أقول هذا لأني لاحظت من ردود الافعال على مقالي السابق عن الطالباني وتأمره على السوريين كوردا وعربا .
لاحظت أن بعض الذين قرأوا المقال وسجلوا أراءهم أو عبروا عنها لي شفهيا , استنكروا تدخلي في [الشأن الكوردي] , وبعضهم استنكر اتهامي للرئيس العراقي بالتأمر على ثورة الشعب السوري لصالح النظام , ولكن لا هؤلاء ولا هؤلاء يمثلون الاغلبية ….
الأغلبية رحبت بما قلته , مؤيدة ومؤكدة على صحة ما ذهبت إليه .
وأضيف إلى هذا أن القضية الكوردية هي أيضا قضيتنا معا , ومن حقنا جميعا أن نتدخل فيها دونما حساسيات قومية , فكما يتعين علينا كعرب متعاطفين ومتفهمين أن نتضامن مع الشعب الكوردي , يتعين على إخواننا الاحباء الكورد أن يتقبلوا ملاحظاتنا وأراءنا حتى ولو لم تتفق مع رؤاهم ومواقفهم أحيانا .
وليت المجال هنا يتسع لأفتح ملفات ذاكرتي وأدلق أمامكم الصفحات الكوردية الوردية منها .
فلقد فتحت عيني على الدنيا في بيت عربي بسيط , معظم زواره كورد , ثم أتيح لي عبر سنوات متتالية زيارة عشرات القرى الكوردية في منطقة عفرين والحسكة وقامشلي , وتوزيع ذكرياتي الحميمة عفويا على أحجارها وأشجارها , والتعرف من أهلها على حياتهم ومشاكلهم ومعاناتهم , ثم أتيح لي أن أقرأ الكثير عن تاريخ الكورد القديم والوسيط , الأمر الذي جعل الكثير من الشخصيات الكوردية الكبيرة تسكن جانبا مهما من قلبي وذهني , بدءا من صلاح الدين ومحمود زنكي , وانتهاء بمشعل تمو , مرورا بالبطل الكبير مصطفى البرزاني الذي لم تنل من ألق صورته المتوهجة في وعيي محاولات الاساءة المتعمدة لنضاله ووطنيته وأنسانيته واسلاميته .
وهذه العوامل مجتمعة صنعت خلفيتي الثقافية التي تنبع منها مواقفي , وتفهمي لمشروعية نضال الكورد جميعا , ولا سيما السوريين منهم , لنيل حقوقهم ورفع الظلم عنهم , والحصول على حق تقرير المصير في أجزاء كوردستان الاربعة , لأنني وأنا العربي المعتز بعروبتي بلا عنصرية ولا استعلاء , أعتبر أن مصداقية وأخلاقية عروبتي تتركز في تأييدي القاطع لحصول الكورد على حقوقهم القومية كاملة غير منقوصة , وإنني لأمل أن تتعانق القوميتان لصنع المستقبل , وتكونا جناحين نحلق بهما معا إلى عصر جديد تسوده الحرية والكرامة والاخوة الحقيقية القائمة على الرضا لا على الاكراه والقهر .
وأخر ما في ثبوتياتي المتضافرة علاقاتي الندية والحوارية والحميمة مع قائمة طويلة من الاصدقاء الكورد في سوريا والمهجر , سياسيين ومناضلين ومثقفين وفنانين وكتابا , وأشير باعتزاز إلى بعضهم حاليا ممن نشاركهم ويشاركوننا النضال اليومي والراي ونقاسمهم الحلم والامل , كالفنان الثوري الصديق شفكر هوفاك , والمثقف عبد القادر بدر الدين, وكذلك أزاد حيدري المتاضل الحقوقي وغيرهم كثيرون ممن نعتز بصداقتهم…إلخ .
سلبا أو إيجابا .
