آمد تنتفض من جديد


بقلم : د.

شمدين شمدين

آمد ،عاصمة كردستان التاريخية ،مهد أقدم الحضارات ،وحاضرة أقدم الشعوب ،موطن الميديين الذين أسقطوا وبشجاعة باسلة أشرس الإمبراطوريات في التاريخ ،وفتحوا الباب أمام شعوب جبال زاغروس ،ليؤسسوا حضارتهم  العظيمة التي أهدت الفرس فيما بعد معظم معارفهم وتقنياتهم ،وآمد التي مازالت تحمل اسم أجدادها العظام تسترجع اليوم ذكريات البطولة الناصعة ،وتغني من على أسوار قلعتها التاريخية – هاي رقيب- لتبدد بصوتها الثوري كل ظلمة سجنها ذا السمعة القذرة ،ولتبين للنظام الاستبدادي في تركيا الكمالية إن حلم الانضمام إلى ركب الحضارة الأوربية يمر حتما عبر بوابات آمد العزيزة ،وعبر الاعتراف بحق الشعب الكردي  في الوجود والعيش بكرامة وحرية على  تراب وطنه كردستان التي جار عليها الزمن والتاريخ فأصبحت أسيرة بيد أحفاد المغول وهولاكو .
آمد اليوم وبعد أن أشعلت نار نوروز في كل ركن وزاوية من جنباتها ، أرسلت وعبر صوت الملايين من أبنائها وبناتها رسالة عشق وسلام وأخوة إلى كل شعوب الأرض ،على أمل أن يتلقوا رسالتها بقلب مفتوح ،وان يتضامنوا مع هذا النداء الكردي ضد كل أشكال التمييز والإنكار التي دأبت على ممارسته الأنظمة التركية المتعاقبة، حتى وصل الحد بها إلى تغيير إشارات المرور وذلك كي لا تضيء بألوان العلم الكردي الجميلة ، ومنعت هذه الأنظمة ومازالت الكردي من التكلم بلغته أو الغناء بها أو إصدار الصحف والمجلات ،علاوة عن الممارسات العسكرية بحق القرى والبلدات الكردية ،حيث اخترعت وبأسلوب خبيث ما يسمى بمجموعات حماة القرى ،وعملت على اختيارهم من الأكراد أنفسهم، وذلك بحجة حماية هذه القرى من الإرهابيين وهم يقصدون هنا الثوار الكرد المعارضين والمقاومين لسياستها الإنكارية بحقهم ،معتقدة أنها بعملها هذا سوف تضرب الكرد بالكرد وتنتهي منهم إلى الأبد ،وهو نفس العمل الذي قام به صدام حسين لضرب الحركة الكردية في جنوب كردستان ،والتي اثبت الأيام فشلها وأضحى فاعلوها ومخترعوها خلف قضبان السجون .


آمد اليوم تجمهرت وبعفوية بالغة لتستقبل أجساد أبنائها الشهداء الذين وقعوا ضحية الغازات المحرمة دوليا والتي أخذت تستخدمها الجندرمة التركية في عملياتها المتواصلة ضد المقاتلين الكرد رغم إعلانهم (أي المقاتلين الكرد) ومنذ سنوات عدة وقفا لإطلاق النار من جانب واحد كبادرة حسن نية لحل القضية الكردية ،كما أعلنوا مؤخراً عن إمكانية إلقاء السلاح إذا ما تم إصدار عفو شامل وعام وإذا ما تم حل القضية الكردية في تركية على أسس عادلة ونزيهة ،إلا إن تركيا وعلى النقيض من ذلك لا تنظر إلى أكرادها ومقاتليهم إلا على أنهم إرهابيون ويطمحون إلى تقسيمها والنيل من وحدتها ، وهي العاملة أبدا على مخاطبة شعبها الكردي بلغة السلاح والقمع دون أي اعتبار لمشاعرهم القومية والوطنية والإنسانية.

