أمير طاهري
ماذا يفعل طغاة الشرق الأوسط عندما تنفد الحجج التي يمكنهم أن يبرروا بها حكمهم؟
على مدار عقود، كانت إجابة ذلك السؤال بسيطة للغاية: عندما تعوز الطاغية الحيل، يطلب من الغرب أن يساعدوه على الاحتفاظ بمكانه حتى يتمكن من منع «الإسلاميين» من الوصول إلى الحكم.
ماذا يفعل طغاة الشرق الأوسط عندما تنفد الحجج التي يمكنهم أن يبرروا بها حكمهم؟
على مدار عقود، كانت إجابة ذلك السؤال بسيطة للغاية: عندما تعوز الطاغية الحيل، يطلب من الغرب أن يساعدوه على الاحتفاظ بمكانه حتى يتمكن من منع «الإسلاميين» من الوصول إلى الحكم.
وقد قام سياد بري في الصومال بذلك على مدار عقود، حيث كان يتنقل بين السوفياتيين والأميركيين.
وفي السودان، قدم جعفر النميري، الذي لم يقرر قط ما إذا كان اشتراكيا أم إسلاميا، ادعاءات مشابهة.
كما كان صدام حسين، على مدار ربع قرن، يذكر أنه يمنع وصول طوفان إسلامي مزعوم من ناحية إيران.
وفي سوريا، وظف حافظ الأسد ادعاءات مماثلة لتأمين اجتماعات مع رؤساء أميركيين.
وتفاخر الأسد بأن خط وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل هو أكثر الحدود مع إسرائيل هدوءا.
كما ادعى الأسد أنه حال دون سقوط سوريا في أيدي الإسلاميين من خلال المذابح التي قام بها في حماه.
وفي السودان، قدم جعفر النميري، الذي لم يقرر قط ما إذا كان اشتراكيا أم إسلاميا، ادعاءات مشابهة.
كما كان صدام حسين، على مدار ربع قرن، يذكر أنه يمنع وصول طوفان إسلامي مزعوم من ناحية إيران.
وفي سوريا، وظف حافظ الأسد ادعاءات مماثلة لتأمين اجتماعات مع رؤساء أميركيين.
وتفاخر الأسد بأن خط وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل هو أكثر الحدود مع إسرائيل هدوءا.
كما ادعى الأسد أنه حال دون سقوط سوريا في أيدي الإسلاميين من خلال المذابح التي قام بها في حماه.
وفي تونس، استخدم زين العابدين بن علي نفس المبرر على مدار ربع قرن تقريبا.
كما استخدمه حسني مبارك في مصر لمدة ثلاثين عاما.
كذلك ادعى معمر القذافي أنه، لولا وجوده، لأصبحت ليبيا قاعدة للإسلاميين.
وفي اليمن، يتصرف علي عبد الله صالح كما لو أنه قائد محلي قامت واشنطن بتعيينه ليخوض حربا ضد تنظيم القاعدة.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، حان دور الطاغية بشار الأسد ليعزف على تلك النغمة القديمة.
ففي حوار مع صحيفة تصدر أسبوعيا في لندن، كجزء من برنامج قامت به شركة علاقات عامة بريطانية، ادعى أنه وحده من منع ظهور «أفغانستان أخرى».
وكان محور حديث الأسد بسيطا وهو أنه إذا رحل، فسيأتي الإسلاميون؛ وبمجرد وصولهم إلى الحكم، فسوف يقومون بتدريب أشخاص على القيام بتفجيرات انتحارية ضد الغرب.
كما ذكر أن الغرب بحاجة إليه ليبقي على الأوضاع هادئة مع إسرائيل، تماما كما فعل والده من قبل.
لهذا، فإنه من مصلحة الغرب أن يتركه يحافظ على بقائه في السلطة عن طريق قيامه بقتل شعبه.
