موقف البرزاني المتراجع: حسابات خاطئة أم خوف من امتداد رياح الثورة ؟؟ استكمالا لتقويم مواقف قادة الكورد العراقيين

محمد خليفة 

أواصل اليوم الحديث عن  المواقف السلبية والضارة للزعماء الكورد العراقيين في الشؤون السورية الحالية , هذه المواقف التي تنعكس بردا وسلاما على بشار الاسد ونظامه القرمطي الإجرامي , وتضر ضررا بالغا بثورتنا السورية التي أعطيناها أغلى ما نملك أرواحا ودماء وأموالا , ولكني قبل أن ألج الموضوع أريد أن أوضح أمرا شخصيا مهما , وهو أني أعتبر نفسي عربيا صديقا للكورد , أو بالأحرى  كورديا بالقلب والمشاعر .

أقول هذا لأني لاحظت من ردود الافعال على مقالي السابق عن الطالباني وتأمره على السوريين كوردا وعربا .

لاحظت أن بعض الذين قرأوا المقال وسجلوا أراءهم  أو عبروا عنها لي شفهيا , استنكروا تدخلي في [الشأن الكوردي] , وبعضهم استنكر اتهامي للرئيس العراقي بالتأمر على ثورة الشعب السوري لصالح النظام  , ولكن لا هؤلاء ولا هؤلاء يمثلون الاغلبية ….

الأغلبية رحبت بما قلته , مؤيدة ومؤكدة على صحة ما ذهبت إليه .
  المهم أقول للمنتقدين والمستنكرين أن القضية السورية الان هي قسمة مشاع بيننا , عربا وكوردا , وأن وحدتنا الوطنية هي قارب النجاة الوحيد لنا جميعا  للعبور إلى ضفة  المستقبل , ضفة السلام والحرية والنصر .

وأضيف  إلى هذا  أن القضية الكوردية هي أيضا قضيتنا معا , ومن حقنا جميعا  أن نتدخل فيها دونما حساسيات قومية , فكما يتعين علينا كعرب متعاطفين ومتفهمين  أن نتضامن  مع الشعب الكوردي  , يتعين على إخواننا الاحباء الكورد أن يتقبلوا ملاحظاتنا وأراءنا حتى ولو لم تتفق مع رؤاهم ومواقفهم  أحيانا .

وانا قبل هذا وذاك لست سوريا وعربيا متفهما للحقوق الكوردية فقط , بل أنا نصف كوردي , نصف عربي , وأعتز بهذا النصف كما اعتز بالأخر , وقد اكتشفت أيضا أن أولادي الثلاثة هم أكراد نظرا إلى أن أمهم من أصل كوردي قديم ممتزج بدماء عربية اصيلة .

وليت المجال هنا يتسع لأفتح ملفات ذاكرتي وأدلق أمامكم الصفحات الكوردية الوردية منها  .

ذكريات طفولتي الاولى التي ما زالت حية ومتوهجة وتضيء تصوراتي وتهدي مواقفي السياسية والفكرية في دروب الحياة  وظلاماتها .

فلقد فتحت عيني على الدنيا في بيت عربي بسيط , معظم زواره كورد , ثم أتيح لي عبر سنوات متتالية زيارة عشرات القرى الكوردية في منطقة عفرين والحسكة وقامشلي , وتوزيع ذكرياتي الحميمة  عفويا على أحجارها وأشجارها , والتعرف من أهلها على حياتهم ومشاكلهم ومعاناتهم  , ثم أتيح لي أن أقرأ الكثير عن تاريخ الكورد القديم والوسيط ,  الأمر الذي جعل  الكثير من الشخصيات الكوردية الكبيرة  تسكن جانبا مهما من  قلبي وذهني  , بدءا من صلاح الدين  ومحمود زنكي , وانتهاء بمشعل تمو  , مرورا بالبطل الكبير مصطفى البرزاني الذي لم تنل من ألق صورته المتوهجة في وعيي محاولات الاساءة المتعمدة لنضاله ووطنيته وأنسانيته واسلاميته .

وهذه العوامل مجتمعة صنعت خلفيتي الثقافية التي تنبع منها مواقفي  , وتفهمي لمشروعية نضال الكورد جميعا , ولا سيما السوريين منهم , لنيل حقوقهم ورفع الظلم عنهم , والحصول على حق تقرير المصير  في أجزاء كوردستان الاربعة , لأنني وأنا العربي المعتز بعروبتي بلا عنصرية ولا استعلاء , أعتبر أن مصداقية وأخلاقية عروبتي تتركز في تأييدي القاطع لحصول الكورد على حقوقهم القومية كاملة غير منقوصة , وإنني لأمل أن تتعانق القوميتان لصنع المستقبل , وتكونا جناحين نحلق بهما معا إلى عصر جديد تسوده الحرية والكرامة والاخوة الحقيقية القائمة على الرضا لا على الاكراه  والقهر .