في الوقت نفسه الذي تستقبل فيه قادة حماس الموضوعة على اللوائح العالمية للإرهاب، هذه المنظمة التي تأمل إسرائيل نفسها في التفاوض معها يوما ما فيما لو اعترفت بحق إسرائيل في الوجود.
اجل لقد قامت آمد لتنفض عن جبينها غبار الذل والاضطهاد الذي دام مئات السنين ، آمد الجريحة الحزينة لفقد أبنائها تزغرد اليوم احتفالا بشهادتهم وبطولتهم كما احتفلت حلبجة ببطولة أبنائها الذين سقطوا ضحية الغدر والهمجية المتوارثة والمتبادلة بين أعداء الحرية والديمقراطية ،وحق الشعوب في تقرير مصيرها ومستقبلها ،وطريقة عيشها ،آمد الصارخة في وجه الاستبداد والظلم وإبادة الشعوب ،أصبحت من جديد ساحة للميت التركي والمحمدجيك والشوفينية الكمالية ،كي يبثوا سموم قذارتهم وحقدهم الدفين ضد الكرد ،شركاء الشعب التركي في معارك التحرير ومعارك الوجود ، الكرد هذا الشعب المظلوم الذي ظل طيلة تاريخ نضاله وفيا مبادئه التي لا تحقد على الشعوب بسبب سياسات وتفاهات البعض من الانظمة القمعية ، وظل عاملا طيلة سنوات النضال على ارساء اسس الأخوة والتفاهم مع كافة الشعوب الشقيقة والصديقة، ومن مبدأ انه لا تزر وازرة وزر أخرى وان الشعوب الشرقية بمجملها ضحية للأنظمة الفاسدة والمهترئة والتي ما تزال تقتاد على أجساد الشرفاء من ابناء الشرق .
اليوم وفي ظل كل التغييرات التي تحفل بها منطقة الشرق الأوسط وفي الوقت الذي أصبحت فيه حقوق الإنسان الشغل الشاغل لكل المنظمات والهيئات الدولية ،فان النظام التركي مازال يعيش أوهام الإمبراطورية العثمانية ،ويحاول بكل ما أودي من قوة أن يوقف مسار التاريخ الذي وللمرة الأولى ربما بدأ يضحك للكرد ويفسح المجال واسعا أمامهم لنيل حقوقهم القومية العادلة والمشروعة، وإن تركيا بأساليبها القمعية والتي كانت خاتمتها استخدام السلاح المحرم ضد المقاتلين الكرد ،وما تلا ذلك من منع لأمهات وآباء ورفاق هؤلاء المقاتلين من حق الاحتجاج على هذه الممارسات، ومن حق التظاهر وحق استلام جثث أبنائهم من اجل دفنهم بشكل يليق ببطولاتهم ، فإنها كم يصب النار على الزيت وهذا ما ظهر بوضوح في الاشتباكات الأخيرة في مدين آمد الباسلة بين المتظاهرين الكرد وبين الشرطة التركية والأمن التركي ،والذي اضطر وتحت وطأة الاحتجاجات إلى طلب النجدة من الجيش ،الذي ما إن تدخل حتى أعاد إلى الذاكرة أيام حالة الطوارئ وما سببته من ألام وجراح لسكان المدينة خاصة وكردستان تركيا عامة .

في الختام نقول إن آمد ومن هيبة تاريخها الحافل بالأمجاد والعز لن تحني الرأس أمام نظام ينكر على أبنائها حقهم في الحياة الحرة على تراب وطنهم الذي تم تقسيمه وفق مصالح استعمارية قديمة ،وهي ستُنبت من جراحاتها غصن الزيتون الذي سيعلن لسفينة الحرية إن مياه الحقد والغدر والإنكار قد أخذت بالانحسار والنضوب  وان زمن طوفان العنصرية والكمالية والهمجية قد ولى الى غير رجعة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…