(غليون) ونزعة شوفينية القومية السائدة

صلاح بدرالدين

حسنا فعلت المناضلة الوطنية العربية السورية السيدة – فلورنس غزلان – عندما نبهت القيمين على ” المجلس الوطني ” بارتكاب هفوتين على الأقل خلال أربع وعشرين ساعة أساءتا الى المكون الكردي الأولى عند اتخاذ موقف منحاز للجانب التركي الرسمي حول العملية العسكريةالتي راح ضحيتها مجموعة من الجنود النظاميين في ولاية هكاري على أيدي مسلحي حزب العمال الكردستاني والثانية تعلقت بتصريح رئيس ” المجلس ” الأستاذ الجامعي – د برهان غليون – لقناة – العربية – (ولقناة دويشة فيلة) بتوقيت متقارب ” لينكأ الجرح أكثر بحسب قول السيدة غزلان حين قارن بين أكراد سوريا والمهاجرين في فرنسا وأكد على عروبة سوريا وأنه لايمكن لعربها أن يتخلوا عن عروبتهم ..

وتتساءل هل يعني أن على الأكراد أن يتخلوا عن كرديتهم  ؟ ” .
    عادة وبحسب العرف التقليدي مابين الدول الأعضاء بهيئة الأمم المتحدة  تعلن السلطات الحاكمة عن مواقفها السياسية والتضامنية تجاه أحداث تقع لمثيلاتها أو تقوم الحركات السياسية غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني بالواجبات التضامنية التطوعية فيما بينها لتشابه في الأهداف الأساسية وترابط في المصالح العامة أما وأن تقوم هيئة سياسية مستحدثة  لاجئة تقيم في بلد مجاور معارضة لنظام بلدها باعلان التضامن مع الدولة الراعية ضد طرف داخلي معارض له لأسباب سياسية فأمر بعيد عن أصول اللياقة والدافع المبدئي خاصة اذا كان الطرف المعني يظهر نفسه كمدافع عن قضايا الحرية والكرامة في بلده وبعبارة أوضح لو أصدر ” المجلس الوطني السوري ” بيانا متوازنا شجب فيه كل من عملية تصفية الجنود النظاميين من جانب قوات ب ك ك وموقف النظام التركي الشوفيني من الشعب الكردي في تركيا والدعوة لحل قضية كرد تركيا سلميا على أساس تثبيت حقوقهم في تقرير المصير كما فعلت قوى وأطرافا أخرى ومنها كردية عراقية لهان الأمر ولسار من دون اعتراض يذكر .

  أما المسألة الأخرى المتعلقة بتصريح الاستاذ الجامعي – د غليون – رئيس ” المجلس الوطني ” المشكل في استانبول فهي ذات شقين : الأول حول مقارنة الكرد السوريين بالمهاجرين الآسيويين في فرنسا والثاني حول عروبة سوريا  فهي أبعد من هفوة وأعمق من كبوة لأسباب جوهرية عديدة سنأتي على ذكرها تباعا .
    في ستينات القرن الماضي وخلال مناقشاتنا وحواراتنا كقيادة يسارية كردية للاتجاه القومي الديموقراطي آنذاك مع ممثلي وقيادات الأحزاب والقوى الوطنية العربية السورية من شيوعية وقومية وناصرية حول الحقوق الكردية ورفع سياسة الاضطهاد واعادة الجنسية للمحرومين الذين سحبت جنسياتهم بموجب الاحصاء الاستثنائي الذي جرى عام 1962 كنا نصطدم على الدوام مع معظم محاورينا حول اذا كان كرد سوريا سكان أصليون بحسب وقائع التاريخ القديم والحديث وتطورات القضية الكردية جراء الثورات والانتفاضات وتأثيرات العوامل الخارجية واللعبة الدولية وتجلياتها من معاهدات سيفر ولوزان ومؤتمر الصلح بباريس وصفقات مالطا وطهران ويالطا في والحوادث المتلاحقة في الحربين العالمتين منذ انهيار الامبراطورية العثمانية واقتسام ممتلكاتها وبينها كردستان التاريخية حسب اتفاقية سايكس – بيكو وبالتالي يقيمون على أرض الآباء والأجداد رغم أنهم أصبحوا ضحايا القوى الكبرى الظالمة أم لاجئون ومتسللون حسب التفسير الآيديولوجي القوموي للتاريخ والجغرافيا  من جانب شوفينيي القوميات السائدة في البلدان الأربعة التي تتوزع الكرد وموطنهم .


