المجلس الوطني والمهام التنظيمية والسياسية

شـهاب عبــدكـي

يواجه المجتمع الكوردي في الظروف الراهنة جملة من التحديات والصعاب على المستوى السياسي والاجتماعي  ، ولأول  مرة يواجه بوقائع خارج عن منظومته المعتادة ، والتي شكلت على مر العقود هيكلاً مستقلاً بذاته بعيداً عن المتغيرات التي كانت تعصف بالعالم ، وأن وجد كان تغيراً بسيطاً في آليته التنظيمية ، لا تتصل بالوعي وبالحداثة التي كنا بحاجة لها منذ فترة بعيدة ، حتى يتم التكيف مع المتغيرات التي من الممكن ان تأتي بسياسات جديدة ، ويمكن الاستفادة منها لو كان العقل الكوردي  متفهماً لدور الخارج والداخل من جهة و القضية الوطنية والقومية جهة ثانية ،
 إلا أن الاحزاب الكوردية بقي تفكيرها محصوراً بالقضية القومية  دون الخوض في تفاصيل الوطنية والمطلوب منها ، وكيفية التوازن بين هذه الجدلية بما يخدم قضيتنا ، وتعريف الرأي العام الكوردي على ما هو ثابت وما هو متغير بالنسبة للحقوق الكوردية ، باستثناء بعض المحاولات الفردية (الحزبية)  والتي كانت تفتقر إلى دراسة عميقة متفق عليها ، وأحياناً مشكوك في نواياها ، وقد وصل الامر إلى أن الارتباطات الكردستانية أصبحت أهم من العلاقات الوطنية  ، و كان من الأفضل الاعتماد على الاستفادة وليس الاهمية ، فالسؤال المهم كان من يستفيد من الاخر ، وكان الجواب بسيطاً ، فالعلاقات الوطنية الصحيحة يمكن الاستفادة منها في العلاقات الكردستانية   .

التعاطي  السلبي مع الاوضاع السياسية والتنظيمية أوصلت الأحزاب الكوردية لطرق مسدودة وشبه مقاطعة مع الديمقراطية كأسلوب  في ممارسة الحياة الحزبية  والتي تؤهله في النهاية بأن يكون منفتحاً على الجميع ، وغير منطوي على نفسه منغمساً في صراعات حزبية ، فأنهكت قواه الفاعلة وأبعدتها عن الحياة السياسية ، وكرست مفهوم القائد الواحد الذي لا يمكن أن يستقيم اي حزب بدونه ، فهذه القواعد السلبية و التي ليست لها علاقة بمفهوم الديمقراطية ، ابعدت الاحزاب عن الاختلاف الحقيقي والتوجه نحو الخلافات ومن ثم الانقسام التنظيمي العائد لأسباب شخصية  .
تقيّم الاحزاب بسبب بنيتها التقليدية وآلية اتخاذ القرار في محافلها يشكل أحد العوامل الاساسية في تخلف ممارسة السياسة بين الافراد والهيئات ، بالتالي النقد بمفهومه الشامل الذي له غاية التصحيح والتوضيح ، وطرح المشكلات بموضوعية  سوف يساهم في بناء وربط بين هيكلية تنظيمية وخطاب سياسي ، ويكون مدخلاً جاداً في الحالة السياسية السورية بعد غياب عن الساحة الوطنية في الطرح والوجود ، صحيح أن استبداد النظام كان السبب الرئيسي في عدم الانخراط الايجابي في الحالة الوطنية  ، إلا أن الحركة كانت مرتاحة  لهذا الدور المفروض عليها ، ولم تحرك ساكناً في هذا الاتجاه  ، ولم تستطع ترجمة الشعارات التي كانت تزين صفحاتها عن البعد الوطني ، بشكل يوفر الغطاء السياسي لها عندما يحين الوقت ويعطي ثقة أكبر للحالة القومية الكوردية عندما تُطرح  كقضية وطنية ، ما نقوله هو من وجهة نظرنا الكوردية وتقيمينا لهذا الدور ، أي الحراك الكوردي في محيطه الوطني والذي كان ناقصاً ومحدوداً ، بغض النظر عن وجهة النظر الاخرى ، والمصالح التي تسيطر على الحدث السياسي .
كل ما سبق هو مدخل لموضوع  المجلس الوطني  الكوردي الذي شكل خطوة إيجابية في عمل  الحركة  نحو تأطير العمل السياسي الكوردي ، وتفعيل دوره على مساحة الوطن ، كفصيل وطني يحافظ على سلامة ووحدة الارض ، ويقوم بحمل أعباء وهموم قومه  وتحقيق امانيه في العيش بكرامة  ويؤسس لحالة صحية بناء على مفاهيم ورؤى جديدة .
السمة الاساسية لهذا المجلس هو وجود عدد من المستقلين والشباب الذين كانوا من منتقدي عمل الحركة الحزبية مما يشكل فرصة ثمينة لإثبات رؤيتهم  ، بالإضافة إلى عدد لابأس به من المثقفين الواعين الذين لهم رؤية موضوعية للحالة السياسية في سوريا وأبعادها  ، كل ذلك يشكل تحولاً وتميزاً في مسيرة هذا المجلس  ، و أرضية إيجابية لبدء حوار جدي والاستفادة من الامكانيات حول كيفية الخروج من الحالة التقليدية نحو وضع يكون متماشياً مع الحالة السياسية والاجتماعية الجديدة .
 
