وأوصد هذا الحراك الطلابي الباب أمام دعاية النظام الذي حاول جاهداً وصف الثورة بأنها من صنع «العصابات المسلحة»، وأنها تقتصر على مجموعة من السلفيين والمتطرفين.
ولخطورة المشاركة الطلابية على رواية الاعلام الرسمي فقد قُوبلت أولى التظاهرات التي انطلقت في جامعة دمشق بنوع خاصّ من ميليشيات الشبيحة، وهم يحملون المسدسات والرشاشات بقيادة عمار ساعاتي رئيس ما يُسمّى الاتحاد الوطني لطلبة سورية.
لكن الزخم الطلابي تراجع مع نهاية العام الدراسي الماضي، وعندما فتحت الجامعات أبوابها في الشهر الماضي كانت الكثير من الأمور قد تغيرت.
ويقول عبد الرحمن وهو من بين الذين شاركوا في تظاهرات كلية العلوم بجامعة دمشق: «إن الانتفاضة السورية ليست محصورة بشريحة معينة كما يدعي البعض، بل جذبت منذ انطلاقتها معظم الطبقات والشرائح الاجتماعية، وعلى رأسها طلاب الجامعات.
ونحن لدينا قناعة راسخة بأن الثورة لا يمكن أن ترسم ملامحها بشكل حقيقي ما لم يضع طلاب الجامعات بصمتهم عليها».
ويستطرد عبد الرحمن الذي تم اعتقاله ثم أفرج عنه بعد كتابة تعهد بعدم التظاهر :»ما لم يكن في الحسبان أن نرى قدسية الحرم الجامعي تُنتهك وتُدهس تحت أقدام عصابات مجرمة، ليصل بهم الأمر إلى استخدام الذخيرة الحية لتفريق المظاهرات الطلابية، حيث سقط شهيد في كلية العلوم.
و بعد اعتقال العشرات من الطلاب، قامت الأجهزة الأمنية بالضغط على رئاسة جامعة دمشق، فأصدرت مجموعة من القرارات المجحفة، تضمنت فصل عشرات الطلاب الذين شاركوا في التظاهرات، وأحالت آخرين إلى لجنة الانضباط».
توسيع شبكات التجسس
ويشير عبد الرحمن إلى أن هذه الاجراءات ترافقت مع توسيع شبكات التجسس الطلابية التي يديرها عمار ساعاتي، مؤكداً أن الدوام الجامعي في حد ذاته أصبح خطراً، وتحولت الجامعة إلى ثكنة عسكرية وأمنية، تتجول فيها عصابات الشبيحة والطلاب الموالون لمراقبة كل شاردة وواردة، والأنكى من كل ذلك أن اللقاء بمجموعة من الأصدقاء أصبحت محل شبهة بالتحريض او التخطيط للتظاهر .
في حين يؤكد عبد القادر وهو طالب في قسم اللغة الإنكليزية، وكان شاهداً على اجتياح ميليشيات الشبيحة والأمن للمدينة الجامعية بدمشق أنه في بداية الانتفاضة، لم يكن الطلاب آبهين بطغيان أجهزة الأمن والشرطة، وخرجت عدة تظاهرات ليلية في المدينة الجامعية، وترافقت مع تغطية إعلامية مقبولة.
لكن رد النظام جاء بوحشيته المعتادة، حيث قام بتجنيد الطلاب الموالين من جماعة اتحاد الطلبة، وبمساندة من عناصر الأمن والشبيحة الذين اقتحموا السكن الجامعي بشكل عشوائي.
ويوضح عبد القادر أن عملية اقتحام المدينة تزامنت مع قطع التيار الكهرباء، ومن ثم تم إطلاق النار عشوائياً الذي تسبب في إصابات بليغة، وبعدها قام رجال الأمن بالدخول إلى الغرف، وحطموا أبوابها، واعتقلوا مئات الطلبة، فضلاً عن تعمدهم سرقة الكثير من المعدات والأغراض وتحطيم أجهزة الكمبيوتر المحمولة ومصادرة الهواتف النقالة.
وعلى إثر هذه الحادثة فقدت مجموعة كبيرة من الطلاب حقها في السكن الجامعي، وللأسف ساد مناخ من الرعب والخوف.
مصادرة الجامعة
فيما تروي هدى، وهي طالبة في كلية الاقتصاد، إحدى القصص حول اعتصام طلاب كلية الطب وكيفية تعامل أجهزة الأمن معهم حيث أشارت إلى أن الاعتصام بدأ بشكل حضاري وسلمي، وطالب المعتصمون بالإفراج عن زملائهم المعتقلين.
وتجاوز عدد الذين شاركوا في الاعتصام مائة شخص، وقالت:» لم تمضِ دقائق حتى وجدنا مجموعة كبيرة يزيد عددها عن مئتي شخص يطوقون الاعتصام بشكل وحشي، ويعتقلون الطلاب، ويصادرون كل أجهزة الموبايل وسط كلية الآداب.
وعندمما تدخل أحد الأساتذة الجامعيين، قاموا بالهجوم عليه وإهانته على مرأى ومسمع الجميع».
وتضيف هدى أن في السابق كانت الوصاية الأمنية تصادر الجامعة بكل مؤسساتها ، لكن اليوم أصبحت كل الجامعات السورية مصادرة من ميليشيا الشبيحة، «إن هذا يشعرنا بالعار، والطلاب لن يتركوا لهم الساحة خالية ، على الأقل يمكن الإضراب عن الدراسة».
موقع الجامعات
ويعتبر صلاح، وهو مقيم في السكن الجامعي بمدينة حلب أن السبب الرئيسي الذي أدى إلى تراجع وتيرة مشاركة الطلاب في التظاهرات عدا الانتشار الأمني، هو أن الجامعات لديها وضع خاص من حيث موقعها، فهي تقع في وسط المدينة، سواء في دمشق أو حلب وباقي المدن الأخرى، فضلاً عن إحاطة الجامعات بأسوار حديدية ضيقة، تنعدم فيها فرصة الهروب والتحرك والاختفاء، وهذا ما أدى إلى قيام النظام بارتكاب جريمة بشعة بقتل أربعة طلاب في جامعة خالد بن الوليد (البعث سابقاً) في مشهد دموي يندى له الجبين.
ويشير صلاح إلى عامل آخر قد يقف وراء عدم خروج الطلاب بأعداد كثيفة في التظاهرات وهو أن نسبة كبيرة من الطلاب الذين لم يتم اعتقالهم هم من مناطق صامتة ومترددة ، وربما ينتظرون فرصة مناسبة للتعبير عن آرائهم، أما الذين خرجوا في المظاهرات فإن معظمهم قطعوا دراستهم الجامعية وانضموا إلى الحراك الثوري في مناطقهم.
ويقول فراس، وهو طالب في كلية الحقوق في جامعة خالد بن الوليد: إن الحل الوحيد هو مقاطعة الدراسة الجامعية، طالما أن الحراك داخله أصبح مكلفاً، ولا يأتي بنتيجة إيجابية ، بل يدفع بالطلبة المترددين إلى التشبث بصمتهم أكثر من السابق.
*نقلا عن جريدة البديل السورية التي تصدر عن الهيئة الإعلامية المستقلة لدعم الثورة السورية