعلاميةً يمكن أن يعبّر عن رأيه فيها, فلا توجد الآن في العالم كله وسيلة إعلامية تسمح لك في قول رأيك المؤيد مثلاً لصدام, بينما إذا أردتَ أن تشتمه فكل السُبل والوسائل موفرة, وفي عصر الخوف من الشيطان الأميركي الذي يسيّر العالم كعبيدٍ نحو خدمة مصالحه, أليس من الجبنِ أن ننساق مع هذا الشيطان!! وبالمقابل أليس من الشجاعة أن تقول كلمة حقٍّ في وجه حاكمٍ أميركي ظالم؟؟ ولكن رغم هذا حين نتآخى نحن أبناء هذا الوطن ونجد القوة في بعضنا, لا القوة التي ينتظر بعضنا أن تأتيه مُنّةٍ من أمريكا, عندها نتمكن بالتوازي من نقد كل تاريخنا ونقد كل قادتنا لنصل لوطن العزة والقوة.
فالمناخ الآن في سوريا وربما في العراق أنك لا يمكن أن تنتقد أو تتحدث عن عيوب القيادات الكردية بينما نقد صدام وشتم فترته هي الفاتحةَ التي يتمكن أي مواطن أن يتلوها بكل سهولة…
ومن هنا ربما كان كتابي هو الوحيد الذي وجّه نقداً علنياً وطنياً واضحاً ومباشراً للقيادات الكردية, مقابل جبال وسيول النقد والكتب التي وجّهتْ ضد صدام وفترة حكمه..
بدون أن تتجرأ أية جهةٍ عربيةٍ على التصدي والردِّ والدفاعِ عنه, رغم أن عشرات الملايين منهم يفدونه بأرواحهم, بينما حين تتعرض بالنقد للقيادات الكردية فأنك تتعرض لهجومٍ شرسٍ من العديد من المحطات الفضائية ومواقع الانترنيت والأشخاص الذين يعتقدون أنك مسستَ شيئاً مقدساً, فينبرون للدفاع بطرقٍ هستيريةٍ يغلبُ على بعضها الإسفاف والهبوط بالمنطق, وبشكلٍ تستحي أن يهبط مستوى وعي أبناء وطنك إلى هذا الدرك السافل.
ومن هنا كان تقديري الكبير لك أيها الأستاذ المحترم لأن ردّك كان مليئاً بالجرأة والمنطق والاحترام والحوار المنطقي وعدم الإسفاف, ومن خلال مقابلاتي للعديد من المثقفين الأكراد غير ـ المحتلين مراكز قيادية في الأحزاب ـ فإني ألاحظ أن هناك توقاً منهم إلى التوحّد مع كل أبناء وطنهم, وصرتُ على ثقةٍ الآن بعد ـ الانتشار الواسع لكتابي وتقبّل شعبنا والشعب الكردي الكبير له ـ أن الآلاف بل الملايين من الأكراد الطيبين “مثلك” و”مثلي” يريدون الوحدة والتوحّد مع بعضهم ولا نحتاج جميعاً ألا لرفع هذه الحواجز البسيطة بيننا, لنصبح بالملايين وليختلط النهر بالنهرٍ, والناي بالنايِ لنعزف معاً سيمفونية الوطن الموحّد العزيز, وحين سنتوحّد ستذوي وتذبل وتموت كل الأفكار القومية المغلقة و كل الأفكار الطائفية المغلقة من أي جهةٍ كانت العربية أولاً ثم الكردية وغيرها, وبالتالي ستموت معها كل القيادات التي تدعو للقوميات المغلقة, ليتوحّد ويتحرر الوطن منهم, قبل أن يتحرر من حكامه الديكتاتوريين.