إعادة انتاج نمطية الأحزاب في المجلس الوطني الكوردي سوف تفقده مصداقيته ، وسوف تبقيه رهينة لأفكار الجيل القديم الذي قدم كل ما يملك مع الشكر والامتنان ، ولا يمكن له استعمار الافكار لفترات قادمة من خلال تبريرات الحرص والتجربة ،  فهذا المجلس رغم النواقص التي رافقته ، وقد يدوم لفترة أيضاً من عُقد حزبية وشخصية ، هو تمرد حقيقي وإيجابي ، وبداية لنشوء حالة تنظيمية بعيدة عن التشوهات التي رافقت مسيرة الحركة منذ نشوءه  ،  والاستناد إليها في بناء مؤسسة ديمقراطية تنبذ كل أشكال السيطرة سواء كانت شخصية أو حزبية ، داخلية أو إقليمية ، وحتى ينجح مشروعنا القومي الكوردي في اطار الوطن السوري ، لابد من تلازم بينه وبين المبدأ الديمقراطي وقبول الآخر دون تعقيدات  .
علينا الإدراك بأننا في مجال مرحلة انتقالية ، والتحليل المنطقي للمرحلة الماضية لا يعني بالضرورة اننا نعرف كل شي عن المستقبل وماذا نريد منه ، ولكن يمكن وضع استراتيجية تخدم مشروعنا القومي والوطني معاً ، فالخطاب السياسي الذي يغوص في المجهول سوف يكون مصيره الفشل ، لذا الحالة التنظيمية المتجددة تعني افكار جديدة وأشخاص جدد وحركة  فاعلة دون قطيعة مع نضال الاجيال الماضية ، وهذا يمهد دائماً لنوعية متماسكة من حيث المبدأ رغم الاختلاف ، بالتالي طرح المشروع الكوردي بكل شفافية وجرأة ضمن الممكنات التوافقية ،  والذي يعتمد على دراسة الواقع بكل اتجاهاته ،  وهذا هو عمل النخبة الجريئة ، ويجب الاعتراف بأننا بعيدون عن هذا التصنيف.
 الاستنتاج الأخير هو أن الخيارات الكوردية  محددة في مجاله القومي ، ولكنها مفتوحة في مجاله الوطني ، ويحتاج إلى ضبط وتحديد هذه الخيارات ،  بعيدة كل البعد عن العاطفة ، وحتى تقوم بذلك لابد من الاعتماد على الركيزة الاساسية أو تنظيم هذه الركيزة  ، وهي هيكلية المجلس  دون حسابات حزبية ، وتستند لحسابات القضية ، والعمل لتأسيس خطاب ينسجم مع الواقع الذي فرضته الثورة السورية ، ومع  تأسيس المجلس الكوردي أصبحت المسؤولية السياسية تقع عليه دون غيره  وهو مطالب بتبني برنامجاً متكاملاً داخلياً وإقليمياً وعالمياً .
.الصراع التنظيمي من جهة والسياسي من جهة أخرى سوف يستمر وقد يؤدي إلى تأخير المجلس في انجاز مشروعه القومي وانخراطه بشكل يناسب النضال الكوردي في محيطه الوطني  ، ورغم التأخير سوف تعطي افكاراً جديدة ، وإذا استطاعت النخبة الموجودة بالمجلس التوفيق بين هذه الصراعات و التقدم بالمجلس ككتلة موحدة رغم صعوبة المهمة ، يكون التغير الذي نحن نطالب به قد حصل دون خسارة كبيرة ، بالتالي سيخدم القضية على المدى البعيد  .

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…