أسود سوريا بين (ميوعة) أوروبا و(دغدغة) أمريكا

جان كورد
05.12.2006

منذ أن استلم السيد وليد المعلم حقيبة وزارة الخارجية السورية، والديبلوماسية السورية تثير مزيداً من التساؤلات لدى المراقب الغربي، فالغرب يدرك جيداً أن هذا النظام يلجأ للمراوغة واتخاذ الخطوات نحو الخلف، بل ونزع جلده في بعض الأحيان إذا أضطر إلى ذلك، كما يعلم بأن اختيار السيد وليد المعلم لمنصبه هذا إنما جاء لارضاء أو خداع الغرب عموماً وأمريكا على وجه الخصوص.

وفي هذا الوقت بالذات، حيث تقوم الإدارة الأمريكية بالاستعانة بخبراء وديبلوماسيين وعسكريين عريقين في تحليل الأزمات ورسم الخطط والسياسات، للانتقال إلى مرحلة أخرى في استراتيجيتها الأمنية في العراق، وحيث يلمّح روبرت غيت المرشح لتولّي منصب وزير الدفاع خلفاً لرونالد رامسفيلد إلى أن احتمالات الهزيمة في العراق واردة بقدر احتمالات النصر بالنسبة لأمريكا وأن على بلاده انتهاج خطة محكمة لتفادي هذا الفشل وحماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة على المدى البعيد، يحاول النظام السوري إظهار نفسه للغربيين وكأنه نقطة المركز في كل ما يجري حوله ولايمكن تحقيق أي انتصار أمريكي أو غربي دون الهرولة إليه والتوسل إليه ليقدّم “خدماته الجليلة” دون أن ينزل من عليائه أو يحط من كبريائه أو يوافق على مطلب واحد مما يطلبه المجتمع الدولي منه، سواء في لبنان أو فلسطين أو العراق أو حتى بالنسبة إلى سياسته الدكتاتورية تجاه شعبه السوري، كما يشعر هذا النظام  بغبطة شديدة لتصريحات بعض “عقلاء” واشنطن كطفل تدغدغه أمه، فيزداد لعباً ولهواً ومشاكسة ومعاندة، ظناً منه أن تلك الدغدغة ستدوم ولن يتلّقى أي عقاب إذا ما ارتكب مخالفات أو حماقات…

والحقيقة الساطعة هي أن هذا النظام طرد شرّ طردة من لبنان بتأثير الموقف الأمريكي – الأوربي الحازم في مجلس الأمن، ولكنه بحكم ما يغدقه عليه ملالي طهران، يتمكّن بطرق ملتوية إلى الآن من الاستمرار في تنفيذ المطلوب منه إيرانياً على الأرض اللبنانية، وتزويد حزب الله بالسلاح والمال الايراني والخبرات العسكرية، وتحريك الشارع المعارض ضد الحكومة الشرعية التي تعمل على تحقيق القرارات الدولية بصدد المحكمة الدولية، وتسهيل مرور الإرهابيين من بقايا البعث العراقي المخلوع والتكفيريين والمرتزقة عبر الحدود السورية – العراقية، وإيواء عناصر ومنظمات فلسطينية متطرّفة تعرقّل مساعي الرئيس الفلسطيني محمود عباس للاستمرار في مشروع بناء الدولة الفلسطينية المستقلّة، وغير ذلك من الأعمال التي يعتبرها الغربيون والاسرائيليون والعديد من الحكومات العربية الرصينة والمتوازنة في سياستها محاولات إيرانية توسّعية في المنطقة العربية من خلال استخدام المخفر السوري.

إلا أن هذا النظام ليس بالعملاق الذي لايمكن قهره أو تخويفه أو إجباره على الكف عن ممارساته هذه، والدليل على ذلك أنه لايسمح لشعبه بالتظاهر في ذات الوقت الذي يصف محاولة اسقاط الحكومة اللبنانية عن طريق التظاهرات الكبيرة والمستديمة بعمل ديموقراطي ونوع من أنواع التمتع بالحرّية التي يحبها اللبنانيون، وكأن لسان حاله يقول: يجب صون الحرية والديموقراطية في لبنان وقمعها في سوريا أو في العراق..

أو أن فزعه الكبير من اسقاطه جماهيرياً مثل الدكتاتور الروماني تشاوتشيسكو يقلقه إلى درجة قمع أي مظاهرة سلمية بالعصي والهروات وأعقاب البنادق والأحذية العسكرية في سوريا.

هذا وحده كاف لتقدير مدى عجز ورعب النظام السوري..