وأخر ما في ثبوتياتي المتضافرة علاقاتي الندية والحوارية والحميمة مع قائمة طويلة من الاصدقاء الكورد في سوريا والمهجر  , سياسيين ومناضلين ومثقفين وفنانين وكتابا ,  وأشير باعتزاز إلى بعضهم حاليا ممن نشاركهم ويشاركوننا النضال اليومي والراي  ونقاسمهم الحلم والامل , كالفنان الثوري الصديق شفكر هوفاك , والمثقف عبد القادر بدر الدين, وكذلك أزاد حيدري المتاضل الحقوقي وغيرهم كثيرون  ممن نعتز بصداقتهم…إلخ .

لعل هذه العناصر الثبوتية في شخصيتي  تكفيني دليلا لأقول إنني أتحدث وأخوض في أي مسالة كوردية بدوافع  الحرص والمحبة أولا وأخيرا .

من هذا المدخل ألج اليوم حديثي عن الأخطاء الاستراتيجية لجميع زعماء الكورد العراقيين في صياغة مواقفهم من الثورة السورية , ودور الكورد فيها .

سلبا أو إيجابا .

ويأتي اليوم الدور لتسليط الضوء على ضوء السيد مسعود البرزاني رئيس اقليم كوردستان العراق , وهو كما نعلم جميعا سليل أسرة عريقة ارتبطت ارتباطا وثيقا بالجهاد القومي التاريخي المعاصر للامة الكوردية من مهاباد إلى العراق , بل وسوريا وإيران .

ونظرا لهذه المكانة الكريمة نرى أن السيد برزاني يتعين عليه ان يقيس مواقفه بدقة أكبر , لتنسجم مع التاريخ ومواقف الأباء والأجداد , ومصالح الامة كلها , ونحن نرى أنه بهذه المكانة لا يحق له اللعب أو المقامرة , كما هو متاح ومتوفر لغيره من القادة , وخاصة جلال طالباني .

في بداية الثورة صدر عن السيد برزاني تصريحات إيجابية عن الثورة ودور الكورد فيها , وهو طالبهم بوضوح  أن يلتحموا بشعبهم السوري وأن  يكونوا جزءا من الحراك والثورة , ورفض ان يطلق اي كلمة لصالح النظام السوري القاتل , بل ورفض تلبية دعوة من بشار لزيارة دمشق لأنه أدرك أنها محاولة لتصويره مؤيدا له ضد شعبه , وهذه كلها خطوات صحيحة في الاتجاه الصحيح , ومحسوبة بدقة , وليت برزاني استمر يطور موقفه في نفس الاتجاه , وعلى نفس القاعدة , قاعدة  الوحدة بين الكورد والعرب في المصلحة من استمرار الثورة , والنضال من اجل اسقاط النظام المعادي بجوهره وسياسته وسلوكه للكورد أكثر مما هو معاد لنا نحن العرب .

لكن تطور الرئيس البرزاني للاسف تعرض للانكسار والانتكاس لاسباب غير واضحة حتى الان ,  وربما تعرض لضغوط خارجية أو استسلم لنصائح غير نزيهة من بعض شركائه في قيادة العراق وكورد سوريا .

وهو ما يمكن استقراؤه من خلال اللقاء الذي  انتظم في اربيل بمشاركة ممثلي تسعة احزاب كوردية سورية أقامت فيما بينها قبل شهر ما يدعى المجلس الوطني الكوردي .

وللأسف فقد أحاطت الشكوك بهذا المجلس منذ ولادته , وغشته الالتباسات والملابسات المريبة , نظرا إلى أن الاحزاب التسعة اتخذت موقفا سلبيا موحدا من الثورة منذ بدايتها واستمر حتى اليوم , ولم يصدر عن أي منها موقف مكتوب او بيان رسمي يتبنى المطلب الرئيسي للشعب السوري الثائر أي اسقاط النظام , أو يعلن رفضه للحوار مع النظام , سيما وأن معظم الاحزاب المذكورة استمر فعلا في الاتصال بالنظام ومحاورته , وذهب بعضها إلى حد التصريح بمعاداة النظام والادعاء أن بقاءه خير من اسقاطه ومجيء نخبة اسلامية متطرفة في معاداتها  لجقوق الكورد 

.