وفي الواقع، يبدو أن الأسد قام بتقديم طلب وظيفة ليصبح «علي عبد الله صالح» آخر، أو بطل الغرب في مجال الحرب ضد «التشدد الإسلامي».
لقد كانت مبررات الأسد محبطة، على أقل تقدير، في أكثر من صعيد.
لقد تحدث كما لو أنه يرأس منظمة على طراز المافيا، مستخدما التهديدات الواضحة والمستترة.
إننا لم نر قائدا يفهم أن بلده في خطر وأن عليه التصرف بحكمة ليحافظ عليها من الوصول إلى طريق مسدود خطير.
وبدت بعض جمل الأسد كما لو كانت مأخوذة من الجزء الثاني من فيلم «العراب»، حيث بدا الأسد غير قادر أو غير راغب في فهم ما يحدث في سوريا.
ورأى أن المظاهرات «أمر لا يستحق الاهتمام»، حتى إنه تساءل عما إذا كان المتظاهرون سوريين بحق.
يبدو أن الأسد، طبيب العيون، يعاني من قصر سياسي في النظر.
فعندما أبعدته ثورة الأرز عن لبنان، قال لأعضاء البرلمان إن جماهير بيروت عبارة عن جماعات صغيرة العدد وأنها تبدو كبيرة بفضل كاميرات التلفاز التي تستخدم تقنية «التكبير والتصغير».
ولم يعد الأسد، الذي أصبح مصدر إحراج حتى لحلفائه الإيرانيين، قادرا على أن يوفر لسوريا الحد الأدنى من الأمن والحرية اللذين لا يستطيع أي مجتمع أن يعمل من دونهما.
وفي الواقع، فإن الانتفاضة في سوريا تبدو أكثر ترسخا وأوسع في نطاقها من حيث عدد المشاركين من حركات «الربيع العربي» الأخرى.
ففي تونس ومصر وليبيا واليمن، كانت الانتفاضات مقتصرة بالأساس على مدينتين أو ثلاث مدن، متضمنة العاصمة في أغلب الأحيان.
غير أن المظاهرات في سوريا لها جذور في كل قرية ومدينة تقريبا.
وبمرور الأيام، نسمع عن مظاهرات في مكان جديد، بما في ذلك أماكن لم يسمع عنها حتى المتخصصون.
وقد عكفت على إعداد قائمة بتلك الأماكن.
وحسب آخر الروايات، فإن سوريا شهدت مظاهرات في 87 مدينة وقرية، وهو عدد مذهل.
وقد يكون الشيء الأكثر أهمية هو أن الانتفاضة يبدو أنها تحظى بقبول جميع قطاعات المجتمع والثماني عشرة ديانة والجماعات العرقية التي تشكل النسيج السوري.
وقد ادعى الأسد أن أكبر مدينتين سوريتين، وهما دمشق وحلب، يسودهما هدوء نسبي.
غير أن هذا الادعاء كاذب بشكل واضح.
وعلى الرغم من حقيقة أن أجزاء من دمشق وضواحيها قد تحولت إلى معسكرات مسلحة، فقد شهدت العاصمة سلسلة من المظاهرات.
كما جذبت مسيرة للطلاب، في حلب، أعدادا كبيرة من المتظاهرين، عندما كانت عشرات المصانع في ضواحيها تتعرض لهجمات.
على أي حال، حتى إذا كانت دمشق وحلب جزيرتين يسودهما الهدوء في بحر عاصف، فلا ينبغي أن يتبجح الأسد.
إن لدى كل طاغية ولعا بخداع الذات.
وحتى إذا كانت عاصمته على وشك السقوط، فإنه يوهم نفسه أنه آمن في مخبئه.
وبدلا من أن يظهر قدرته على القيادة ويحاول جمع الناس معا، أصبح الأسد عنصر تفريق في السياسات السورية المعقدة.
إن وجوده في حد ذاته يقسم الناس إلى مؤيدين ومعارضين للنظام، وهو سبب لحدوث حرب أهلية.
