حق تقرير المصير, تقرره الاحزاب ام يقرره الشعب؟

عبدالقادر مصطفى

في هذه الايام العصيبة التي يعيشها الشعب السوري وثورته العارمة من قتل وقصف ومجازر في المدن والبلدات السورية الصامدة امام جبروت وجنون وفظاعة النظام القاتل الذي يضرب يد من حديد كما توعد, في هذه الاثناء اذ يطلع علينا بعض الاحزاب وكأنها في المزاد العلني في رفع وتيرة مطاليبها القومية والتي كانت غائبة وصامتة وخجولة مدى هذه العقود الخمسة من مسيرة حركتنا السياسية في سوريا.

مبدأ حق تقرير المصير كما نفهمه جميعا حق مشروع لشعوب الارض قاطبة وفقا للقوانين الدولية وشرعة الامم المتحدة, مفهوم هذا الحق بدأ يأخذ بعدا آخر في هذه المرحلة التي تحمل عنوانها العريض (بالربيع العربي او ربيع الثورات) وبدأنا نتعاطى مع هذا الحق بمفاهيم اكثر وعيا وواقعية, بخلاف ما كان التعامل معه في فترات الاستقلال وما بعدها.
الواقعية والشفافية والموضوعية اعطت لهذا المبدأ مساحات رحبة نحو العلمانية والليبرالية والمدنية وقبول الآخر في الشراكة الحقيقية لبناء وترسيخ قواعد متينة, من المفترض ان تتعايش على وفقها كافة المكونات والموجودات ضمن الوطن الواحد من دون اقصاء او اكراه, هذا المفهوم لم يعد محصورا في الخلاص من الاستعمار وانتداباته, بل اضحى يتطلع فوق القومية والوطنية ذات الاطر الانعزالية الى رحاب اوسع واشمل من ذي قبل, لم يعد يشمل الكوردي واللآشوري… فحسب, بل صار يعني بالدرجة الاولى العربي في سوريا قبل غيره من المكونات الاخرى, لانه وعلى مدى الاستقلال لم يستطع هذا العربي الحاكم ان يقرر مصيره بنفسه ولم ينجح في الوصول الى صناديق الاقتراع بكامل حريته ولا الى مجلس النواب من خلال الصوت الحر والاختيار المناسب.
جميع الشعوب السورية من عرب وكورد وآشور..

بالاضافة الى كل المذاهب والطوائف الموجودة في اطار هذا الوطن السوري يبحثون ويعملون من اجل تقرير مصائرهم وذالك ضمن عقد موحد ومتفق حيث ينعم فيه الجميع بالشراكة الحقيقية من دون تمييز, نحن كلنا وبدون استثناء فاقدي هذا الحق ولن يستطع احد منا ان يتصدق على الآخر حقه لان (فاقد الشيئ لا يعطيه) .
يتوزع مفهوم حق تقرير المصير بين عدة احزاب كوردية في سوريا, ولكل تنظيم من هذه التنظيمات لها شرحها وتفسيرها ورؤيتها في الشكل الذي يستهويه, هناك من يرى في الفيدرالية مخرجا امينا في خلاص العقدة وفكها, وايضا من ينادي وبصوت عال في الحكم الذاتي الحقيقي النقي بلسما لهذا الجرح النازف, ومن يرى كذالك الحل في الادارة المحلية واخيرا وليس آخرا الادارة الديموقراطية… الخ.
هذه هي مطاليب احزابنا العتيدة, ولكن ما هو مطلب الشعب الكوردي؟
الكل يعلم ان المطاليب والتمنيات شيئ والحق المشروع الذي يقره الشعب شيئ آخر, حق الشعوب لم يأت عبر مطاليب الاحزاب وحدها بقدر ما قر (بضم القاف) من خلال خطاب موحد اشتركت في صياغته واقراره الاكثرية الساحقة من الفعاليات المتواجدة على الارض, اذا كانت الاحزاب عاجزة على الاتفاق وغير قادرة في رسم خارطة طريق بما يتلائم وتطلعات شعبها, غير ان الاخير متفق وواع في اختيار حقوقه المشروعة, وليس بحاجة الى صناعة القرارات القومية في الغرف المظلمة والاقبية المغلقة اوفي خارج جغرافية غربي كوردستان!!!.
اعتقد ان المساحة التي نعيش في ضمنها ليست ملكا لنا وحدنا وان ارضها وسماءها وهواءها ومياهها ملك الجميع, نحن الكورد لا نعيش منعزلين عن الشعوب الاخرى ولسنا وحدنا من نقرر مصير الجغرافيا والتاريخ والمستقبل, بل هناك شركاء لنا في العيش والتاريخ المشترك, يجب ان لا تتعارض حقوقنا مع حقوق الآخرين وان لا ننفرد في اتخاذ قرارات تمس مصير الآخرين من الشعوب والاقليات التاريخية الموجودة بيننا كالكلدان والاشوريين والسريان والعرب والشركس والارمن والطوائف الاخرى.
الربيع الكوردي لا يحتمل الشعارات البراقة والمطاليب القومية من جانب الاحزاب ذات الوزن الثقيل, ودون العمل من اجلها, ويجب ان نتذكر جيدا كيف قدمت ثورة ايلول المجيدة بقيادة الخالد مصطفى البارزاني مئات بل آلاف الشهداء من اجل الحصول على الحكم الذاتي, فكيف بالفيدرالية وحق تقرير المصير!؟.
علينا ان نلبس هذا الربيع الكوردي اللباس الميداني الذي يتماشى مع واقع الانتفاضة العارمة والتي يقودها وبدون منازع عنصر الشباب.
ان حرية الشعوب ونيل حقوقها ليست مكسبا حزبيا او شخصيا او عائليا, انا عندما اناضل من اجل الآخر لانال واحصل على حريتي بالدرجة الاولى, ان محاولة بعض الاحزاب في لعب ادوار غير مرئية وغيرواضحة وحينما ينتظرون الآخرين ليدفعوا ضريبة الحرية والكرامة ثم يسرقونها في وضح النهار بدون وازع ضمير, ويتسلقون كالانتهازيين على اكتافها للوصول الى مآربهم الرخيصة والفردية والحزبوية.
الدور المطلوب لنا جميعا, هو العمل من اجل ايجاد وبناء وطن ذات اسس ديموقراطية تعددية اتحادية وذات دستور يرقى الى طموحاتنا جميعا ومؤسسات وطنية والتواصل الحقيقي مع كل الشركاء, وهذه تتطلب الانخراط الفعلي في الثورة و اهدافها النبيلة وهي الضامنة الاكيدة بما نصبوا اليه جميعنا.
mustafa52@live.se

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…