الثورة السورية ، والاغتيال السياسي

  افتتاحية جريدة آزادي *
بقلم: رئيس التحرير

مضى على الثورة السورية أكثر من سبعة أشهر ، وهي تحمل في عناوينها ومضامينها أهدافا سياسية نبيلة تزخر بمعاني الحرية والديمقراطية وبناء دولة العدل والمساواة ، دولة دستور يقر بالتعددية القومية والسياسية والدينية ، وقوانين عصرية تكفل الحريات العامة للمواطنين كافة ، على مختلف أشكالهم وانتماءاتهم ، لتفسح المجال واسعا أمام الجميع للمساهمة في الإنتاج وازدياد الدخل الوطني وتوفير عوامل البناء والتطوير، ولتضمن شراكة حقيقية في سلطة البلاد وتوزيع عادل لثروتها ، كما اتسمت هذه الثورة بسلميتها وفاعليتها في عموم المدن والبلدات والأرياف السورية وقاعدتها الجماهيرية الواسعة التي التفت حول قياداتها الشبابية المفعمة بالحيوية والنشاط والمشبعة بثقافة العصر ،
 لتغدو ثورة سورية سلمية بامتياز ، لها مقومات تقدمها ومستلزمات نجاحها المستمدة من إرادة الجماهير وعزيمة الشباب وإلهامها من وحي الثورات والمتغيرات الكونية ، لتدعو- بكل ثقة بالنفس- إلى إنهاء الاستبداد وحكم الحزب الواحد وإسقاط النظام الأمني الجاثم على صدور السوريين لعقود خلت من القمع والقهر والتنكيل …..ومع تصاعد وتيرة هذه الثورة وازدياد شدة الخناق على الاستبداد ، ازدادت السلطات بطشا بالشباب والجماهير قتلا وتجريحا واعتقالا وتشريدا وتجويعا ، مستخدمة في ذلك حتى أسلحتها الثقيلة وقواها من الأمن والجيش ومرتزقتها (الشبيحة ) في مواجهة الصدور العارية ، بغية النيل من الثورة أو ثني عزيمة الشباب ، لكن دون جدوى ، فممارسات السلطات تلك ، كانت سببا لازدياد قوة الشباب وعنفوانهم ، وساهمت في استقطاب أكبر للجماهير حولهم ، وغدت عاملا هاما لتحريك المعارضة والجاليات السورية في الخارج وسببا أساسيا لكسب المجتمع الدولي ممثلا بهيئة الأمم المتحدة ومواقف القوى الديمقراطية والمنظمات غير الدولية ، الحقوقية منها والمدنية إلى جانب الثورة وأهدافها الوطنية والإنسانية قبل أية اعتبارات أخرى …..هذا وبالتزامن مع تقدم الثورة ، تحركت المعارضة السياسية في الداخل والخارج ، ودعت إلى اللقاءات والمحافل والمؤتمرات السياسية وازدياد القنوات الفضائية تغطية إعلامية لها ، ورغم التباين في المواقف والدعوات إلا أن معظمها كانت تلتقي عند قضايا وتقاطعات سياسية مشتركة وعند أهداف متقاربة ، أبرزها ( إنهاء الاستبداد ، وتحقيق نظام سياسي ديمقراطي تعددي) ، كما قاطعت أغلب أحزاب وكتل المعارضة الوطنية اللقاءات والحوارات الشكلية التي دعت إليها السلطات السورية ، ولعل أبرز المحافل التي طغت على المشهد السياسي في الآونة الأخيرة هو الإعلان عن تشكيل مجلس وطني في استانبول بتاريخ 15 / 9 / 2011 والذي ضم حوالي 140 عضوا ، ذكر بعضهم في لائحة اسمية يقدر بنصف عدد المنضمين إليه ، وأبقي الباب مفتوحا للمزيد ممن يرغب الانضمام ، وقد أعلن هذا المجلس منذ البدء عن استعداده لدعم ومساندة الثورة في حراكها حتى تحقيق أهدافها السياسية والوطنية ، الأمر الذي أثار حفيظة النظام ومخاوفه من أن ينال (هذا المجلس) موقع الاهتمام والاعتراف العربي والدولي ليكون على غرار المجلس الانتقالي الليبي في توجيه وقيادة الثورة ودعمها بكل عوامل القوة والاقتدار ، مما دفع ببعض المسئولين من النظام السوري إلى التهديد والوعيد بالمعاداة لكل دولة تعترف بهذا المجلس ، فما بالك بالأفراد ….ولئن كان النظام بأجهزته يجهر بالقتل والاغتيال على من يتجاوز الخطوط الحمر التي رسمها لنفسه ، فقد غدا المجلس المذكور من أهم تلك الخطوط وأكثرها إيلاما ، لاسيما وهو المطروح كبديل علني يرى فيه النظام العدو اللدود الذي ينبغي محاربته بكل الوسائل والأدوات ، بدءا بالمواجهة المباشرة ، وصولا إلى التخطيط والتنفيذ للقتل والاغتيال أفرادا أو مجموعات ..

