dylynet@hotmail.com
توطئة :
قبل كلّ شيء أستميح القارىء الكريم عذراً , على عنوان مقالي هذا: كرد سوريا : صقور وحمائم – وهو أردته عنواناً استفزازياً , بعدما تابعت الحوار الدائر حول قضية الكرد في سوريا وهل هي : قضية أرض وشعب ؟ أم لا ؟، وإن ثنائية الصقور والحمائم , هنا, ليس المعني بها حزباً، مقابل آخر , ولا إطاراً في مواجهة الآخر , ذلك لأنني لا أرى في الخلاف القائم , حول الموقف من إعلان دمشق، أو سواه , إلا نافلاً , منطلقاً بذلك من حقيقة أن كلّ رأس كردي كانت مطلوبة في 12– آذار , ولا فرق هنا بين رأس يخيل إليها أنها كانت الأكثر تعقلاً , والأخرى الأكثر مغامرة , أو تبصّراً، أو بسالة , لأنّ المعيار الآذاري , أكد أن كلّ الكرد السوريين , التقوا ، رغم ما بينهم من خلافات وهمية، في الشارع , وكانوا صوتاً مدّوياً واحداً ، يتصادى دفعة واحدة , كي يشقّ كبد السّماء، ما داموا جميعا ً، دون استثناء، في مرمى رصاص، وأحقاد فتلتهم الأشرار ….1
ومن هنا, وبعيداً عن أية أمثلة قد تتبادر إلى المظنّةّ ، أرى أن أية صقور، لا يمكن أن تستمدّ قوتها إلا من حمائمها , في ما إذا كانت الثنائية صحيحة أصلا ً ، ولا يمكن لأية حمائم من التحليق عالياً , ما لم تلجأ إلى لحظتها الصقرية , عند الضرورة…!
أجل ، في ميادين 12- آذار , امّحت العلامات الفارقة الموهومة بين الحمام والصقر الكرديين، في ما إذا كانا كذلك، لأنني – هنا- لا أطوّب لصالح أحد دون آخر، لأنّهما كانا معاً مستهدفين من صيّاد شوفيني , واحد، بل ولم يكن لدى أحد منهما ، عملياً ، ما يعطيه أكثر من الآخر، أي روحه، تماماً، لأنّ لغة البيانات , سكتت , أمام جبروت الشارع الذي هو رصيد كبير لكلا الطرفين ، في آن واحد..!
نقطة التحول الجذرية :
لا يخفى على أحد , أن انتفاضة -12- آذار الباسلة قد جاءت, كي يسمع صوت أنين الجرح الكرديّ , في أربع جهات العالم , وكي يدرك العالم برمّته أن هناك قضية كردية في سوريا ، فشلت كلّ أشكال التعتيم عليها , عبر عقود متتالية , دون أن تتمكّن من محو الذاكرة الكرديّة, ونسف وجدانها .وإمحاء ملامح خصوصيتها .
ولعلّ هذه الانتفاضة –نفسها-و التي كانت رسالة واضحة للأوساط الشوفينية التي لم توفّر وسيلة انتقامية , إلا وأتبعتها لبثّ الذعر , وتغييب الصوت الكردي , دون جدوى , استطاعت على صعيد آخر , لفت الانتباه من قبل المعارضة السورية، لإدراك مدى مقدرة الكرد السوريين , على المساهمة مع أخوتهم سورياً , للعب دور كبير في توجيه دفّة الحياة السياسية في البلاد , والإسهام الكبير في التغيير الديمقراطيّ السلميّ , وهو ما دعا قوى عديدة لالتقاط ذلك , داخل سوريا ، وخارجها ، إلى أن تمّ الوصول إلى – توافقات – معروفة هنا وهناك ، على حد سواء .
ولقد كان في بال كثيرين ، من قوى المعارضة الوطنية ، التي حاولت الاستفادة من الورقة الكرديّة في سوريا , وفق صحوة ضمير ، مباغتة, صورة أشقائهم من كرد العراق , ممّن كانوا رقماً صعباً في سياسة بلدهم , ولاعبي دور مهمّ في كافة التحولات التي جرت هناك , وتريد قوى الشرّ إجهاضها , تحت حجج وذرائع شتّى ,واهمة ، كي تخدم بالتالي حالة الشبح الدكتاتوري الزائل , لا أعاده الله ….!
أختلف معك إذاً انا موجود! :
ثمة شخصيات وأطراف عديدة , من السوريين غير الكرد الذين يضمّهم إعلان دمشق , أعرفهم عن قرب , كما يقال , وكانت مواقفهم من الكرد معروفة , إلى وقت قريب, بل وأنّ كثيرين منهم ،تمّت بيننا مساجلات شفاهية , عبر ملتقيات عامّة , أو خاصة , أو من خلال الإعلام , ولم يعترفوا إلا بمجرّد – حقوق المواطنة، لأبناء ثاني أكبر مكوّن للنسيج السوري , في صورته الحالية، في أحسن حال , وقد استطاع مشاركو الإعلان – من الكرد – تحويل وجهات نظرهم ، مشكورين ،وإن بين ليلة وضحاها إلى حدود معقولة , نظريّاً وقد كانت المشاركة في اعتصام 5- 1- 2006 – أولى ثمار التفاهم الذي أريد له من قلبي أن يعطي كل ما نحلم به، من حقوق قومية مشروعة في بلدنا سوريا !.