وكتابي كان ـ إعلاناً ـ من “حركة الإحياء الديمقراطي” بأننا قد هجرنا كل فكرٍ قوميٍّ وطائفيٍّ مغلق ونزلنا للساحة الوطنية, ساحة الاستشهاد لتوحيد الوطن, وقد مددنا أيدينا بكل صدقٍ وإخلاصٍ لكل أبناء وطننا السوري العزيز وبشكلٍ خاص لأبناء شعبنا الكردي الوفي, لنتّحد ونصبح مواطنين سوريين متّحدين بكل شيء مع احتفاظ كل واحدٍ منّا بخصوصيته…
وربما لاحظتْ أخي إبراهيم أنني لم أورد كلمة ” العربي” حين ذكرتُ “حركة الإحياء الديمقراطي” أعلاه, لتعلم أننا في الحركة لا نتوقف عند أية فكرةٍ يعتقد البعض أنها ستعيدنا إلى القومية المغلقة… “فالعربي” عندنا هنا تعني الوطني وتعادل السوري بامتياز, لأننا نحارب بلا هوادة الديمقراطية التي تمزّق المجتمع عبر القوميات والطوائف المغلقة, فإذا شعر أي مواطنٍ سوري أن كلمة “العربي” في أسم حركتنا ملتبسٌ عليه أو يرى فيه محرّضاً ودافعاً لتكوين قومياتٍ شوفينية مغلقة بسببه, أو أن هذه الكلمة غدتْ حاجزاً يمنع دخوله أو مساهمته في هذه الحركة… فإننا غير متمسكين إلا ـ بما هو وطني ـ صميم وموحّدٌ حقيقيٌّ لشعبنا, وإن مؤتمرات حركتنا اللاحقة كفيلةٌ بتجاوز أي عائقٍ يقف أمام توحّد شعبنا.
علمتنا الأحزاب المغلقة أن يلقي كل واحدٍ منّا تاريخ القومية المقابلة له وتاريخ قياداتها في مزابل التاريخ, وحان الوقت الآن أن نتوحّد لننصف تاريخنا وننصف قياداتنا, فهل صحيح أن كل ما عمله صدام حسين أو جمال عبد الناصر ـ والذين يحظون بشعبيةٍ هائلة في الطرف العربي ـ هو في نظر القيادات الكردية شرٌّ وخطأ؟ وبالمقابل هل كل هذه الشعبية الكبيرة لمصطفى البرزاني وكل ما عمله لشعبه الكردي, هي في نظر العرب شرٌّ وخطأ؟ لا شك أن لهؤلاء القادة مزايا حقيقية تستحق التقدير وهي التي مكّنتهم من هذه الشعبية الكبرى لدى قومياتهم.
فتعالوا “لنتّحد سياسياً ونتمايز ثقافياً” ونزيل الزبد من تاريخ قادتنا ونلقيه خارجاً, ونُبقي ما ينفع الناس من تاريخهم وأعمالهم ونعطيه للشعب… وحين نصل إلى هذه المراحل من توحّدنا فإننا سنطالب مجتمعين أن لا يبقى وطننا معزولاً ومخنوقاً بل سيكون من صالحنا وإرادتنا جميعاً أن نتواصل نحن أكراد سوريا ووطنييها مع أكراد العراق ووطنييه ونتوحّد معهم, ونتوحّد مع العراق كله لنجلب القوة والخير لكل مواطنٍ يسكن هذين الوطنين الغاليين, وعندها سيكون لقاء مجموعاتٍ كرديةٍ هنا في سوريا مع مجموعاتٍ كردية في العراق مثار فرحٍ وتأييد منّا جميعاً وسنعلم أن هذا اللقاء لخير وطننا كله لأننا كلنا مشاركون فيه, لا كما تثار الشكوك والشبهات اليوم حين يتم أي لقاء من خلف ظهر الحركة الوطنية بين أكراد سوريا والعراق.
وهناك نقاطٌ عديدةٌ من نقدك لكتابي رأيتُ أيضاً من المفيد المرور عليها والتحاور حولها معك…
1ـ تقول في معرض نقدك لي إني أشرتُ إلى “الخوف الأزلي من الجوار الكردي” ثم بعد قليل تقول بأني أوردتُ في كتابي “أن الأكراد عبر تاريخهم الطويل لم يسجل لنا التاريخ حتى منتصف القرن العشرين أنهم قاموا بأي عملٍ فيه إساءة لتاريخ هذه الأمة”..