وبدت المواقف السياسية الدولية منها والإقليمية والعربية على إثر إعلان هذا المجلس ، مشيرة بوضوح إلى دوره وأهميته وما ينبغي له من نتائج تزيد من عزل النظام على مختلف الأصعدة والمجالات ، ومعها ظهرت بوادر اختلال في توازن النظام ورشده ،  مما حدا به إلى اللعب مرة أخرى عبر مختلف الأحابيل ، وممارسة فنون المراوغة والتضليل ، ومن ثم اللجوء إلى استخدام الأساليب الوضيعة في مواجهة الناشطين والسياسيين و إتباع سبيل الجريمة المنظمة وفي المقدمة منها الاغتيال السياسي ” الشهيد مشعل تمو نموذجا ” والذي  يعبر عن ضعف النظام بكل المعايير ، ويفند بجلاء كل ادعاءاته في التشاور والحوار ، ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك من أن النظام يجهل أصلا لغة الحوار وثقافته ، ولا يعرف سوى منطق القوة والقمع والتنكيل ، مستخدما فيه كل إمكانياته ووسائله وأدواته.


إن لجوء النظام إلى الجريمة المنظمة وإتباعه أسلوب الاغتيال السياسي لن ينال من عزيمة المناضلين والشباب بل يزيدهم قوة وإصرارا على المضي في مسيرة الثورة ، وهو (أي أسلوب الاغتيال السياسي) ينم عن ضعف النظام وليس العكس ، وينقل الوضع في البلاد إلى مرحلة حرجة هي الأكثر خطورة على المجتمع السوري ، لاسيما ما سينجم عنه من مآسي وويلات وما يلوح بنتائج قد تكون وخيمة على الجميع ، الأمر الذي يهدد أمن البلاد والسلم الأهلي ، ويقتضي الحيطة والحذر من المكائد والأحابيل ، ويتطلب  تضافر جهود الحراك الشبابي والجماهيري وقوى المعارضة الوطنية بكل مكوناتها إلى الحوار والتفاعل عبر المحافل واللقاءات المشتركة ، وبذل المزيد من المساعي من أجل لم الشمل ووحدة الصف والموقف السياسي ، والعمل دون كلل حتى تحقيق الأهداف الوطنية والديمقراطية المتمثلة في البديل الديمقراطي وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة التي ينتفي بداخلها الاستبداد وتضع النهاية لمنظومة الدولة الأمنية الجائرة …..إن المطلوب من المعارضة الوطنية هو محاصرة قضايا الخلاف ، وتقريب وجهات النظر في القضايا الأساسية ، وتعزيز الثقة المتبادلة ، عبر مد جسور من التفاهم على الخطوط البرنامجية العريضة ، وتفهم الحلول الموضوعية لمختلف القضايا الوطنية العالقة ، والعمل بشكل جدي من أجل الاعتراف الدستوري الصريح بالشعب الكردي كمكون رئيسي في البلاد له كل الحق في تقرير مصيره بنفسه على قاعدة الاتحاد الاختياري مع المكونات السورية الأخرى من العرب والآشوريين وغيرهما على طريق ترسيخ أسس العدالة والديمقراطية والمساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات ، ودون تمييز أو امتياز لأي مكون على آخر مهما كانت المصوغات والمبررات ، ليعيش الجميع معا على المودة والوئام ..


4/11/2011

* جـريدة صـادرة عـن مـكـتب الثقـافـة والإعـلام المـركـزي لحــزب آزادي الكــردي في ســوريا / العدد المزدوج (437-438)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…