وقد استفز ت هذه المواقف المتخاذلة من غالبية الاحزاب التقليدية الشارع الكوردي وجعلته يتمرد عليها ويندفع للثورة مع بقية الشعب السوري ضد النظام وضد الهيمنة  الأبوية والاقطاعية للاحزاب والزعامات المتحدرة من السلالات الاقطاعية  الرجعية التي تنحصر اهتماماتها وهمومها في تأمين مصالحها المادية العائلية والشخصية من خلال النظام الفاسد بصرف النظر عن مواقف ومصالح الشعب الكوردي , فبرزت تيارات شبابية ومستقلة نماما عن الاحزاب , عبأت الشارع ليشارك في الثورة , وخاصة تيار المستقبل الذي قاده الشهيد البطل الكبير مشعل التمو , عريس الثورة السورية ومشعلها المضيء  , وعلى الاخص بعد اغتيال مشعل بقرار مباشر من بشار الاسد .

لا شك ان الرئيس برزاني يعلم هذه الملابسات ويعلم أن تشكيل المجلس الوطني لم يكن بعيدا عن السلطة المجرمة في سوريا , وأنه جاء ليثبت ويكرس زعامة الاحزاب التي تجاوزتها الثورة والثوار الكورد الذين استطاعوا بنضالهم فتح الطريق لنشوء مرجعية قيادية جديدة , تتسم بالثورية والاستقلال عن السلطة والاحزاب القديمة المتواطئة معها  كما يعرف الجميع .

ولا بد ان الرئيس برزاني يعلم كما نعلم الان أن السلطة السورية التي فقدت الشرعية نهائيا لم يصدر عنها أي رد فعل ساخط او سالب من تشكيل المجلس  مما يعني أنها راضية عنه .

ولأننا نعلم أن الرئيس برزاني مطلع بطبيعة الحال على هذه العناصر المعلوماتية مثلنا واكثر , فإننا نبدي استغرابنا من استقباله لممثلي ورؤساء الاحزاب التسعة , دون سواها , مما يضفي عليها شرعية قومية , لا تستحقها , ولو أنه التقى ببقية الاحزاب وزعمائها في الساحة السورية لكان الامر أخف وطأة مما هو الان وقد اقتصر استقباله واجتماعه على احزاب المجلس .

وإننا  لنشعر بالدهشة المضاعفة حقا ونحن نرى برزاني يستقبل الاحزاب المذكورة وهي في معظمها بلا جذور تاريخية وبلا ثقل اجتماعي يذكر بينما يعرض الرئيس مسعود عن الاجتماع بممثلي أحزاب أخرى كالحزب القومي البارتي , أعرق الأحزاب الكوردية في سوريا , بخاصة وأنه يتبنى الخط السياسي والفكري نفسه لحزب برزاني , الخط القومي المعتدل .

 

ألا يعكس هذا الانحياز خطا أو تطورا سلبيا , لا يستقيم وتاريخ برزاني وأجداده وخط حزبه , كما لا يستقيم واتجاهات الشارع الكوردي في سوريا , ولا حقائق الامور على الارض , نظرا لكون النضال ضد نظام البعث في سوريا هو صنو النضال الذي خاضه الكورد في العراق ضد نظام البعث في العراق , وكون بشار الاسد هو صورة محلية من صدام حسين , فكيف تكون المواقف متناقضة بين سوريا والعراق ؟؟؟!!

كيف حسبها الرئيس مسعود ؟؟  هل هي عملية حساب خاطئة ..أم هي عملية انحياز ضد الثورة والثوار خوفا من امتدادها لكوردستان العراق كما يقول البعض ؟؟ أم هي رضوخ لضغوط طهران ورجالها في بغداد وفقا لحسابات المحاصصة والشراكة معهم في العراق , حتى ولو كانت على حساب الشعب السوري وثورته ومصالحه عربا وكوردا ؟؟؟

إننا لا نريد ان نستعجل حسم التفسيرات والاسباب ..

بل نريد أن نحسن الظن بالرئيس مسعود إلى نهاية المطاف على أمل أن يصحح الموقف بما يحفظ تاريخه وارثه العائلي والحزبي والقومي .

وفي كل الاحوال فالثورة السورية ستنتصر , وسيسقط البعث والاسد ونظامه شاء من شاء , وأبى من أبى ..

والعاقل من يقف في صف المنتصرين , والغبي من يقف في صف المهزومين !!

4 – 12 – 2011

  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…