ورأيتَ في كلامي هذا تناقضاً.
وفي الحوار معك حول هذه الفكرة أقول:
ـ إني حين ذكرتُ “الخوف الأزلي من الجوار الكردي” كنتُ أعني بها قريتي أزخ ” السريانية كنسيّاً والعربية لغةً ” والتي تعرّضتْ بسبب مسيحيتها وعلى مدى /500/ عام مضتْ
ـ كما سجّل مؤرخوها أنها تعرّضتْ لسبع حملات إبادة من جوارها الكردي منها ( حملة الميري كور أمير الروندوز, وحملات بدرخان بك وآخرها عام 1915) وهنا كنتُ أعني تاريخ أزخ الخاص المسيحي والذي لا علاقة له بالتاريخ العام للمنطقة كتاريخ الإمبراطوريات والدول التي تعاقبتْ على حكم المنطقة.
بينما ملاحظتي الثانية والتي رأيتْ فيها تناقضاً مع ملاحظتي الأولى حين قلتُ “أن الأكراد لم يسيئوا لتاريخ هذه الأمة” كنتُ أعني به التاريخ العام أي تاريخ تلك الإمبراطوريات والدول, ولا صلة أو علاقة لهذا بذاك.
2ـ تستنتج أستاذي الغالي “أن هناك صورةً سلبيةً عن الكردي في واعية ـ قرياقس ـ حتى لو كان هذا الكردي طيّباً” وأعطيتَ دليلاً بأني قلتُ “أن كاسان كانت قريةً في حالةِ سُبات”.
ففي الرّد أقول وبكل صدقٍ إني لا أملكُ أيةِ صورةٍ سلبيةٍ عن الكردي وأظهرتُ في مقدمتي عمق تأثّري بإنسانية الشعب الكردي كما عشتها وصوّرتها في مقدمتي, إلى درجة أني قلتُ “لقد تعلّمتُ قدسيّةِ كنيستي من هذا الشعب الطيب”..
وكنت أعني بكلمة سُبات أن أهل كاسان حين جاءها أهلي كانوا في حالة سكونٍ على ما تعوّدوا واعتادوا عليه في حياتهم نتيجة المآسي والاضطرابات والحياة العشائرية التي كانوا يعيشونها, وكان سُباتهم مرتكزاً على أُسسٍ أهمها:
ـ أنهم يُدينونَ بولاءٍ شبه مطلق لرؤوسائهم العشائريين وكمثالٍ هنا نايف باشا رئيس عشيرة الكوجر مالك قريتهم.
ـ وأنهم يُدينونَ بولاءٍ شبه مطلق أيضاً لشيوخِ دينهم المشهورين بالمنطقة, إلى درجة أنهم قد يحلفون أحياناً باطلاً باسم الله, لكنهم أبداً لا يجرؤون أن يحلفوا باطلاً باسم شيخهم الديني هذا.
ـ وكان قد تسرّب إلى أذهانهم أن المسيحيين كَفَرَة وأنهم جبناء وغيرها من الصفات السلبية.
لكن حين جاءتْ عائلتي وأصبح عمي “ببي” ووالدي “قرياقس” بشخصياتهم القوية وقيادتهم المباشرة لهم وحمايتهم من لصوص المنطقة غيّر كثيراً من ثوابت ما كان في أذهانهم فصارتْ شخصية “ببي” القوية والتي لا تعرف الخوف تنافس أحياناً شخصية نايف باشا, كما أن الحياة الرصينة والمليئة بالإيمان والأخلاق والتسامح التي عاشها أهلي معهم جعل الطرفين ينتقدان ما هو سلبي في هذه التصرفات الدينية هنا أو هناك, وكان حين ما يرى عمي “ببي” أحد فقراء كاسان يأخذ عجلاً مسمّناً لشيخه الديني وأولاده لم يأكلوا اللحم منذ شهور كان يقول له وبكل مودّة “والله لو أطعمتَ هذا العجل لأولادك الفقراء المعدمين كان أفضل لك ومقبولاً أكثر أمام الله, من أن تأخذه للشيخ الذي ربما عنده العشرات منه, وليس بحاجةٍ إليه..