وعلى صعيد آخر , فإنّ من تمّ تجاهلهم من قبل الإعلان , نتيجة ممارسات – فيتو – ربما ، كرديّ ، أو عربي – بحقّّهم , منهم – بصراحة – من قد يطرح الشعارات الكبيرة , الصّحيحة، لكسب “مرضاة” بعض الشارع الكردي, لا السوري , بعامة , إلى جانب من يطرحها عن قناعة كاملة ، ويستعدّ لترجمة كلامه النظريّ إلى واقع ، وإن كنت – سلفاً – مع كامل حقوق إنساني الكردي السوري في هامشه الجغرافي الواضح، و المجتزأ من خريطة كوردستان ، كاملة……!
حقيقة ً, أعرف أنّ هناك أصحاب عقول بائسة ، مفجوعة، منكوبة، لما آل إليه مصير دكتاتور العراق , ولا ترى في الكرديّ إلا مجرّد ضيف على ترابه , شأن غلاة السلطة , أنفسهم , وإنّ أمثال هؤلاء, لا يمكن التعويل عليهم في دخول أية -شراكة جادة- معهم ، لأنهم باختصار , يريدون من الكردي معبراً لاستعادة دكتاتورية أخرى , دون أيّ غيرة , أو شعور بالمسؤولية , تجاه كل من هم منضوون ضمن خريطة سوريا، الآن , التي تضمّ في ما تضم جزءاً من كردستان ، وإنّ أية علاقة معهم هي تكتيكية , وإن مجرّد إدراك واقع المنقلبين على وعودهم , وتواقيعهم في مواثيق المعارضة العراقية , قبل سقوط تماثيل صدام حسين 942006 ستجعل المرء متردّداً أمام أشباههم ,قيد التناسخ، أنّى وجدوا في سوريا؟.
إن حالة الكرد في سوريا , لا تسمح ، البتّة، الدخول في حوارات سفسطائية , سواء أكانت موافقة , مقرّة بأن قضية كرد سوريا هي قضية , (أرض وشعب) ( أم لا ) لأنّ المطلوب، الآن، هو الالتقاء , ولا مانع من ثم : الاختلاف، للالتقاء( إن دعا إلى ذلك داع) لا (الاختلاف للاختلاف) كما قد يكرّس من قبل سائر المختلفين ، وضعضعة الصفّ الكردي، ضمن مثل هذه الحالة من مناقشة “أسبقية البيضة، أم الدجاجة؟”، ما دامت الإجابة لدى الطرفين، لابدّ أن تكون واحدة، في غياب المساومة عن كامل الحق القومي لكرد سوريا!.
كما أن كثيراً من الأطراف الكردية المختلفة (وهي هنا للأسف تعني الاختلاف لا التعدّد) بات يجد مشروعيته – في هتك عورة الآخر الكردي – ومحاولة تخوينه , وعزله , بسادية مريبة ، واأسفاااااه !؟ ،، على حساب مواجهة الحلقة الأكثر أهمية ،وهذا في تصوري، سلوك بعيد عن أخلاقيات السياسة المطلوبة- ولست أعني هنا مجرّد طرف واحد على حده – في هذه اللحظة الحرجة جداً، بل أنطلق من شنشنات معينة ذات طابع شخصي ، هنا وهناك ،في آن واحد! .
وإذا كان هناك حقاً – صقور وحمائم كرد – فمن الضروريّ أن توزّع أدوارها في ما بينها من أجل قضيتها العادلة , لا أن يجعل طرف ما من شجاعته في موقف ما ،في حال توافرها ، وإن كانت- هنا في فلسفة الاختلاف – نظريّة, حائلاً دون التواصل مع صنوه , وقرينه، الذي من حقّّه اختيار أدواته ,بالطريقة التي يريد، ما دامت أدوات كليهما، من الممكن تسخيرها من أجل مصلحة أبناء شعبهما , ضمن حالة توافق ضمنية ، أو موثّقة ، في هذه اللّحظة الأكثر إحراجاً على الإطلاق …!
في تصوّري الشّخصي, أن الحقيقة ،ليست حكراً على طرف ما، دون آخر , وإن كان كلّ من الطرفين , سيحاول وعبر التذويق , و التنميق ،والترقيع ، والترصيع ، تقديم رؤاه , على أنها الأفضل , دون أن يفكر بأن ما يفكر به – من هو في المقابل – قد يشكّل أيضاً النصف الآخر من الحقيقة لدى ندّه الآخر، وهو أيضا ً الكردي هنا !.
أجزم , أن تجاوز الخلافات الحزبوية، والشخصية , الهجينة ، مهمّة ملقاة على كواهل الأطراف الحزبية الكردية في سوريا , وإن أيّ دفع للحوار نحو سنّ فلسفة القطيعة- وهنا ما زلت أتحدّث عن الطرفين في آن واحد – لا يخدم استراتيجية القضية الكردية في سوريا ، ولا أريد أن يفهم أحد أنّني هنا أنظّر، كي تلتقي وتنطوي سائر الأطراف الكرديّة في – إعلان عام – لأنّ ما أرمي إليه , أولاً , هو الالتقاء في – إعلان كرديّ لائق – يتواشج فيه من يعمل تكتيكياً ومن يعمل استراتيجياً – في آن واحد – جنباً إلى جنب , متجاورين , متحاورين , لتكوين حالة ذات حضور يليق بأبناء ثاني مكوّن رئيس في البلاد , وهو ما سيعّزز من شخصية الكردي , وحضوره السوريّ ، السويّ ، مهما كانت وجهة نظره , ما دام أن لا خلاف، أن الكرديّ إنّما يعيش فوق ترابه أباً عن جد ، ولا أحد من كلّ المختلفين ، ليختلف أمام هذه العلاقة التي لا تحتكر لصالح طرف دون سواه ..!