وحدة الكرد والثورة السورية

صلاح بدرالدين

     رشحت الثورة السورية منذ اندلاعها في منتصف آذار المنصرم من هذا العام شكلا جديدا لقاعدة الاصطفافات السياسية  التي مازالت متحركة في الساحة الوطنية  والتي لم تهدأ ولم تستقر النتائج المترتبة عليها حتى اللحظة بل هي محكومة أساسا بافرازات الوضع الداخلي وماستقدمه محصلة الصراع مع نظام الاستبداد منذ تسعة أشهر والمدة الزمنية التي يمكن للحاكم الاستمرار بعد استنزاف أوراقه الداخلية والاقليمية وتعرض بنيته العسكرية والأمنية والاقتصادية الى مايشبه الانفكاك وآفاق أشكال ووسائل الصراع القادمة بين الشعب الثائر من جهة ونظام القتل والاجرام من الجهة الثانية فهي أمام كل الاحتمالات والمآلات بما في ذلك تصاعد المواجهات العنفية وانتقال الجيش السوري الحر من موقع الدفاع والحماية الى مواقع الهجوم الاستراتيجي في مساحات أوسع قد تشمل كل المناطق بما فيها الآمنة المرتقبة بحسب الارادة الدولية وما يستتبع ذلك من تأثيرات على الموقفين الاقليمي والدولي .
     ماقبل اندلاع الثورة لم يكن الحراك السياسي الكردي في أحسن حالاته بل كانت الأحزاب التقليدية الكردية بمجملها مع استثناءات قليلة في حالة مخاض وأمام مفترق طرق: اما مراجعات بالعمق ونقد الماضي الى حدود الادانة وخاصة مراحل انسياقها مع مشاريع السلطة على الصعيدين القومي الكردي والوطني السوري واعادة بناء أو الاستمرار في حالتها المرضية الفاقدة للفعل والقرار والمبادرة وفي الطرف المقابل وتحديدا منذ الهبة الدفاعية أو مشروع الانتفاضة المغدورة عام 2004 كانت الساحة الكردية تشهد بداية نمو تيار سياسي مستقل أو لاحزبي على وجه الدقة مستعد لمقاومة كل أشكال الاضطهاد القومي من جانب السلطة رافضا مواقف الأحزاب وسلوكياتها وممارساتها وعلاقاتها السلطوية مشخصا عجزها عن أداء وانجاز الحد الأدنى من برامجها ومحددا فشلها في تمثيل الارادة الوطنية الكردية حتى في حدودها الدنيا.

   في تلك الأجواء – الكردية – اندلعت الثورة السورية ولم يكن هناك أي عائق في أن يتخذ الشباب الكرد المستقلين عن مجموعة الأحزاب والتنظيمات مواقعهم الطبيعية في الحراك الانتفاضي الاحتجاجي أولا في مختلف المناطق والمدن والبلدات والارتقاء الى بلوغ صفوف الثورة الوطنية عبر التنسيقيات والمجاميع والهيئات مقدمين التضحيات والشهداء (وعلى رأسهم زينتهم مشعل تمو) والمعتقلين والملاحقين بالمئات من القامشلي وعامودا وديريك والدرباسية ورأس العين والحسكة مرورا بعين العرب – كوباني – وعفرين وحلب وركن الدين – حي الأكراد بدمشق وريف دمشق وحماة واللاذقية مقابل ذلك أصيبت الأحزاب التقليدية بالذهول والصدمة كمثيلاتها على الساحة السورية والى جانب ابتعادها وتشكيكها بالثورة وأهدافها ناصبت شبابنا العداء وذرعت أمام مسيرتهم العراقيل وبعد أن أصبحت الثورة أمرا واقعا في كل بيت كردي وبعد ثمانية أشهر من الترقب قامت برد فعل لاستعادة ما خسرته من مصداقية ومواقع نفوذ بدعم واسناد من خارج الحدود وباشراف مباشر من رئيس العراق المشترك في أجندة واحدة مع ايران والموقف الرسمي العراقي وفي تماثل مصلحي ضمن اطار مشروع نظام الأسد في تحييد الكرد السوريين وكان مؤتمر تسعة أحزاب تقليدية في القامشلي بصورة علنية وعلى مرأى ومسمع الأجهزة على أن يتبعه (كما هو مقرر) اجتماع آخر للكرد السوريين بالخارج من الموالين للأحزاب في اقليم كردستان العراق باشراف الرئيس الطالباني المسؤول عن الملف السوري في الاقليم بنتيجة ذلك أصيب الصف الكردي السوري بانقسام كبير سيزداد عمقا واتساعا وستنعكس أثاره السلبية في أكثر من ساحة في قادم الأيام .