كما أثّر أهلي بهم بزيادة الزراعة بالقرية فبعد أن زرع أهلي كرماً من العنب حول كاسان زرع الكثير من أهل القرية الكروم التي صارتْ تحيط بكاسان سوراً أخضر أعطى جمالاً حقيقياً لها..
وبالمختصر أردتُ أن أقول أن التنوّع والاختلاف الحضاري بين أهلي وبين أهل كاسان خلق حالة تفاعلٍ حقيقيٍّ بينهم وأيقظَ الجميع من سُباتِ عاداتهم..
فلو أن عائلةً كرديةً بدل من عائلتنا جاءتْ إلى كاسان أقول لبقيتْ كاسان على حالها ولما تغيّر فيها شيئاً وهذا بالضبط ما أردتُ أن أقوله من أن التنوع يخلق الحياة ويوسّع العقل والروح… وقد سمعتُ أهل كاسان مراراً يقولون لأهلي..
واللهِ كنا قبل مجيئكم إلينا نتصوّر أن المسيحيين أُناسٌ لا دين لهم ومعدومي الأخلاق وإن نساءهم ذوي سُمعةٍ سيئة ورجالهم جبناء كالنساء, لكننا الآن نرى الأدب والحشمة والأخلاق والدين والرجولة… وبالمقابل كان أهلي يقولون لأكراد كاسان..
أنتم لستم كأكراد تركيا..
أنتم كتلةٌ من الأخلاق والطيب والإنسانية, بينما أكراد تركيا ذبحونا وقتلونا وأنتم الآن أقرب إلينا من كل مسيحيي عين ديوار والعالم.
3ـ نقدك لي في سعي الأكراد ومن جهة قياداتهم إلى الاستئثار بالمكان ـ كشراء عقارات والدخول في الوظائف ـ ثم تتابع فجأةً قائلاً “لا يتحدّث المؤلف هنا عما كان صدام حسين مثلاً يلجأ إليه في مناوراته ومحاولاته الالتفاف على الأكراد”وفي ردّي أقول إن الأرقام التي أوردّتها وخاصةً ما يخص شراء العقارات والدخول في الوظائف جاءتْ عن دراسةٍ هادئة وهي بالنسبة لي حقائق على الأرض وأمراً واقعاً يراه كل المواطنين..
وقد حمّلتُ دائماً السلطة ما كان يجري من أخطاء في محافظتنا هذه وحمّلتُ معها الأحزاب الكردية وقياداتها جزءاً من هذه الأخطاء لكني وعبر كتابي كله وقفتُ بكل قوّةٍ ووطنيةٍ مع شعبي الكردي الأصيل وأردتُ أن نقويه عبر الحوار معه ليتمكن من مغادرة ساحة قياداته المغلقة والمجيء إلى الساحة الوطنية المشتركة..
رغم إني أكن كل الاحترام والتقدير للقيادات الكردية كشخصياتٍ اجتماعيةٍ فاعلة في المجال الكردي, وخلافي معها هو بالرؤى والأفكار ولكني ـ كأبناء وطني ـ احترمهم واحترم قدراتهم السياسية وتربطني بعددٍ كبيرٍ منها علاقاتٌ طيبةٌ جداً..
أما السلطة فكانت تعملُ عكس ما قمتُ به في كتابي تماماً, فهي عملتْ دائماً على تقوية الأحزاب وتقوية كل صوتٍ يؤدي إلى إغلاق شرائح الشعب في المحافظة على بعضهم , وبالمقابل راحتْ تضطهد الشعب الكردي العادي وتضغط عليه بهدفٍ خبيثٍ حتى تضطره للالتجاء والاحتماء بالأحزاب, ليتمكن عبر هذه الأحزاب من حماية نفسه من السلطة, وكان هدف السلطة الحقيقي هو تقوية نفوذ هذه الأحزاب على شعبها.
