عبدالرحمن آلوجي وبلاغة الأخلاق والسياسة

عمر كوجري

كلما استعنتُ برونق المعنى لأكتب مرثيات عن الأحبة، قلت: يا ربَّ عيسى وموسى أما لهذا الألمِ من آخر..

أما لهذا الليل من آخر؟؟
أصدقاء رائعون كثرٌ، تناولتهم كلماتي التي فاحَ منها عطرُ الجروح في تفتقها الحزين حتى غدوت رثّاءً..

بكّاءً بامتياز..

وما طلبت هذه الملكة الكتابية..

الكتابة عن هؤلاء الأحبة الراحلين كما شهاب السماء، ليست متعةً بقدر ما هي دموع تسيل على آهة الكلام.

اليوم، أكتب عن صديق شاءت الظروف ألا ألتقيه إلا مرة واحدة في منزله في أواسط تسعينيات القرن الماضي حينما كُلفت بالإشراف على إصدار مجلة «أجراس» الثقافية والسياسية.
بدا لي الراحل الأستاذ عبدالرحمن آلوجي..

قمة في النبل في فصاحته وحصافته وتقبله الكتابة لنا، وتشجيعه لمشروعنا الذي كان مهداً وقتذاك.
  سُحرنا آلوجي بعمق كلامه، وحلّق بنا بعيداً في عوالم السّحر والشّعر وروعة الكتاب والكتابة، ولم ينسَ أن يعرّجَ في كلِّ لحظة على هموم وطنه وشعبه الكردي، داعياً مذ ذاك إلى التحلي بالأخلاق الرفيعة، والسمو عن بعض المصالح والمنافع الآنية الزائلة كرمى من أجل قضية عادلة كبرى، نؤمن بها جميعاً، وإن اتسعت مساحات الاختلاف والخلاف.
كان يتحدث بنبرة واثقة في كل موضوع أثرناه في ذلك اللقاء، كان متوقد الذهن صافي السريرة، ينقي كلماته بعناية فائقة، مما جعلني أشطب عن كل ما سمعت عنه على أنه غارق في بحر ” ابن هشام وابن جني وسيبويه ونفطويه” وغيرهم من عتاة النحو العربي الذي لم نكن نستسيغ مدارسه وإشكالاته وتقعّراته نحنُ طلاب الأدب العربي آنذاك، لكن صوته الرخيم، وحلاوة معشره أزال كل ارتباك، وجعلني أشعر أنني في حضرة عالم جليل باللغة والأدب والتاريخ الكردي.
و أبعدتني أشواط الحياة عن مرافئ الإلفة واللقاء الحميم، فصار كل واحد غني لأحلامه وامانيه الخاصة والعامة.
فيما بعد سأتعرف على الفقيد المناضل آلوجي سياسياً بارعاً وكاتباً شجاعاً، وسأتابع مقالاته التي كان ينشرها في المواقع الالكترونية، وكان ذا نظرة ثاقبة، وأفق رحب يسع الجميع مهما اختلفوا معه، ومهما تنابذوا وتفارقوا، وكانت لديه أفكار لاقت صدى فيما يخص الاتفاق على سلم الأولويات، ونبذ التعصب الحزبوي الذي كان ومازال يخدم النظام لتمرير مشاريعه الشوفينية والعنصرية بحق شعبنا الكردي في سوريا.

    
ومع اشتعال نار الثورة السورية، أعلن الفقيد ولاءه للشارع السوري الثائر بكل مكوناته وأطيافه، بقلمه ونضاله الجماهيري اليومي حتى آخر رمق.
  الحزن الوحيد الذي حمله الفقيد معه إلى رحلته الأخيرة ربما كان يتمنى أن يكحّل عينيه، ويسعد فؤاده بسوريا أفضل..

سوريا أجمل..

سوريا العدل والمساواة والكرامة..
لكن كان للقدر كلامٌ قاسٍ آخر!! طوبى للفقيد الكبير آلوجي في رقاده الأخير..

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…