    ان هاجس الوطنيين الكرد السوريين الأول والأساسي في السابق وفي زمن الثورة السورية هو توحيد الصف الوطني الكردي في بوتقة الثورة السورية ومدها بوسائل القوة والصمود فهذا هو فهمنا لوحدة الصف الكردي والتفاعل السياسي الايجابي مع أطراف المعارضة الوطنية الديموقراطية بالداخل والخارج من منطلق أن مصلحة الشعب الكردي تماما مثل مصالح المكونات الأخرى تقتضي اسقاط نظام الاستبداد واعادة بناء الدولة السورية التعددية الحديثة وتحقيق التغيير الديموقراطي لازالة الاضطهاد القومي وكل آثار التفرقة والتمييز التي مورست منذ عقود وانتزاع الحقوق المشروعة حسب ارادتنا في اطار سوريا الواحدة الموحدة نحن الكرد لسنا محايدون بل جزء أساسي من الثورة وقضيتنا تحل مع شركائنا في الحاضر والمستقبل والمصير في وطننا السوري مع أهلنا وثوارنا في درعا وحمص ودمشق واللاذقية وحماه وحلب وادلب ودير الزور لقد عانينا الكثير من نظام الأسد الأب والابن من تجاهل واقصاء وقتل وحرمان من الحقوق الأساسية والأرض وحقوق المواطنة فهل من المنطق والمعقول أن نكف عن النضال من أجل اسقاط هذا النظام المستبد الشوفيني وهو في أواخر أيامه بناء على رغبة هذا وذاك كما سنبذل كل جهودنا من أجل دحر أي مشروع يهدف الى – تحييد – الكرد أو استمالتهم الى صف نظام الاستبداد أو تجييرهم لمصلحة الأجندة الايرانية والحكومة العراقية وندعو شركاءنا وثوارنا وأصدقاءنا السوريين الى اسناد شعبنا ودعم جهودنا في هذا المجال .
  لن يقف الشباب الكرد في التنسيقيات والمجاميع الثائرة وكذلك الجماهير الشعبية والتنظيمات الوطنية المنحازة الى صفوف الثورة وسائر المثقفين والوطنيين المستقلين مكتوفي الأيدي تجاه ما يحاك ضد ارادة شعبنا ومصالحه الاستراتيجية ولن يتوانوا في مواجهة المخطط بالفعل الثوري والاتحاد في اطار صيغة مقبولة ومدروسة وفي ظل برنامج سياسي سليم على طريق نصرة المشروع الوطني الكردي الذي لايتجزأ من مشروع الثورة السورية الشاملة من أجل اسقاط نظام الاستبداد الشوفيني وتحقيق التغيير الديموقراطي نحو سوريا تعددية تضمن حقوق وطموحات الجميع وفي المقدمة ارادة الكرد في نيل مايصبو اليه في سوريا الجديدة الموحدة .
    ان ما نواجهه الآن من تحديات مصيرية على صعيد حركتنا الوطنية الكردية وخاصة منذ الخطوة الانقسامية للأحزاب التسعة في مؤتمرها العلني بالقامشلي و” فضيحة ” انتقال مسؤوليها وعودتهم برضا ومساعدة السلطات الحاكمة الى اقليم كردستان العراق وكل سوريا يعيش ثورة عارمة والشعب يقدم كل يوم عشرات الشهداء في جميع المناطق بما فيها المناطق الكردية (لم يجف بعد دم الشهيد مشعل تمو ومازال مئات الشباب الكرد في السجون والمعتقلات من القامشلي الى ركن الدين مرورا بكوباني وحلب وعفرين) هي نفس التحديات التي واجهناها في منتصف ستينات القرن المنصرم رغم الاختلافات الشكلية في بعض الجوانب التفصيلية وانتصر المشروع القومي الديموقراطي حينها باسناد الجماهير الكردية والتفاف الشعب وألحق الهزيمة بمشروع اليمين الكردي المدعوم حينذاك من نفس هذه السلطة البعثية الحاكمة ومن السيد الطالباني بالذات ولن تكون النتائج الراهنة الا كما كانت لصالح شعبنا وقضيتنا وثورتنا .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…