نقطة تحول في الأزمة السورية

حسين جلبي    

ظن الكثير من المتابعين للشأن السوري أن يوم أمس سيشهد إختراقاً للمشهد السوري، و تحولاً في الأزمة السورية بإتجاه التدويل.

لكن يبدو أن هذه الأزمة قد دخلت مجدداً في نفقٍ آخر، و ربما أخير، قد لا يطول هذه المرة، بإتجاه نهايات حاسمة، بسبب ما هو متوقع من بقاء النظام على مسلكه الذي لم يحد عنه طوال الشهور الماضية في قمع التظاهرات، التي سيتم تصعيدها بصورة تفوق تحمله، مع ما يترتب على ذلك من تدويلٍ للمسألة بسبب ما هو متوقع من عدم إلتزام النظام بتعهداته، وصولاً إلى إسقاطه.
و الحال أن خيارات النظام و هامش مناوراته ـ كما يبدو ـ قد ضاقت كثيراً إن لم يكن إنعدمت، بحيث لم يعد أمامه، و هو الذي وصل إلى حائطٍ مسدود، سوى الرضوخ للمبادرة العربية بسبب العصا المشرعة في وجهه بإحالة ملفه إلى مجلس الأمن الدولي، و هو يظن أنه بموافقته تلك قد وفر لنفسه فسحة زمنية لإلتقاط الأنفس، و ربما يكون ـ و هذا يبدو من سيرة النظام ـ قد حضر في الوقت ذاته خطط بديلة لتحدي العالم و إفراغ المبادرة من محتواها، يحاول من خلالها أن يتذاكى للتهرب من إستحقاقات المرحلة، من خلال إجراء تطوير على قصة العصابات المسلحة، و اللجوء مثلاً في مرحلة لاحقة إلى أسلوب إغتيال و إختطاف المراقبين و الصحفيين الذين أعلن موافقته على دخولهم.
إذاً كان أمام النظام السوري خياران كلاهما علقم، أما الموافقة على الخطة العربية أو رفضها، خاصةً بعد أن أُسقط في يده، و سقط الخيار الذي كان ينوي اللجوء إليه في إفراغ الخطة العربية من مضمونها باللجوء إلى اللف و الدوران و الإحتيال، بتقديم خطط مضادة و الدخول في مفاوضات ماراثونية بشأنها لا تنتهي كما يظن إلا بخروج الثورة السورية من مضمار السباق.
هناك إحتمالٌ ثالث لكنه ضعيف، و هو أن النظام قد أدرك أخيراً في لحظة صحوة و بعد أن رأى رأس القذافي يتدحرج، أنه سائرٌ مهما طال الزمن إلى ذات النهاية إن لم يكن أسوأ منها، و هذه هي الحقيقة التي يجب أن يدركها فعلاً، و لذلك شكلت المبادرة العربية، مع الأخذ في الإعتبار وجوده محشوراً في زاوية ضيقة بلا أفق، طوق النجاة الأخير له، للخروج من المأزق الذي حشر نفسه بأقل الخسائر الممكنة، بالحفاظ على ماء وجهه على الأقل، فجاءت موافقته على المبادرة و هو قد وضع لنفسه سيناريو يغادر فيه السلطة بصورة يبدو معها و كأنه يسلم السلطة إستجابةً لعملية ديمقراطية.
تبقى نقطة الضعف الوحيدة في الإحتمال الأخير و كذلك في الموافقة على المبادرة العربية هي في إنهار الدماء التي أسالها و لا زال النظام، و التي لن توفر له مخارج آمنة، خاصةً بعد أن إستعدى العالم كله ضده، فحتى إيران و هي حليفته الوحيدة لا تبدو في وارد إستقبال رجلٍ مهزوم، تسبب في إفشال مخططها، و لم ينجح في الحفاظ على نفوذها، و تسبب في إنكماش دورها و إغلاق المنافذ التي تعبت كثيراً في فتحها.

الساعات و الأيام القليلة القادمة ستكون حاسمة و ستكشف الإتجاه الذي ستسير إليه الأحداث، شئ واحد هو المؤكد، و هو أنه كلما طال أمد بقاء النظام إرتفعت فاتورة الدم التي يجب عليه دفعها، كما أصبح يتساوى لدى النظام تحركه إلى الأمام أو إلى الخلف، أو حتى بقاءه مراوحاً في مكانه، إذ أن كل ذلك أصبح يكلفه غالياً، و هذا ما سيظهر إعتباراً من الآن، أما ذروة الإختبار ستكون غداً الجمعة، و إن الجمعة لناظرها لقريبة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…