ثقافة عنصرية بغيضة

صلاح بدرالدين

نقلت وسائل الاعلام أن الرئيس السوري بشار الأسد وخلال لقائه في دمشق بوفد درزي لبناني في التاسع من الشهر الجاري برئاسة النائب – طلال أرسلان – والى جانب استرساله المبالغ والمضلل في تقييم وضع نظامه واعتباره أن الأزمة على وشك الانتهاء وأنه انتصر على أعدائه من ” الارهابيين وعملاء الخارج ” انتقد مواقف رئيس “جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط دون أن يسميه وخاطب الوفد قائلا : ” نحن عرب وأنتم أبناء بني معروف من العائلات العربية الأصيلة، وأصحاب وفاء وشهامة ونخوة.

أنتم أصحاب صدق، والعلاقات والتحالفات تقوم على الصدق والوفاء والرجولة والالتزام ” .
وقد سبق ذلك اللقاء – التعبوي – قيام السيد وليد جنبلاط بزيارة أولى له الى اقليم كردستان العراق بناء على دعوة رسمية من السيد مسعود بارزاني رئيس الاقليم الذي استقبله على رأس وفد من – الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني – والذي أدلى بتصريحات أمام وسائل الاعلام المحلية والعربية يدعو فيها دروز سوريا، إلى عدم الانخراط في قمع المظاهرات ضد الرئيس السوري بشار الأسد.

مؤكدا أنه “إلى جانب منطقة جبل العرب (ذات الغالبية الدرزية) هناك منطقة تنزف دما في سوريا وهي منطقة درعا، ولا يجوز ان ينخرط الدروز في محور في سوريا ضد الغالبية مشيرا الى ان “النظام السوري يستخدم بعض المجندين من اهل جبل العرب في أعمال قتل وقمع ضد المتظاهرين في حمص وحماة ودرعا مدينا إجرام “الشبيحة” في سوريا ومبينا عدم حاجته الى دروس من إيران ” كما دعا الى ” تعزيز العلاقات اللبنانية الكردستانية على مختلف الصعد الاقتصادية والثقافية والانسانية مبديا  اعجابه بتجربة الاقليم الفدرالي في مجالات التعايش بين القوميات والأديان والمذاهب والبناء والاعمار وجاء في بعضها ” أنه يعتز بأصوله الكردية ” ويعزو المراقبون تركيز الرئيس السوري خلال محادثاته مع الوفد على عروبته والوفد الدرزي ومن دون أية مبررات أو أسباب معروفة بمثابة طعن لجنبلاط واثارة النعرة العنصرية ضد أصوله العرقية ومحاولة دق اسفين في الصف الدرزي باستمالة بعض العائلات الى صف النظام ولو عبر الوسائل غير المشروعة والضرب على الوتر العرقي العنصري البغيض تماما كما يفعل في سياسته الداخلية من سلوك النهج الطائفي والشوفيني تجاه غالبية السوريين وكما فعل سلفه من قبل خلال أربعة عقود .

