وحدة الصف الكردي إبعاد العنف عن المناطق الكردية

  افتتاحية جريدة طريق الشعب *

    عندما اندلعت الثورة في سوريا في أواسط آذار 2011 ، كانت سلمية الطابع، أسوة بثورات الربيع العربي وبخاصة ثورتي تونس ومصر، ولذلك كان تقييمنا لها أنها ثورة شعبية ديمقراطية سلمية، ولا زلنا ندافع عن سلمية الثورة، ونرفض العنف، ولكن النظام استطاع عبر أسلوبه الوحيد (الحل العسكري الأمني) أن يحولها إلى العنف، أي إلى الميدان الذي هو الأقوى فيه، أولاً عن طريق تصفية الضباط والجنود الذين يرفضون إطلاق النار على المظاهرات السلمية فأدى ذلك إلى فرار وانشقاق أعداد هامة منهم، وتشكيل الجيش الحر فيما بعد، وثانياً بهجوم الشبيحة وقوات الأمن على المظاهرات السلمية والأحياء السكنية بالسلاح، مما أجبر الكثيرين على الدفاع عن أنفسهم باستعمال السلاح.
   وكان موضوع إبعاد العنف عن المناطق الكردية، ووحدة الصف الكردي أحد أكبر الهواجس لدى أبناء الشعب الكردي، وكانت هذه  الهواجس حقيقية وقائمة على الأرض، ولها ما يبررها بسبب التعددية السياسية المفرطة في الشارع الكردي ووجود خلافات سياسية عديدة حول جملة من المسائل الهامة، هذا من جهة، وبسبب وجود نوع من الحساسية بين بعض العرب من جهة وبعض الأكراد من جهة أخرى بنتيجة سياسات النظام الأمنية ومحاولاتها لبث التفرقة بين الطرفين، وبين كافة مكونات الشعب السوري.

وبعد المؤتمر الوطني الكردي الذي انعقد بتاريخ26|10|2011، وبروز المجلس الوطني الكردي في سوريا، ومن ثم مجلس الشعب لغربي كردستان، تعاظمت هذه الهواجس سواء بسبب الانتقادات المتبادلة بين المجلسين والخلافات القديمة- الجديدة، أو بسبب بعض الحوادث التي وقعت على الأرض.

    واستجابة للضغوطات الشعبية، ولضرورات المشاركة الفعالة في الثورة السورية وتعزيز دور الشعب الكردي فيها، وبسبب عدد من الحوادث التي وقعت أثناء المظاهرات في مختلف المدن والتي زادت من المخاطر الحقيقية، وانطلاقاً من روح المسؤولية والواقعية السياسية، دخل المجلسان في حوارات ثنائية للتوصل إلى الأرضية السياسية  التي من شأنها إبعاد شبح العنف عن المناطق الكردية وبناء جسور الثقة بين المجلسين.
    وفي الواقع بذل الطرفان المتحاوران جهوداً مضنية ومخلصة كانت نتيجتها الأولى توقيع وثيقة التفاهم بين المجلسين، تلتها عدة اتفاقيات أخرى تمحور محتواها حول تجريم الاقتتال الكردي ـ الكردي، ووحدة الصف الكردي، وحل كافة الإشكالات بين الطرفين عن طريق الحوار والمشاركة الحقيقية والفعالة في الثورة، وانتزاع الحقوق القومية والديمقراطية للشعب الكردي، وتشكيل لجنة مشتركة في كل مدينة كردية مهمتها حل الخلافات والإشكالات، ولجنة عليا تشرف على أعمال تلك اللجان، وغير ذلك من التوجهات التي تخدم قضية الثورة السورية من جهة وقضية الشعب الكردي من جهة أخرى.
    وجدت هذه الاتفاقيات صدى إيجابياً في الشارع الكردي، وخلقت جواً من الارتياح، وكان التأييد لها واسعاً، ولكن، وكما في أية اتفاقيات أو مسائل أخرى، فإن العبرة ليست فقط في توقيعها، وإنما في متابعتها وفي تنفيذها على الأرض، الأمر الذي لم يحدث، بل ساد بعض الجمود والتلكؤ، عادت المخاوف من جديد، ومن جديد أيضاً عاد الطرفان إلى الحوار، وتم التوصل إلى جملة من القرارات والتوجهات الإيجابية التي ينتظرها أبناء الشعب الكردي.
   إننا إذ نؤيد بحرارة هذا الإنجاز الأخير، فإننا نطالب بالجدية في تنفيذه، ونطالب أيضاً بتأكيد هذه القرارات بحضور أحزاب كردستانية عراقية وإيرانية و p.k.k وبحضور وفدين من المجلسين الكرديين السوريين في اجتماع مشترك في أربيل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يتحمل المجلسان كامل المسؤولية عن السلم الأهلي الكردي، وإبعاد أي شكل من أشكال العنف عن المناطق الكردية.

حيث أن سوريا دولة متعددة القوميات والأديان والمذاهب، وحيث أن الكرد يعيشون مع مكونات الشعب السوري في مناطقه ومناطق أخرى من البلاد، وبخاصة في الجزيرة ومحافظة حلب ومحافظة الرقة ودمشق، وحيث أنه بات من المعروف أن النظام يلعب على ورقة التمييز بين هذه المكونات والإيقاع بينها، ومن أجل إفشال أية فتنة قومية أو طائفية، فإنه من الضروري بذل جهود مكثفة من أجل بناء جسور الثقة والتفاهم بين هذه المكونات، ومن الضروري أيضاً خوض نضال سياسي وإعلامي واسع النطاق لتوضيح أن الثورة السورية هي ثورة جميع السوريين، وأن سوريا لجميع السوريين على اختلاف انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية، وأنه لا يوجد صراع قومي كردي ـ عربي، ومن المهم التواصل مع القوى السياسية والمثقفين والشخصيات الاجتماعية وأوساط الجماهير الشعبية وتعبئتها بالروح الوطنية السورية، والتمسك بسلمية الثورة، وأن الشعب السوري واحد.

إن ما تم التأكيد عليه أعلاه يخدم الثورة السورية، ويوفر عوامل انتصارها، كما يخدم القضية القومية للشعب الكردي وحلها حلاً ديمقراطياً عادلاً، ويجب التأكيد على أن أي صراع كردي ـ كردي مهما كانت أسبابه هو بالضد من مصلحة الشعب الكردي، ويضيع فرصة تاريخية نادرة من أجل إزالة الاضطهاد القومي بحق الشعب الكردي في سوريا، وانتزاع حقوقه القومية والديمقراطية، فلنحافظ على وحدتنا، ولنحافظ على سلمية ثورتنا.

* الجريدة المركزية للحزب اليساري الكردي في سوريا، يصدرها مكتب الإعلام المركزي / العدد (343)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…