المصير السوري على محك السباق مع الزمن

صلاح بدرالدين

  للمرة الأولى وبعد دخول الثورة السورية شهرها السادس عشر يحصل مايشبه الافتراق بين الداخل الثائر المقاوم بكل مايمثل من حراك احتجاجي وتظاهرات شبابية شعبية سلمية وتنسيقيات في طول البلاد وعرضها وما يحتضن من مجموعات وتشكيلات للجيش السوري الحر الذي رفض الاذعان لقرارات التصدي للشعب ويدافع ببسالة عن شعبه في العديد من المناطق والمدن والبلدات والأرياف وما يحمل من شعارات وأهداف وطموحات من جهة وبين مشاريع وخطط عربية رسمية واقليمية ودولية وامتداداتها المتجسدة في حركات المعارضة السورية بمعظم مسمياتها وتياراتها وبالخصوص طرفيها الأبرز ” المجلس الوطني ” و ” هيئة التنسيق ” وبعض المجاميع الدائرة في فلكيهما من الجهة الأخرى .
 الثورة بطابعها السلمي – الدفاعي وبكل حواملها وفي جميع جنبات الوطن الجريح مستمرة تقدم التضحيات الجسام من أجل هدف أسمى وهو اسقاط النظام بكل مؤسساته ورموزه وتفكيك سلطة دولة الاستبداد ورفض أية مقايضات ومساومات من قبيل رحيل رأس النظام مقابل الابقاء على النظام سليما معافى أو تشكيل حكومة ائتلافية أو بتعبير أدق تمثيل بعض – المعارضين الوطنيين !– في مؤسسات النظام القائم وكأن دماء آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى والمخطوفين والمعتقلين والمشردين وكأن الدمار الكامل الذي  ألحق بدرعا وحمص وحماة ومحيط دمشق واللاذقية وادلب ودير الزور والحولة والقبير والحفة  لايساوي الا حفنة من الوزراء والمنتفعين ولكأن ما يحصل في بلادنا ليس ثورة وطنية في سلسلة ربيع الثورات من أجل الحرية واستعادة الكرامة وتحقيق الديموقراطية ولكأن السوريين غير أوفياء لدماء شهدائهم وناكرين لشجاعة وتضحيات شبابهم من النساء والرجال ومتجاهلين لنداءات المحاصرين واستغاثة الثكالى والأيتام أمام تهديدات النظام وجرائمه وآلته العسكرية المدمرة بكل تشكيلاتها البرية والجوية والبحرية .