        في الفترة ذاتها وعندما بدأ نظام حزب البعث بممارسة سياسة – فرق تسد – وبتطبيق مشروعه العنصري الاقصائي المستند الى مفصلين متكاملين  : حرمان 140 ألف (وصل العدد عام 2011 الى 350 ألف ) مواطن كردي من حق المواطنة أي من حق التملك أيضا وتنفيذ مخطط الحزام العربي بعد تقليص عدد المنتفعين من الأرض تمهيدا لجلب مواطنين عرب من خارج المنطقة الكردية وتزامن ذلك أيضا بتصاعد الموجة الشوفينية ضد الكرد عندما هب البعث السوري لنجدة شقيقه العراقي ضد الثورة الكردية وارسال لواء من الجيش الى كردستان العراق نقول في تلك الفترة بالذات حاول منظرو البعث حرمان الكرد السوريين من صفة الشعب والقومية واثبات ذلك في حملة تعبوية واسعةوقد جاء في المجلة الدورية النظرية الداخلية المحدودة التداول لحزب البعث السوري واسمها – المناضل – عام 1966 بحثا مطولا بهذا الشأن تضمن محاولة تلفيقية مثيرة لاثبات أن كرد سوريا لاتتوفر فيهم علائم الشعب والقومية وهم أفراد لاجئون الى سوريا وليس لهم قضية قومية وعلى الدولة التعامل معهم كجالية تماما كما الجاليات العربية في دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والهدف من كل هذا اللف والدوران هو حرمان الكرد السوريين من حقوقهم القومية ونفي كونهم من سكان سوريا القدامى الأصليين وهناك فارق كبير بين مستوى ودرجة حقوق شعب مقيم على أرضه التاريخية من جهة وحقوق جالية أو فئة أو أقلية أثنية مهاجرة تقيم على أراضي الآخرين ولم نكن نتمنى لأكاديمي عاش غالبية سني حياته في بلد الثورة الفرنسية المجيدة ومنبع مبادىء حقوق المواطن والديموقراطية والمساواة وحق الشعوب في تقرير المصير ورئيس ” لمجلس ” معارض ينشد الحرية أن يحذو حذو حزب شوفيني ينادي باسقاطه خالف وقائع التاريخ ومبادىء الحرية قبل خمسين عاما ويأتي الآن ليقلده في بداية القرن الجديد في مقارنة كرد سوريا بجالية آسيوية مهاجرة تماما كما فعل الطغاة الشوفييون   .
   أما مايتعلق بمسألة الهوية القومية لسوريا التي يصر السيد – غليون – على عروبتها وقبله أصر السيد علي البيانوني على ذلك بمناسبة أو بدونها فقد نستطيع فهم النزعة الاستعلائية الشوفينية من أوساط القومية السائدة وخاصة من جانب النظام الحاكم ونحن كمكونات غير عربية في سوريا وفي المنطقة عامة نشعر بتصاعد هذه النزعة السيئة المسيئة تجاه الشعوب والأقوام غير العربية خاصة بعد التحالف الفكري – السياسي – الثقافي المعبر عن تشابك المصالح ومنذ مايقارب العقدين بين الاتجاهين الأصوليين العلماني القوموي والاسلاموي انني شخصيا لم ولن أتحسس من المقابل العروبي فهو شريكي في الحاضر والمستقبل وخبرت هذه المسألة الاشكالية في العراق بعد اسقاط الدكتاتورية وصياغة دستور العراق الفدرالي الجديد حيث أثيرت قضية عروبة العراق وكونه جزء من الأمة العربية وتم النقاش حولها مطولا الا أن تم التوافق على مبدأ أن عرب العراق جزء من الأمة العربية وكرد العراق جزء من الأمة الكردية وأن العراق جزء من محيطه العربي والاسلامي وطويت الصفحة على هذا الأساس وينطبق كما أرى ما تم بالعراق من حيث المبدأ على الواقع السوري أيضا.
   أما النظر الى المسألة المثارة من زاوية أن السيد – غليون – يعبر عن موقف ” المجلس ” الذي يترأسه والى درجة كبيرة السيد البيانوني فأرى أن ما أثير من مواقف تفسر على أنها هفوات أو اساءات للمكون الكردي تنطلق من واقع أسوأ كون التمثيل الكردي في ذلك ” المجلس ” قاصر وغير شرعي وغير معبر عن الحالة الكردية السورية نوعا وكما وأن التمثيل الكردي بكل المآخذ عليه جاء تعيينا من جانب الممسكين بزمام الأمور وهم تيار الاسلام السياسي المتحالف مع التيار القومي لذلك تشوه التمثيل الكردي بل تقزم الى أبعد الحدود اضافة الى ضبابية الموقف أو اللاموقف من مختلف القضايا الوطنية السورية وفي مقدمتها القضية الكردية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…