مدينة عامودة: الشعب يريد حق تقرير المصير.

عبدالقادر مصطفى
                    

عقود ثلاثة خلت على رفع شعار- مبدأ حق تقرير المصير للشعب الكوردي في سوريا- في المؤتمر الخامس لحزب الاتحاد الشعبي الكوردي, حيث كان المدخل الاول في طرح هذا الشعار بين الكورد السوريين والمعنيين في الشأن السياسي والحزبي, حيث كان وقعه غريبا في الاذهان وقلقا على البال لمخاطره الموضوعية والذاتية والامنية حينئذ, ودارت اشتباكات فكرية واستعراضات مختلفة بصدد هذه الفكرة, والتي استطاعت ان تهز العقل الكوردي ووضعه امام امتحان صعب في النقد والتمحيص ومدى جدارته في القبول والاستيعاب, وافرزت نتيجتها نقاشات حادة بين الداعين له وخلافه وذالك عبر عقد ندوات مكثفة في كافة المدن والقصبات في كوردستان سوريا.
عامودة, هذه المدينة الصامدة, تحمل ارثا نضاليا في تاريخها الحديث, الوطني والقومي, ولم تيأس في تحمل الكوارث والصبر المرير, حيث تحمل في ذاكرتها تجارب عديدة ومواقف في منتهى الروعة قد تعجز في ادائها اي مدينة اخرى في غرب كوردستان, انها باليقين مدينة التحديات الكبرى, حيث استطاعت في يوم من الايام ان تتعرف على الفرنسيين المستعمرين في معركة غير متكافئة, ولكنها انتصرت بارادتها وصبرها الفريدين, وكانت حاضنة ومعقلا امينا للمناضلين الكورد في فترات “خويبون” على التحرير والتوحيد, وظلت قويا ومنيعا في اسناد “البارتي” ومثقفه الاول نورالدين ظاظا, حينما رشح في الانتخابات النيابية عام 1962 مرشحا وحيدا للكورد في الجزيرة الكوردية وحركته الوطنية- البارتي-, ولكن السلطات المحلية الشوفينية منعته من الفوز المؤكد من الجماهير الكوردية وحاولت اعتقاله او خطفه, بل كانت ردة فعل آهالي عامودة لهم بالمرصاد, وحملوا موكب ظاظا على اكتافهم يجوبون به في شوارع مدينتهم الجميلة, وفي المشهد التاريخي الآخر, حينما مر موكب الشهيد البطل مشعل تمو, حيث كان الاستقبال عظيما, واهدوا له ميدالية المستقبل, ووعدوه بالوعد الصادق, بان هيكلك الجميل وتمثالك الرائع ستنصب في يوم ما على مدخل هذه المدينة ومن اجله اسقطوا الديكتاتور ارضا.
اجل, للمدائن ذاكرتها, بحلاوتها ومرارتها, وللمدائن ايضا نصيبا من نسيانها وثقبا في ذاكرتها, اما عامودة فليست كمثيلاتها, جدار ذاكرتها متينة وصلبة, انها حافظة التاريخ بكله ومجموعه.
بين الثمانينات من القرن المنصرم والعقد الاول من القرن الجديد ثلاثون عقدا من الزمن, هذه المدينة كانت صاغية ولم ينم لها جفن, بقيت يقظة ونشطة ومتأهبة, وارادت ان تقول كلمتها الحاسمة في وجه المخادعين الذين وقفوا في كل هذه السنين بالضد من هذا الحق المشروع, والبسوه تأويلات صبت في خدمة الاجهزة الامنية, مدعين بان هذا الشعار-حق تقرير المصير- يعمل من اجل الانفصال وشق الصف الكوردي وضرب وحدة البلاد, وايضا سيكون سببا في ايقاظ الشوفينيين وبالتالي ازعاج النظام, وها هو اليوم آهالي عامودة البطلة وكعادتها يحملون الموكب من جديد وشقوا بصوتهم عنان السماء: الشعب يريد حق تقرير المصير, مرحى لكم ايها الابطال ومرحى لمؤسسي هذا الحق.
mustafa52@live.se

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…