نارين عمر
المرأة حينما تكتبُ عن المرأة هذا لا يعني أنّها تكتبُ حصراً للنّساء كما أنّ الرّجل الذي يكتب بصيغة المذكر لايقصدُ جنس الرّجال فقط لأنّ الكتابة موهبة توهَبُ للكائن العاقل لتكون البلسم الذي يمرّ على مكنونات نفسه وفكره فيخفّف أو يزيل عنها بعض الشّوائب وقد أحببتُ أن أبدا بهذه المقدّمة لأؤكد لجميع إخوتي وأخواتي القرّاء على أنّني إذ أكتبُ عن المرأة وهمومها لا أقصدُ الكتابة لمجموع النساء فحسب لأنّ العديد من الاستفسارات والتساؤلات تصلني يستفسر فيها أصحابها عن كتابتي عن المرأة دون الرّجل وبعضها تتهمني ومن باب المزاح بالانحياز للمرأة ومحاولة إظهارها بالكائن الضّعيف المسكين الذي لا حول له ولا قوّة أمام غطرسة الكائن الآخر الذي هو الرّجل وجبروته .
صدّقوني على أنّني لا أوجّه كتابتي للمرأة فقط وأنتم تدركون ذلك من خلال قراءتكم لها بل أكتبُ لكلّ شرائح المجتمع من الرّجال والنّساء ولكنّ السّبب الأساس الذي يجعلني أتحدّثُ عن المرأة وهمومها بعفويةٍ وانسابية هو معرفتي العميقة بمكامن المرأة النفسية والعقلية والفكرية والوجدانية كوني امرأة وأرى أنّه بمقدوري أن أتعمّقَ إلى عمق أعماقها انطلاقاً من نفسي وأعبّر عنها بصدق وواقعية.
وثانياً لا أحاولُ أبداً أن أظهر المرأة بمظهر المسكين أو الضّحية بل أحاول قدر المستطاع أن ألقي بعض الضّوء على ما هو مخفيّ ومظلمٌ من شخصيتها ونفسها وقلبها ربّما نجهلها أو نتجاهلها تماماً كالرّجل فمهما حاولتُ أن أتسرّبَ إلى أعماقه /على الرّغم من التواصل الرّوحي بيني وبينه كونه الأبُ والأخ والزّوج/ إلا أنّني أشعرُ بالعجز عن كشف الكثير من جوانب حياته وتظلّ الكثير منها عويصة على الفهم والإدراك بينما إذا حاول الرّجل ذلك فإنّه يستطيع اكتشاف ذلك بسهولةٍ ويسر.وأدركُ جيّداً أنّ الرّجل يعاني كما تعاني المرأة بل ربّما أكثر وأعلمُ أنّ هناك نساء حوّلن ويحوّلن حياة أزواجهنّ إلى جحيم لا يُطاق.
عندما نُشِرتْ لي مقالة/الطلاق وآثاره النّفسية على المرأة/ تلقيتُ العديد من الآراء حولها ولكنّ أكثرها تأمّلاً كانت رسالة من أخ قارئ ذكر فيها أنّ المرأة ليست دائماً هي الضّحية للرّجل بل الرّجل أيضاً كثيرأ ما يكون ضحية لها وتحدّث عن علاقته بزوجته التي وصلت إلى أسوأ مراحلها وأكد فيها أنّه مازال يحفظُ لها الودّ والاحترام لكنّها امرأة مستهترة بحبّه وعواطفه تجاهها وقد حاول كثيراً أن يصوّب الخلل الذي يهدّد علاقتهما الزّوجية فلم يدع باباً إلا وطرقه ولم يدع قريباً وصديقاً من أهلها وأهله ومعارفها ومعارفه إلا ولجأ إليه يطلبُ العون والمساعدة منه أملاً في إزالة الشّرخ الذي يوسّعُ من عمق المسافة بينهما احتراماً للعشرة وحفاظاً على الأولاد من الضّياع والتشّتتِ لكنّها في كلّ مرّةٍ كانت تتذرّعُ بعشرات الحجج والمسوّغات التي لا أساس لها ويتحدّثُ عن نفسه كيف تحوّلتْ إلى ملاذٍ للأوجاع والهموم التي باتتْ كظله الذي يرافقه أينما توجّه خاصة وهو يرى أولاده أشبه بيتامى حيث تغيّرت نفسيتهم وتراجعت دراستهم بعد إحساسهم بفقدان الأمن والأمان معاً.
حالاتٌ كثيرة كحالة هذين الزّوجين نعيشها ونسمع بها فهل يحقّ لنا أن نحمّل الرّجل وحده عواقبها السّلبية القاتلة؟؟ هل يجوز أن نحمّل المرأة وحدها نتائجها؟؟ أظنّ أنّكم تتفقون معي على أنّها مسؤولية جماعية كلنا نتحمّلها كأفراد وجماعات ضمن شريحة المجتمع الذي نعيشه .
الرّجلُ كالمرأة مقيّد الحرّية في الكثير من أمور الحياة ولا يستطيعُ التصرّف بحياته كما يشاء لا كما نتصوّر بأنّ له مطلقُ الحرّية وأنّه الحاكم المطلق المسيّر لأمور الأسرة والمجتمع ككلّ وإن كان يتمتّعُ بحيّز أفضل ممّا تتمتعُ به الأنثى والحلّ برأيي أن نلتقي ونتواصل رجالاً ونساء ويضعَ كلٌّ منّا مآخذه على الآخر على طاولة الصّراحة والحقيقة لنتفقَ في النّهاية على صيغةٍ موحّدة تكون كفيلة بتواصلنا وتآلفنا على المودّة والاحترام وتقبّل الآخر.
بالرّجل تكتملُ شخصية المرأة وبها يحيا الرّجل وأظنّ أنّ معظم النّساء الكاتبات لايحاربن الرّجال في كتاباتهنّ بل يتأملن في أن يطلع هؤلاء على معاناة المرأة ليحاول التخفيف عنها لأنّ مواساة الرّجل لها تكون كالدّواء الذي يكمنُ فيه الشّفاء الأبدي الذي لا داء بعده.
وختاماً كلّ ما أستطيعُ قوله إنّ الرّجل مثلما هو بحاجة إلى كلمةٍ طيّبةٍ وابتسامةٍ مشرقةٍ من زوجته فإنّها أيضاً بحاجة ماسة إليهما فالرّجل بالنّسبة للمرأة ليس نصفها الآخر وشريكها في الحياة/ أباً كان أم أخاً أم زوجاً/ فحسب ,بل هو بالنّسبة لها الحياة كلّها ووجودها واستمراريتها في هذه الحياة مرهونان بلمسات حنانٍ وعطفٍ تهبّ عليها منطلقة من خفقات قلبه, وهمسات ودّ وصدق تتطايرُ من روحه لترفرفَ على روحها.
وإلى لقاءٍ آخر.