إن الأسد يتولى الرئاسة معتمدا على المجموعات الباقية من القوات المسلحة، مع انشقاق المزيد والمزيد من الضباط والرجال وقيامهم بتكوين جيش بديل.
بل إن وجود الأسد أدى إلى انقسام مجتمع العلويين نفسه الذي ينتمي إليه الأسد.
ويبدو أن الأسد الجاهل يأمل أن تنتهي المظاهرات.
غير أن الأمل لا يعد بديلا للسياسة.
لقد شارك 200 شخص في أول مسيرة مناهضة للأسد في اللاذقية في مارس (آذار) الماضي.
وقام أعوان الأسد بقتل ثمانية منهم.
وفي الأسبوع التالي، ارتفع العدد إلى 2000، قتل رجال الأسد 19 منهم.
وفي الأسبوع الثالث، ارتفع عدد المتظاهرين ليفوق الـ20,000 متظاهر.
وبصور مختلفة، حدث هذا في أنحاء سوريا كافة.
إن الأسد لا يتسم بالواقعية على الإطلاق، وهو سجين للأوهام، تماما كما كان صدام والقذافي ومجموعة من الحكام العرب المستبدين حتى واجهوا نهاياتهم الأليمة.
كما استخدمه حسني مبارك في مصر لمدة ثلاثين عاما.
كذلك ادعى معمر القذافي أنه، لولا وجوده، لأصبحت ليبيا قاعدة للإسلاميين.
وفي اليمن، يتصرف علي عبد الله صالح كما لو أنه قائد محلي قامت واشنطن بتعيينه ليخوض حربا ضد تنظيم القاعدة.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، حان دور الطاغية بشار الأسد ليعزف على تلك النغمة القديمة.
ففي حوار مع صحيفة تصدر أسبوعيا في لندن، كجزء من برنامج قامت به شركة علاقات عامة بريطانية، ادعى أنه وحده من منع ظهور «أفغانستان أخرى».
وكان محور حديث الأسد بسيطا وهو أنه إذا رحل، فسيأتي الإسلاميون؛ وبمجرد وصولهم إلى الحكم، فسوف يقومون بتدريب أشخاص على القيام بتفجيرات انتحارية ضد الغرب.
كما ذكر أن الغرب بحاجة إليه ليبقي على الأوضاع هادئة مع إسرائيل، تماما كما فعل والده من قبل.
لهذا، فإنه من مصلحة الغرب أن يتركه يحافظ على بقائه في السلطة عن طريق قيامه بقتل شعبه.
وفي الواقع، يبدو أن الأسد قام بتقديم طلب وظيفة ليصبح «علي عبد الله صالح» آخر، أو بطل الغرب في مجال الحرب ضد «التشدد الإسلامي».
لقد كانت مبررات الأسد محبطة، على أقل تقدير، في أكثر من صعيد.
لقد تحدث كما لو أنه يرأس منظمة على طراز المافيا، مستخدما التهديدات الواضحة والمستترة.
إننا لم نر قائدا يفهم أن بلده في خطر وأن عليه التصرف بحكمة ليحافظ عليها من الوصول إلى طريق مسدود خطير.
وبدت بعض جمل الأسد كما لو كانت مأخوذة من الجزء الثاني من فيلم «العراب»، حيث بدا الأسد غير قادر أو غير راغب في فهم ما يحدث في سوريا.
ورأى أن المظاهرات «أمر لا يستحق الاهتمام»، حتى إنه تساءل عما إذا كان المتظاهرون سوريين بحق.
يبدو أن الأسد، طبيب العيون، يعاني من قصر سياسي في النظر.
فعندما أبعدته ثورة الأرز عن لبنان، قال لأعضاء البرلمان إن جماهير بيروت عبارة عن جماعات صغيرة العدد وأنها تبدو كبيرة بفضل كاميرات التلفاز التي تستخدم تقنية «التكبير والتصغير».