 
   لست بصدد الدفاع عن مواقف السيد جنبلاط وقد وضعت عليه اللائمة في عدد من المراحل بسبب بعض مواقفه السابقة من عدد من القضايا ومن بينها القضية السورية كما لست من الباحثين عن أصول وفصول الآخرين أو عرقياتهم أو انتماءاتهم بقدر الاهتمام بمواقفهم السياسية تجاه القضايا العامة وخصوصا قضيتنا السورية وثورتنا ورغم اطلاعي بقدر ماتسمح لي ثقافتي التاريخية على حقيقة الأصول الكردية للعائلة الجنبلاطية المنحدرة من مناطق كردستان تركيا الراهنة والتي ثارت في وجه العثمانيين ضمن موجات الانتفاضات الكردية المطالبة بالحقوق القومية والتي نزحت على أثرها من موطنها الأصلي نحو حلب ثم جبال الشوف بلبنان وهذا ما أشار اليه الشهيد كمال جنبلاط في كتابه ” هذه وصيتي ” الا أنني أرى في الوقت ذاته أن مناطق الشرق الأوسط عموما ومابين النهرين – ميزوبوتاميا – وبلاد الشام خصوصا شهدت منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا تفاعلا وتداخلا وتمازجا بين الأعراق والملل والنحل الى درجة صعوبة بل استحالة تشخيص – الدماء النقية – لأية قومية وأثنية وهناك الآلاف من العائلات والجماعات والفئات الكردية اما (استعربت أو استتركت أو استفرست) بمر القرون والعقود بحسب نتائج الحروب والمواجهات وتأثير موازين القوى تقابلها جماعات من العرب والترك والفرس (استكردت) في مراحل معينة وهناك عشرات الأمثلة حول شخصيات من أصول كردية لعبت أدوارا في بوتقة وسياق حركات قوميات أخرى فعصمت اينونو الكردي كان من رواد القومية التركية الطورانية ومن أقرب المقربين الى كمال أتاتورك وكمال جنبلاط الكردي الأصل كان رمزا كبيرا في الحركة الوطنية اللبنانية والعربية والفلسطينية وهناك أمثلة عديدة لامجال الآن لطرحها في هذه العجالة .
   وأمام مزايدات رأس النظام السوري العروبية وتقسيماته العنصرية للآخرين نقول بأن هناك روايات لاتنقصها المصداقية بأن عائلته بالأساس ضمن بيوتات أخرى من أصول ايرانية (قد تكون فارسية أو كردية أو آذرية أو تركمانية أو أو أو) وصلت الجبال الساحلية السورية في موجة انتشار الدعوة للمذهب العلوي في بلاد الشام لذلك لايجوز له انتقاص قدر الآخرين أو التشكيك بأصولهم أو رسم علامات استفهام عنصرية على من يخالفه الرأي ويطالبه بالتنحي ووقف المجازر بحق السوريين ولكن يبدو أن الطبع يغلب التطبع فطوال عهود الأسدين الظلامية كانت وسيلة البقاء تستند الى نهج اثارة الفرقة والانقسام في صفوف المقابل ففي لبنان وخلال عقود كانت كلمة السر عبارة عن ضرب المسلمين بالمسيحيين وضرب المسيحيين بالفلسطينيين وضرب اليسار باليمين والسنة بالشيعة والعلويين بالسنة تتخللها بين الحين والآخر تصفية المناضلين ورجالات الدولة من مختلف المكونات لتسعير الصراعات أكثر ثم الشروع بالقيام بدور الحكم واستقطاب الجميع وهم ضعفاء متناحرون .

  في سوريا ارتبطت النعرة المذهبية الكريهة بآل الأسد فهم الذين أرادوا – علونة – الأمن والضباط الكبار والادارات ومفاتيح الاقتصاد وحتى قيادات  الحزب الحاكم في بعض المراحل وهم الذين أثاروا الأديان والقوميات والمذاهب السورية على بعضها وفي عهدهم أثيرت النزعات القومية العنصرية تجاه كرد سوريا وحرم الكرد حتى من حق المواطنة واغتيل رموزهم وضربت وقسمت واخترقت حركتهم السياسية وهجروا من مناطقهم وقراهم وتبدلت أسماؤهم وعربت وتغيرت تركيبة مناطقهم الديموغرافية وتم بناءأكثر من ثلاثين من المجمعات لعرب من خارج المنطقة على أراضيهم قي الجزيرة وحبكت مؤامرات وتم تنفيذ خطط لضرب الكرد بالعرب وخاصة في آذار عام 2004 ومنذ تسعة أشهر وهم بصدد تحويل الثورة السورية الوطنية السلمية الى ظاهرة مذهبية على شكل تصارع بين المكونات الوطنية تستهدف الطائفة العلوية الكريمة وصولا الى تحقيق أضاليلهم باعتبار ما يحصل بمثابة أعمال ارهابية وراءها جماعات أصولية مسلحة وأمام كل ذلك لايفاجئنا ماذهب اليه رأس النظام في محاولة النيل من خصومه اللبنانيين أيضا عبر اختلاق الأسباب الواهية والاختباء وراء شعاراته الممانعة الزائفة التي باتت مكشوفة للقاصي والداني في الداخل والخارج .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…