  في المشهد الخارجي الموازي – المواجه لارادة الداخل الثوري هناك مؤشرات تدل على محاولات جارية لحسم الملف السوري باتجاه توافقي بين الأطراف الخارجية وامتداداتها المعارضة تلبي مصالح وارادة الدول والجماعات والنظام السوري بشكل خاص وتقضي بتجاهل تام لارادة وأهداف الثورة والثوار والقوى والتيارات والشخصيات السياسية التي ربطت مصائرها بالانتفاضة الثورية منذ الأيام الأولى ومن أبرز تلك المحاولات :
 1 – ماتردد عن صدور قرار من رأس النظام باعتباره – القائد العام للقوات المسلحة – والحاكم الفرد المطلق يقضي بتحديد أربعة وعشرين ساعة لاستخدام كل مايلزم من أجل القضاء على جميع ( بؤر التوتر ) وابادة ( المسلحين في كل مكان ) واستعمال السلاح المتطور الجديد الآتي من روسيا في تنفيذ قرار الابادة على مرأى ومسمع المجتمع الدولي .
 2 – المساعي التركية – الدولية – العربية لاستحضار النوع الآخر من المجاميع المحسوبة على المعارضة السورية وعلى رأسها تحالف جماعات الاسلام السياسي والتيارات القوموية في كل من – المجلس والهيئة والمنبر وو- من خلال عقد المؤتمرات واستخدامها كمطية وشاهد زور خاصة من الأنواع التي تدعو منذ زمن طويل الى التحاور مع النظام والاتفاق معه حول المشاركة بالسلطة وترفع شعارات – وطنجية – مثل ” الحفاظ على سلامة الدولة من الانهيار ” أي عمليا صيانة السلطة القمعية الحاكمة أي الجزء الثالث من الدولة الى جانب الجزئين الأساسيين الشعب والأرض  و ” رفض التدخل الخارجي والحماية الدولية ” .
 3 – الى جانب المشروع الروسي لعقد مؤتمر دولي حول سوريا والذي يصب بنفس مجرى المحاولات السالفة الذكر هناك خطوة مكملة أخرى تحضر لها جامعة الدول العربية عبرمكتب  الممثل الأممي – العربي السيد كوفي أنان ذات شقين : الشق الأول اعادة دعوة مختلف أطياف المعارضة السورية دون استثناء أحد هذه المرة للقاء في مؤتمر عام بالقاهرة وذلك خدمة للمسعى العام الأساسي في الحصول على موافقة للتحاور مع النظام أو الاطلاع على مواقف الجميع بهذا الشأن والشق الثاني كشف عنه نائب الامين العام للجامعة – أحمد بن حللي – في مقابلته مع صحيفة – الشرق الأوسط 15 – 6 – ” بعقد مؤتمر لمجموعة الاتصال بنهاية الشهر الحالي بجنيف برئاسة كل من بان كي مون ونبيل العربي وبمشاركة الأطراف المعنية بالأزمة ( ؟ ! ) لمساندة البنود الأساسية في خطة أنان وهي اطلاق الحوار ..” والأخطر في الموقف هو دعوته الصريحة الى تطوير مهام المراقبين الدوليين والتحول الى ” قوة حفظ السلام ” من دون توضيح بين من ومن ؟ وأين ؟ الى جانب القول ” أن النظام يصر على الحل العسكري والأمني والمعارضة تصر على اسقاط النظام بالاعتماد على الحل الأمني أيضا ” مساويا من دون خجل بين الجلاد والضحية وعدم اعتبار كفاح السوريين ثورة من أجل التغيير والبناء بل ينادى بضرورة الحفاظ على السلطة القائمة وعدم انهيارها .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف ليست القيادة مجرد امتياز يُمنح لشخص بعينه أو سلطة تُمارَس لفرض إرادة معينة، بل هي جوهر ديناميكي يتحرك في صميم التحولات الكبرى للمجتمعات. القائد الحقيقي لا ينتمي إلى ذاته بقدر ما ينتمي إلى قضيته، إذ يضع رؤيته فوق مصالحه، ويتجاوز قيود طبقته أو مركزه، ليصبح انعكاساً لتطلعات أوسع وشمولية تتخطى حدوده الفردية. لقد سطر…

نارين عمر تدّعي المعارضة السّورية أنّها تشكّلت ضدّ النّظام السّابق في سوريا لأنّه كان يمارس القمع والظّلم والاضطهاد ضدّ الشّعوب السّورية، كما كان يمارس سياسة إنكار الحقوق المشروعة والاستئثار بالسّلطة وعدم الاعتراف بالتّعدد الحزبي والاجتماعي والثّقافي في الوطن. إذا أسقطنا كلّ ذلك وغيرها على هذه المعارضة نفسها – وأقصد العرب منهم على وجه الخصوص- سنجدها تتبع هذه السّياسة بل…

فوزي شيخو في ظل الظلم والإقصاء الذي عاشه الكورد في سوريا لعقود طويلة، ظهر عام 1957 كفصل جديد في نضال الشعب الكوردي. اجتمع الأبطال في ذلك الزمن لتأسيس حزبٍ كان هدفه مواجهة القهر والعنصرية، وليقولوا بصوتٍ واحد: “كوردستان سوريا”. كان ذلك النداء بداية مرحلةٍ جديدة من الكفاح من أجل الحرية والحقوق. واليوم، في هذا العصر الذي يصفه البعض بـ”الذهبي”، نجد…

كفاح محمود تعرضت غالبية مدن الشرق الأوسط خاصة في الدول العربية المتعددة المكونات القومية والدينية والمذهبية منذ اكتشاف النفط وفي دول أخرى بُعيد انقلابات العسكر على النظم السياسية الى تضخم مريع في التركيب السكاني، وتغيير ديموغرافي حاد في ظل أنظمة اجتماعية قروية وسياسية شمولية، حولت المدن الى قرى مسرطنة بعد ان فعل الفقر والجهل والتصحر والعقلية السياسية المغلقة فعلته في…