ولم يعد الأسد، الذي أصبح مصدر إحراج حتى لحلفائه الإيرانيين، قادرا على أن يوفر لسوريا الحد الأدنى من الأمن والحرية اللذين لا يستطيع أي مجتمع أن يعمل من دونهما.
وفي الواقع، فإن الانتفاضة في سوريا تبدو أكثر ترسخا وأوسع في نطاقها من حيث عدد المشاركين من حركات «الربيع العربي» الأخرى.
ففي تونس ومصر وليبيا واليمن، كانت الانتفاضات مقتصرة بالأساس على مدينتين أو ثلاث مدن، متضمنة العاصمة في أغلب الأحيان.
غير أن المظاهرات في سوريا لها جذور في كل قرية ومدينة تقريبا.
وبمرور الأيام، نسمع عن مظاهرات في مكان جديد، بما في ذلك أماكن لم يسمع عنها حتى المتخصصون.
وقد عكفت على إعداد قائمة بتلك الأماكن.
وحسب آخر الروايات، فإن سوريا شهدت مظاهرات في 87 مدينة وقرية، وهو عدد مذهل.
وقد يكون الشيء الأكثر أهمية هو أن الانتفاضة يبدو أنها تحظى بقبول جميع قطاعات المجتمع والثماني عشرة ديانة والجماعات العرقية التي تشكل النسيج السوري.
وقد ادعى الأسد أن أكبر مدينتين سوريتين، وهما دمشق وحلب، يسودهما هدوء نسبي.
غير أن هذا الادعاء كاذب بشكل واضح.
وعلى الرغم من حقيقة أن أجزاء من دمشق وضواحيها قد تحولت إلى معسكرات مسلحة، فقد شهدت العاصمة سلسلة من المظاهرات.
كما جذبت مسيرة للطلاب، في حلب، أعدادا كبيرة من المتظاهرين، عندما كانت عشرات المصانع في ضواحيها تتعرض لهجمات.
على أي حال، حتى إذا كانت دمشق وحلب جزيرتين يسودهما الهدوء في بحر عاصف، فلا ينبغي أن يتبجح الأسد.
إن لدى كل طاغية ولعا بخداع الذات.
وحتى إذا كانت عاصمته على وشك السقوط، فإنه يوهم نفسه أنه آمن في مخبئه.
وبدلا من أن يظهر قدرته على القيادة ويحاول جمع الناس معا، أصبح الأسد عنصر تفريق في السياسات السورية المعقدة.
إن وجوده في حد ذاته يقسم الناس إلى مؤيدين ومعارضين للنظام، وهو سبب لحدوث حرب أهلية.
إن الأسد يتولى الرئاسة معتمدا على المجموعات الباقية من القوات المسلحة، مع انشقاق المزيد والمزيد من الضباط والرجال وقيامهم بتكوين جيش بديل.
بل إن وجود الأسد أدى إلى انقسام مجتمع العلويين نفسه الذي ينتمي إليه الأسد.
ويبدو أن الأسد الجاهل يأمل أن تنتهي المظاهرات.
غير أن الأمل لا يعد بديلا للسياسة.
لقد شارك 200 شخص في أول مسيرة مناهضة للأسد في اللاذقية في مارس (آذار) الماضي.
وقام أعوان الأسد بقتل ثمانية منهم.
وفي الأسبوع التالي، ارتفع العدد إلى 2000، قتل رجال الأسد 19 منهم.
وفي الأسبوع الثالث، ارتفع عدد المتظاهرين ليفوق الـ20,000 متظاهر.
وبصور مختلفة، حدث هذا في أنحاء سوريا كافة.
إن الأسد لا يتسم بالواقعية على الإطلاق، وهو سجين للأوهام، تماما كما كان صدام والقذافي ومجموعة من الحكام العرب المستبدين حتى واجهوا نهاياتهم الأليمة.
الشرق الأوسط