أما إقحام أسم صدام هنا فأعتقد أنني رددتُ على هذا الموضوع أعلاه.
4ـ وفي قولك “لماذا يكون البحث عن القومية كتمثُل تاريخيّ وتربوي وثقافي ـ امتيازاً عربياً وبطبعته البعثية ـ دون غيره”.
وفي ردي أقول لك باسمي وباسم حركة الإحياء إننا لا نريده ولا نقبله أن يكون امتيازاً عربياً فقط ولا بطبعته البعثية.
5ـ وفي قولك “أن العرب أنفسهم انخرطوا في اللعبة الغربية مع مراسلات حسين ـ مكماهون, فلماذا لدى الأكراد فقط هي خيانة لأخلاقية الجوار العربي.
إننا ندين بشدة كل مَن تعاون مع الغرب وصار مطيةً لهم من أي جهةٍ كانت, لأن كل مَن كان مطيةً للغرب, خسر التاريخ وخسر شعبه وخسر نفسه, ولم يربح من هذا التعاون سوى الغرب الاستعماري.
6ـ أما بالنسبة لقولك عن عبد الناصر وديكتاتوريته فأقول في ردّي: نحن نعلم أن نظام عبد الناصر كان ديكتاتورياً في ما يخص الحياة السياسية, وأنا لم أدنْ الأكراد ولا غيرهم من الأحزاب السياسية في وقوفهم في وجه ملاحقتهم أو حلِّ أحزابهم, لكني بيّنتُ أن القيادة الكردية تحسّبتْ وتهيّأتْ للوحدة قبل وقوعها وقبل مجيء عبد الناصر, وقد قامتْ هذه القيادات بتشكيل حزبها في العام 1957, وجاء تشكيله كدفاعٍ مسبق ضد سيطرةٍ محتملة وقادمة للقومية العربية على المنطقة, وفي احتمال قيام الوحدة بين مصر وسوريا التي تمّتْ عام 1958.
7ـ أما بخصوص تعليقك على الإحصاء وربطه كعقابٍ للأكراد على خلفية فشل الوحدة السورية المصرية من قِبَل السلطة (في حال عبد الباقي نظام الدين وأخيه توفيق)..
وفي ردّي على هذا أقول: أن موضوع الإحصاء في شكله الظاهري كان لمعرفة المتسللين لسوريا بعد عام 1929, لكنه في جوهره كان لعبةً دوليةً كبرى نفّذتها حكومة الانفصال لإيقاع العقوبة والظلم على جزءٍ من الشعب الكردي بحرمانه من الجنسية, لكي يضطّر أن يلتجأ إلى الأحزاب لترفع هذا الغبن عنه, وفعلاً كان الإحصاء أحد الأسباب الكبيرة في التفاف الأكراد المظلومين حول أحزابهم وتقويتها, واستمرتْ سلطة حافظ الأسد من العام 1970 وحتى اليوم بالضغط الدائم والاضطهاد على الشعب الكردي, ليضطر إلى اللجوء إلى أحزابه لحمايته..
واليوم وحين تتحقق الديمقراطية في وطننا فمن واجب الحركة الوطنية كلها أن تقوم بعمليةٍ وطنيةٍ عكسية تتمثل بفتح كل أبواب الوطن لاستقبال الشعب الكردي الأصيل, وإنصافه وتحقيق طموحاته القومية المشروعة, ووضعه في صدارة الوطن, لكي يصل إلى قناعةٍ أن شعبه السوري يحقق له كل ما كان يبتغيه, ولا حاجة له للالتجاء إلى أحزابٍ مغلقةٍ لتحميه لكن لتعزله عن شعبه, وأطلب منك أيها الأستاذ العزيز أن تعود إلى صفحات كتابي / 48 ـ 49/ لترى تتمة الجواب الشافي..