ويأتي اليوم الدور لتسليط الضوء على ضوء السيد مسعود البرزاني رئيس اقليم كوردستان العراق , وهو كما نعلم جميعا سليل أسرة عريقة ارتبطت ارتباطا وثيقا بالجهاد القومي التاريخي المعاصر للامة الكوردية من مهاباد إلى العراق , بل وسوريا وإيران .
ونظرا لهذه المكانة الكريمة نرى أن السيد برزاني يتعين عليه ان يقيس مواقفه بدقة أكبر , لتنسجم مع التاريخ ومواقف الأباء والأجداد , ومصالح الامة كلها , ونحن نرى أنه بهذه المكانة لا يحق له اللعب أو المقامرة , كما هو متاح ومتوفر لغيره من القادة , وخاصة جلال طالباني .
لكن تطور الرئيس البرزاني للاسف تعرض للانكسار والانتكاس لاسباب غير واضحة حتى الان , وربما تعرض لضغوط خارجية أو استسلم لنصائح غير نزيهة من بعض شركائه في قيادة العراق وكورد سوريا .
وهو ما يمكن استقراؤه من خلال اللقاء الذي انتظم في اربيل بمشاركة ممثلي تسعة احزاب كوردية سورية أقامت فيما بينها قبل شهر ما يدعى المجلس الوطني الكوردي .
وللأسف فقد أحاطت الشكوك بهذا المجلس منذ ولادته , وغشته الالتباسات والملابسات المريبة , نظرا إلى أن الاحزاب التسعة اتخذت موقفا سلبيا موحدا من الثورة منذ بدايتها واستمر حتى اليوم , ولم يصدر عن أي منها موقف مكتوب او بيان رسمي يتبنى المطلب الرئيسي للشعب السوري الثائر أي اسقاط النظام , أو يعلن رفضه للحوار مع النظام , سيما وأن معظم الاحزاب المذكورة استمر فعلا في الاتصال بالنظام ومحاورته , وذهب بعضها إلى حد التصريح بمعاداة النظام والادعاء أن بقاءه خير من اسقاطه ومجيء نخبة اسلامية متطرفة في معاداتها لجقوق الكورد
وقد استفز ت هذه المواقف المتخاذلة من غالبية الاحزاب التقليدية الشارع الكوردي وجعلته يتمرد عليها ويندفع للثورة مع بقية الشعب السوري ضد النظام وضد الهيمنة الأبوية والاقطاعية للاحزاب والزعامات المتحدرة من السلالات الاقطاعية الرجعية التي تنحصر اهتماماتها وهمومها في تأمين مصالحها المادية العائلية والشخصية من خلال النظام الفاسد بصرف النظر عن مواقف ومصالح الشعب الكوردي , فبرزت تيارات شبابية ومستقلة نماما عن الاحزاب , عبأت الشارع ليشارك في الثورة , وخاصة تيار المستقبل الذي قاده الشهيد البطل الكبير مشعل التمو , عريس الثورة السورية ومشعلها المضيء , وعلى الاخص بعد اغتيال مشعل بقرار مباشر من بشار الاسد .
ولا بد ان الرئيس برزاني يعلم كما نعلم الان أن السلطة السورية التي فقدت الشرعية نهائيا لم يصدر عنها أي رد فعل ساخط او سالب من تشكيل المجلس مما يعني أنها راضية عنه .
كيف حسبها الرئيس مسعود ؟؟ هل هي عملية حساب خاطئة ..أم هي عملية انحياز ضد الثورة والثوار خوفا من امتدادها لكوردستان العراق كما يقول البعض ؟؟ أم هي رضوخ لضغوط طهران ورجالها في بغداد وفقا لحسابات المحاصصة والشراكة معهم في العراق , حتى ولو كانت على حساب الشعب السوري وثورته ومصالحه عربا وكوردا ؟؟؟
بل نريد أن نحسن الظن بالرئيس مسعود إلى نهاية المطاف على أمل أن يصحح الموقف بما يحفظ تاريخه وارثه العائلي والحزبي والقومي .
والعاقل من يقف في صف المنتصرين , والغبي من يقف في صف المهزومين !!
4 – 12 – 2011