خرج الإعلام السوري من وصاية الحزب الحاكم؟!

عمر كوجري

واصل الإعلام السوري بكل تفرعاته المرئية والمسموعة والمكتوبة والإعلام الالكتروني وحتى  الجيش الالكتروني المشكل من رحم الأزمة السورية، وحتى إعلام أحزاب الجبهة التقدمية والأحزاب النزّاعة باتجاه الاعتراف والترخيص  دأبه ونشاطه منذ بداية الأزمة الوطنية المستعصية في سوريا  على الوقوف إلى جانب النظام السوري، وحاول هذا الإعلام أن يقول إن سوريا ليست تونس وليست مصر وليست كذا وكذا، ومنذ انطلاقة شرارة الاحتجاجات الشعبية في أواسط آذار وإلى الآن لم يحد هذا الإعلام عن قول مقولة واحدة ووحيدة وهي ان ما يثار في سوريا ليس رغبة من السوريين للتغيير والحياة الافضل بقدر ما هو مؤامرة مطبوخة على أعلى المستويات، و أن سوريا تتلقى كل هذا الضغط العالمي والعربي والإقليمي كنتيجة طبيعية لمواقفها في “الممانعة والمقاومة” وموقفها من إسرائيل وفلسطين و حفاظها على الحقوق العربية وانبرائها للدفاع عنها.
بطبيعة الحال بقي هذا الإعلام وحيداً، ولم يسمح لأي إعلام خارجي بالتدخل بدعوى أنه يسير وفق أجندات  لا تريد الخير لسوريا ، وظل يتفرد في الساحة يغطي الحدث السوري الملتهب من وجهة نظر النظام فحسب، بل ساهم بشكل من الأشكال إلى التجييش الإعلامي والتحريض على المناوئين لنظام الحكم في سوريا، وتخلى عن حياديته مفضلاً الاصطفاف كما أردفنا مع النظام وتسويق الخطاب ذاته – أعني خطاب المؤامرة” الكونية” المدبرة للوطن منذ زمن طويل.
وظلت كل هذه المقالات تؤيد الحل الأمني للمشكل السوري المستعصي عن الحل حالياً والمفتوح على شتى الاحتمالات ، وتبيح قتل السوريين، وتكيل التهم بالمعارضة والشارع معاً.

 
 شاهدنا، وقرأنا مئات المقالات التي تمثل وجهة نظر رسمية، وهذا الأمر استجد حتى في الإعلام الخاص في سوريا بل أن  بعض هذا الإعلام الخاص تفوق على الإعلام الحكومي من ناحية تغطية الأحداث الجارية، وجرمت قطاعاً سورياً كبيراً وواسعاً خرج لنشدان سورية المستقبل أجمل.
أسوق هذا الكلام، وأنا قرأت أمس مقالة فاجأتني حقاً،  منشورة في صحيفة “بلدنا” السورية اليومية الخاصة،  والمملوكة لـ مجد سليمان ابن ضابط الأمن الكبير بهجت سليمان والسفير الحالي لسوريا في الأردن.
المقال المعنون” لنتفرغ الآن إلى وطن اسمه سورية” للكاتب المسرحي السوري بسام جنيد، حملت لمن قرأها مفاجأة حقيقية إذ للوهلة الأولى يشعر المتلقي أن ثمة خطأ في العنوان، فصحيفة بلدنا لم تكن طيلة هذه الاشهر الساخنة، وقبلها تنشر مقالات بهذه الجرأة.
يقول جنيد في مقدمة مقالته أو زاويته: اليوم سقط آخر شعار من شعارات حزب البعث، فبعد أن سقط شعار ( الحرية)   منذ أكثر من أربعين عاماً ، ومن بعده سقط شعار ( الاشتراكية) منذ أحد عشر عاماً..

اليوم وبحسب جميع الموالين والأعضاء العاملين والقياديين في الحزب..

سقط شعار الوحدة وخرج الأنصار ليعلنوا انها ليست أمة واحدة ورسالتها ليست خالدة، بربكم ما ذا بقي من هذا الحزب سوى مجموعة لصوص اتخموا من النهب والسرقة تحت غطاء الوطنية.
ويطلب جنيد وبشجاعة فائقة اأن ” توضع خلف مكاتب رجال الأمن والوزراء والمسؤولين خريطة الوطن … سورية.
طبعاً عدد أمس الأربعاء سحب من الأسواق، وتعقيباً على سحب العدد من جريدة «بلدنا» من الأسواق، قال رئيس المجلس الوطني للإعلام، طالب قاضي أمين، إنَّ سبب المنع هو إساءة المقال إلى كلِّ بعثي.

وأنه يحقُّ له بصفته مواطناً بعثياً جرى اتّهامه ورفاقه البعثيين بأنهم مجموعة لصوص نهبوا البلاد، أن يرفع دعوى قضائية على كاتب المقال، بسام جنيد”
 
وذكر أمين أن” ما ورد في المقال ليس رأياً ليُحترم؛ وإنما دعوة صريحة إلى الفتنة، ومنشور للتحريض وتخريب البلاد، وهذا مخالف لقانون الإعلام في باب المحظورات.
 والسؤال: هل ستبقى مقالة أو زاوية جنيد يتيمة دهرها في الإعلام السوري؟؟   
وألن يتعرض الكاتب للمضايقة والدعوى القضائية كما لمح أمين؟
وماذا حل بالكاتب حتى ” فش خلقه” بهذا الشكل العنيف للكتابة؟
وهل سيكون المجلس الوطني للإعلام مع حرية الرأي والقول أم مع تضييق الرأي وقولبته وتجييره لرؤية المشهد من جانب واحد ومن عين واحدة؟؟!!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…