القامشلي .. وتهديد السلم الأهلي

عمر كوجري

من نافل القول إن أمور الحياة في عموم البلاد لا تبشر بقرب الوصول إلى حلول مرضية لجميع أطراف الأزمة في سوريا، بل أنها في تصعيد إلى حد أن محبي سوريا باتوا يضعون أيديهم على قلوبهم جراء ما يخبئ المستقبل وقادمات الأيام الأسوأ.

قبل يومين فجع أهل القامشلي والجزيرة عموماً بارتكاب جريمة تندى لها الجبين، وبشعة بكل المقاييس الإنسانية واللا إنسانية، وهي إزهاق أرواح إخوة ثلاثة ووالد على شفا الموت بعد جروح بليغة.
وإذا كانت أصابعُ تتوجه إلى جهة بعينها” مجموعة حماية قيم الشعب” وهي الجهة التي أصدرت البيان، وأعلنت مسؤوليتها عن تلك المجزرة، ويبدو أنها قريبة بحسب المطالعات الإعلامية من حزب العمال الكردستاني، ورغم أن المعطيات العيانية غير متوفرة للآن للحكم والجزم على هذا الموضوع، وضبط وتضمين الجريمة النكراء بالجهة المعلنة مسؤوليتها إلا أن هول الموضوع وبشاعته يؤشر إلى تصعيد غاية في الخطورة في الجزيرة بشكل عام.
وإذا كان ما أذيع أو نُشِرَ صحيحاً وهو طابع الجريمة ذات البعد أو الطابع السياسي بالتهديد من جهة سياسية بعينها لعائلة المكلوم ” بدرو”  والمطالبة باستحقاقات مالية أو عقارية، فلا يحل هكذا إشكال بهذه الطريقة البشعة.
 ويتبادر إلى الذهن استغرابُ الغيابَ المتقصد للنظام الأمني في المحافظة، وهذا مؤشر خطير، فالنظام مازال قوياً ومتماسكاً، ومسيطراً أيضاً فلماذا يرخي قبضته في هذا المكان أو ذاك؟ وليس من المجدي أن يذهب إلى السلطات الأمنية والشرطية والجنائية شاك أو صاحبُ مظلمة فيأتيه الجواب: ما إلنا علاقة، ألا تريدون الحرية؟ عيشوا بكامل حريتكم!!!
وهذا ما يفسر تكاثر حالات القتل والسرقات والسطو في أكثر من مكان في الجزيرة.

ولعل أكثرها صدمة وألماً استشهاد القائد الكردي البارز مشعل التمو قبل أشهر.
ألا يعلم النظام أن التراخي المقصود أو غير المقصود في حالات كهذه يمهد لحالات ثأرية وانتقامية، ويودي بالمنطقة إلى المنطق اللامنطقي والـ ما قبل ” الدولة”  ، ويدخل البلد في حالة تهديد للسلم الأهلي الذي ننشده جميعاً، وندافع عنه باعتباره الضمانة الأكيدة للوحدة الوطنية، ولكرامة المواطن أياً كان انتماؤه الديني والمذهبي والعرقي!
كيف يُعتدى على الجريح الراقد في المشفى، ويقتل المرافق – الابن- وبعد بساعات يقتل اثنين من أخويه؟؟ ولم يعلن النظام إلى هذه اللحظة اللحظة عن فراغ أمني في المنطقة، أو لم يسحب أصلاً أحداً من الجهات الأمنية والشرطية، بل المنطقة برمتها ” ممسوكة” بيد من حديد.
إن الحفاظ على أرواح الناس وممتلكاتهم هو مسؤولية النظام بالدرجة الأولى، وإلا ثمة تصور ونيّة مبيّتة في إدخال البلد في أتون ورحى طاحون حرب مدمرة بين جميع مكونات المجتمع السوري، إذ كيف تتخلى الدولة عن دورها الرعوي” من الرعاية” ، بل واجبها في الحفاظ على كرامات الناس وأرزاقهم وصون أرواح عائلاتهم؟
ويبقى: إذا كان حزب العمال الكردستاني بريئاً من هذه الجريمة البشعة أياً كانت دوافعها كما أسلفت، عليه المبادرة فوراً إلى استصدار بيان أو إذاعة  موقفه وحقيقة ما جرى، إن لم تكن له يد في الموضوع عبر وسائل إعلامه الكثيرة والمختلفة.
 الأمر لا يمكن السكوت عليه وتمريقه لأنه جدّ خطير، وحتى لو كانت تلك العائلة مخطئة فمن الخطأ الأكبر القيام بتصفيتها عن بكرة أبيها ضمن الظروف الاستثنائية التي تمر بها كل المدن والبلدات السورية، هذا السلوك يفتح باباً لجهنم، الجميع في غنى عن رصده وترصده والتلصص خلفه، لأن النار لن ترحم لا المذنب ولا البريء.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…