وحقيقةً ـ وأعتذر ـ إني لم أفهم بالضبط ماذا عنيتَ بإيراد أسماء الأخوة الذين نعتزّوا بهم (عبد الباقي نظام الدين ـ وأخيه توفيق).
8ـ في أحاديثك المنثورة عبر مقالك تريدني أن أتفق معك بأن السلطة كانت وراء كل مشاكل الأكراد والمحافظة, وفي ردّي أقول: إنني متّفقٌ معك تماماً في هذا وعبّرتُ عبر كتابي أن السلطة رعتْ انقسام المجتمع إلى “كردي وعربي ومسيحي” في محافظتنا الكريمة, وعملتْ على أن لا يكون هناك أي حوارٍ أو لقاءٍ حقيقي بين هذه المجموعات, وأنا معك أيضاً في أنه في حالة تحقق الديمقراطية في وطننا سيصبح لزاماً أن تكون كل مدن المحافظة ملكاً لكل شرائحها, في تسمية المدارس أو الشوارع أو الحدائق العامة أو النوادي بأسماءٍ تمثل كل أطياف المحافظة وباتفاق ورضا الجميع.
9ـ طلبتَ أخي إبراهيم أن تحافظ كل مجموعةٍ على أرومتها..
وفي ردّي أقول: إن شعار المرحلة الديمقراطية والذي طرحته في كتابي يجب أن يكون “تعالوا لنتّحد سياسياً , ولنتمايز ثقافياً” ونحن كحركة إحياء سنعمل على أن تحافظ كل مجموعةٍ على أرومتها, ونعمل معها على إحياء كل طموحاتها المشروعة, مقابل أن نتّحد سياسياً ونقود وطننا نحو الوحدة والقوة, لا نحو التمزّق والموت كما هو حاصلٌ الآن في العراق ـ كمثالٍ سيءٍ ـ في الفيدراليات العنصرية والطائفية التي تنتمي إلى ما قبل العصور الوسطى, حيث تتحارب كل هذه العنصريات والطوائف ليقتص كلٌّ منها جزءاً من الوطن لصالحها, ولتحارب الآخرين حتى تحقق مطلبها, حتى غدا العراق كما نراه اليوم “لا حكومة ولا اقتصاد ولا جيش ولا شعب موحّد فيه” فللبرزاني والطالباني وكلٌّ على حده له شعبه وجيشه الخاص, وللمالكي والصدر والحكيم كطائفيين شيعة جيشهم وشعبهم الخاص وكذلك للسنّة أيضاً جيشهم وشعبهم الخاص, وللآشوريين والسريان والكلدان وطناً خاصاً في العراق يدعى سهل نينوى… فقد قتلوا العراق ومزّقوه لتعيش على جثته طفيليات “العنصرية والطائفية”, إنه لشيءٌ محزن ويدعو للأسف..
أنها الآن جولة الباطل لكن ستتبعها جولات للحق, وسيعود العراق موحّداً وأعظم مما كان.
شكراً لك أيها العزيز والغالي الأستاذ إبراهيم محمود, فقد كنتَ شمعةً مضيئةً في سماء القامشلي, لكنك غدوتَ الآن نجماً في سمائها, في نظر الكثير من أبناء هذه المحافظة وخاصةً أولائك الذين قرؤوا ردّك ولمسوا منه موقفك “الحر والشجاع” وتأسيسك ” للحوار الحضاري ” المبني على أدب الحوار والاحترام والثقافة العالية..
فليوفقكَ الله وليوفق الملايين من أمثالك من أبناء شعبنا الكردي الأصيل وشعبنا السوري عامة التي نؤمن تماماً أنهم يحملون ذات النُبل وذات الأخلاق والصفات الحميدة التي تحملها أنتَ, تعالوا لنتّحد ونبني وطن العزّة والكرامة لأجيالنا وأحفادنا من بعدنا…
وشكراً
************
إقرأ ايضا
أوهام الأكراد: حول كتاب الأستاذ عبدالمسيح قرياقس »المسألة الكردية في سوريا«
للكاتب إبراهيم محمود