ومثال آخر نسوقه هنا من أيام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، حيث اهتز بدن نظامه يوم هددته تركيا بالغزو، وهي عضو واحد في حلف الناتو، مالم يطرد الزعيم الذائع الصيت عبد الله أوجلان وقيادة حزبه، حزب العمال الكوردستاني (حالياً: اتحاد المنظومات الكوردستانية أو شيء من هذا القبيل)..

أي أنه غير قادر على مقاومة أي تهديد عسكري دولي أو اقليمي ولولأسبوع واحد فقط…ناهيك عن الوضع الاقتصادي المتردي والفقر الذي يفتك بالطبقات الكادحة التي وعدها البعثيون بالحياة الكريمة والعيش الرغيد والاشتراكية، فسلبوها لقمة العيش ودفعوا بها إلى حافة بركان خطير، قد ينفجر في أي لحظة قادمة…

الخبز الذي يعيش عليه هذا النظام السوري هو ميوعة أو “لطافة” السياسة الأوربية حياله، حيث لا يزال هناك بعض المترددين من السياسيين الذين يعتقدون بأن سوريا “عنصر استقرار في المنطقة“، ولكنهم منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الشهيد رفيق الحريري وما تلى ذلك من اغتيالات ومواقف متشجنة وتصريحات خطيرة لرأس النظام السوري باتوا في خانة الأقلية..

فالأوربيون الذين يظهرون للملأ وكأنهم متراصون ومتحدون يظهر من بينهم على الدوام من يخرج على الصف ويقوم بمبادرات شخصية أو حزبية أو حكومية ويلوّح بمكافاءات وهدايا ووعود بهدف تحريك شيء إيجابي في منطقة ما من مناطق العالم، وبخاصة في الشرق الأوسط..

ومنهم من يحاول كوزير الخارجية الألماني شتاينماير الذي كان يحبذ الصمت والبقاء في الظل دائماً أن يمارس سياسة “دليل الطريق”  المحبوبة لدى فطاحل السياسة، وهي أن تسير بعربتك أمام عربة إنسان غريب عن المنطقة لتدلّه على الطريق التي تريدها صوب هدفه، أو تمسك بيد إنسان أعمى لتساعده على تفادي المخاطر … وهذا ما جرّبه هذا الديبلوماسي المحنّك والخبير بشؤون الشرق الأوسط مع الحكومة الإيرانية للعدول عن مشروعها النووي فأصيب بخيبة أمل أزعجته إلى درجة أنه قال بما معناه:”لن أعود لزيارة طهران حتى تثبت أنها قد عدلت عن سياستها النووية هذه.” وقال قبيل زيارته الأخيرة إلى دمشق بأنها ستكون بالنسبة إليه شخصياً زيارة صعبة، وأن على النظام السوري القيام بما يطلب منه دولياً وأن يساهم في تحقيق الأمن والاستقرار والسيادة الوطنية في كل من العراق ولبنان، وأن يدعم جهود الاسرائيليين والفلسطينيين للمضي قدماً في طريق السلام وبناء الدولة الفلسطينية المستقلّة… لقد قالت فرنسا كلمتها الصريحة: “النظام السوري يستطيع مدّ البساط الأحمر طويلاً ولكنه غير مستعد للقيام بأي شيء مفيد.” إلاّ أنّ هذه الصراحة لا تعني أن الفرنسيين لايمارسون سياسة مائعة أو لطيفة تجاه مستعمرتها السابقة سوريا، إذ بالمقارنة مع سياساتها في مستعمراتها الأفريقية السابقة نجد فارقاً كبيراً في تناول الشأن السوري أو التدخلاًت السورية السرّية والعلنية في لبنان والعراق.

إن هذا النظام الذي عاش حتى الآن بسبب المواقف المترددة للأوربيين وغير المتشددة للأمريكيين لن يتراجع عن مواقفه وتدخلاته في شؤون الجوار، لأنه كلما يستقبل ديبلوماسياً غربياً يعتبر ذلك دليلاً قوياً على صحة تلك المواقف والسياسات التي يمارسها ويعرضها على أنها دليل قوة وأن الغرب بحاجة له، وليس كما ينشره المعارضون السوريون والكثير من السياسيين العرب الذي يقولون بأن النظام السوري في عزلة شديدة وأنه لن يتخلّى لأسباب عديدة عن دوره التابع لايران وأن مشاكله الداخلية متفاقمة وأزماته خانقة وسياساته مضرّة بالشعب السوري ومصالح الشعوب المجاورة ولابديل عن ازالته والاتيان بنظام ديموقراطي تعددي حديث يرفض حكم العائلة أو الطائفة أو العسكر أو الحزب القائد….

ولذا فإن زيارة الوزير الألماني لسوريا قد قوبلت بنقد كبير وتهكّم واضح من قبل مراكز عديدة يطبخ فيها القرار السياسي في الغرب.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…