شباب تنسيقيات الكرد ما لهم وماعليهم

دلكش مرعي
 

  إن تغير الأنظمة المستبدة والطاغية لن تجلب النفع المطلوب التي يحلم بها الجيل الشاب ما لم يبدل هذا الجيل الذهنية والتراث والقيم التي نتجت عنها الاستبداد والطغيان لأن الاستبداد والطغيان والتأله والدكتاتورية هي ليست حالات فطرية تظهر مع الإنسان هكذا وبدون سبب بل هي ظواهر اجتماعية تنتجها بعض القيم والعقائد والسلوكيات السائدة في مفاهيم التراث وهياكله العامة إي إن الطغاة والقتلة لم يأتوا من كواكب أخرى بل أنتجهم وثقلهم وشحّذهم وألهّهم جملة القيم والمفاهيم والسلوكيات الكامنة في رحم تراث أبائهم وأجدادهم ..
 فلو أنعدم الفكر الديني وطقوسه على سبيل المثال في قناعات شعب مصر القديمة فكان من المستحيل أن يظهر الفراعنة في مصر … ولولا جعل المرأة ناموس للرجل في القيم الكردية فكان من المستحيل أن تكون هناك جرائم شرف ترتكب بحق المرأة الكردية ….

علما أن التحرر من آفات التراث ومفاهيمه هي ليست بالامر السهل فهي ليست كجرعة الدواء التي يجلب للمريض الشفاء … لأن الذي ينهل ويترضع من تراث الاستبداد ووقائعه وجيناته عبر وسائل التربية فإن تلك التربية لا تنتج في معظم الحالات إلا شخصيات سادية شريرة ومجرمة ومجردة من كافة القيم الإنسانية كمجموعة الشخصيات التي تقود النظام السوري الذين يرتكبون أبشع الجرائم اللا إنسانية بحق هذا الشعب في المدن السورية الثائرة … فالكل يعلم بأن القيم والأفكار التي يلقن عبر السنوات الخمس الأولى من الحياة يعلم بأن تلك القيم تتموضع على تلافيف الدماغ وتمارس على وجود الإنسان وسلوكه تأثيراً حاسماً من الصعب أن يستطيع الإنسان بعد ذلك أن يزيل تأثير مفعول جملة هذه المفاهيم والقيم على تصرفاته وتوجهاته العامة فيما بعد ….

فما الذي جعل الصراع الطائفي السني الشيعي على سبيل المثال التي تشكل بدياتها في سقيفة بن ساعدة حول أحقية الخلافة بين بني أمية وبني هاشم قبل ألف وأربعمائة سنة وما نتج بعد هذه الواقعة من حروب طائفية دموية مدمرة أزهقت عبرها أرواح مئات الآلاف من البشر ولم ينقطع هذا الصراع الدموي السياسي منذ تلك الفترة وإلى حينه وما زال يفعل فعله على الأرض وبقوة وفي هذا العصر … فما الذي جعل هذا الصراع يتوالد ويستدام عبر كل هذه الفترة ؟ أليس السبب تكمن في الصراع القبلي التي أنتجته هذه الواقعة ومن ثم تحولت إلى تراث أصيل ومبرمج يلقن صراعها وحقدها الأعمى عبر وسائل التربية من الجيل إلى الجيل الذي يليه ؟ ….لقد أوردنا هذا المثال لنؤكد للشباب بأن ماتعرض له الشعب الكردي تاريخيا من معانات ومآسي بالإضافة إلى حالة التشرزم والتبعثر وغيرها من الأمور المعروفة إن كل ذلك لم يأتي من العدم أو من الفراغ بل إن هذه الظاهرة هي ثمرة ونتاج تراث هذا الشعب وجملة المفاهيم والقيم والسلوكيات والعقائد الكامنة في داخل تراثه التي تورث من جيل إلى جيل … أي إن هناك العديد من الأسباب التي أوصل الشعب الكردي إلى هذا الواقع وعدم إزالة هذه الأسباب التي تتموضع على قناعات ومفاهيم هذا الشعب وقيمه لن يطرأ التغير المنشود الذي يطمح إليه الشباب ويهدفون إلى تحقيقه … فحالة التشرزم والتبعثر والشقاق التي انتقلت إلى مفاصل تنسيقيات شباب الكرد وبهذه السرعة وخلال عدة أشهر فقط تؤكد ما أوردناه آنفاً .

وهنا نؤكد بأن هناك فرق شاسع بين الذي يخرج إلى الشارع لإزالة الظلم والعدوان التي يتعرض له وطنه وأبناء شعبه بكافة فئاته وأثنياته وبين الذي يخرج إلى الشارع لتحقيق مصالحه الشخصية … فلو توّحد جميع الأحزاب الكردية وجميع تنسيقيات شباب الكرد فإذا كان هدف هذه الوحدة هو خدمة قيادات هذه الأحزاب وقيادات التنسيقات فأن هذه الوحدة لن تنتج إلا الاستبداد والطغيان وسيحتاج الشعب الكردي إلى العديد من الثورات بعد ذلك لتصحيح مسار الثورة وتحقيق الحرية والكرامة … فالشعب الجزائري الذي ضحى بمليون شهيد على مذبحة الحرية قد أستغل كل هذا الدماء بعد تحرير الجزائر من قبل الذين يسمون جنرالات السكر والأرز والبترول الذين كانوا في قيادة الثورة الجزائرية وهناك العديد من الأمثلة التاريخية التي تؤكد مانحن بصدده … فنحن هنا نبعث برجائنا إلى هؤلاء الشباب أن يحتكموا إلى العقل الذي يميز الإنسان وحده من بين الكائنات الحية … هذا العقل الذي وجد لخدمة إنسانية الإنسان وحقوقه وكرامته ويستفيدوا من تجارب الشعوب ويبتعدوا عن نزوة // الأنا // التي دفع الشعب الكردي بسببها أثماناً باهظة وأنهاراً من الدماء .

 
  Dilgeshmeree@hotmail.com

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…