عامودا .. وعنوان شعب…!!!!

 خليل كالو

     كثيرة هي الحقائق التي تسير أمامنا ليل نهار ولا نكتشفها إلا من كان مكتشفا ودقيق الملاحظة فمنها السواري والأسماء التي أضحت عناوين لشعوبها  وأنابت عنها بالتعريف عن هويتها في لحظات ومفاصل تاريخية معينة كادت أن تكون  بعضها مصيرية إلى أن أصبحت جزء من تاريخ مرحلة.

فعندما تذكر أسماء تلك السواري والرموز تقرأ الذاكرة بشكل مباشر التعريف بشخصية وهوية ذلك المتحد  الذي ينتمي إليها تلك السواري وبالعكس.
 فمنها الشعراء والمبدعين والقادة والأدباء الكبار ومنها أيضا المكان والجماعة والتجمع .

فشاءت الأحوال وليس بغريب الآن أن تتبوأ عامودا تلك البلدة الهادئة الراقدة على صفح السهول المعطاءة  والممتدة من الجناح الجنوبي من سفح جبال ماردين إلى سنجق سعدون آغا المترامية تلك المكانة وتكون هي حقيقة مماثلة لما ذكرت أعلاه واستحقت شرف الريادة من بين أقرانها من المدن الكردية.

فهي حتى الآن ظاهرة ملفتة  تستوقف الكثيرين من متابعي الثورة السورية من الداخل والخارج إلى أن أدهشت الكثير حينما عرفوا حجم البلدة ممن لا يعرفونها مسبقا وأصبحت محل تقدير كبير لديهم.

فمنذ مدة قصيرة جدا استوقفني صديق في الشارع العام في قامشلو ودار حديث قصير بيننا ومن جملة ما جاء في ذلك الحديث أنه كان في عامودا يوم البارحة وسألته عن الأسباب فقال لي كنت في صحبة صديق لي زارني من اللاذقية ومن أهلها وأصر أن يزور عامودا فقط من كل الجزيرة وحين قلت له أنها بلدة صغيرة وسكانها بسطاء وصغار كسبة  وفلاحين ولكنهم  شجعان “كدعان”  فلم يصدقني أولا وزاد في إصراره بأن يراها وذهبنا إليها وحينما وجد هيئة البلدة وحجمها وبيوتاتها الطينية المصطفة في شوارع خجولة وخاصة حاراتها الشعبية فتعلق بها أكثر وزادت من دهشته وإعجابه بما يقوم به أهلها جميعا  من تظاهرات منذ الأسبوع الأول من الانتفاضة وإلى الآن وقال جملة واحدة كانت تضاهي رصيد كلمات كتاب واحد من المجلد الكبير في المدح والتمجيد: إن هؤلاء هم صناع التاريخ وعنوان هوية لكم أيها الكرد وإلى هنا انتهى الكلام .

إن تاريخ العالم ليس إلا سيرة الرجال العظماء ولي هناك تاريخ بالمعنى الدقيق للكلمة بل هو فقط سير شخصية للمبدعين والعظماء والفلاسفة وأن ذلك النموذج من الشخصية قد صاغ التاريخ بطريقين فمن ناحية هناك المبدعون الذين قدموا إسهامات رائعة وخالدة للثقافة والعلوم الإنسانية سواء كانوا علماء أو فلاسفة أو كتابا ومؤلفين موسيقين أو فنانين وعلماء مكتشفين ومخترعين ولكن كم من شخصية وجماعة أخرى قد غيرت أحوالها ومن حولها بأعمالها الكبيرة ومن خلال صمودها وإصرارها بالسير على تحقيق أهدافها فكانت مثل غيرها من الشخصيات المبدعة منارات لشعوبها وأسباب فاعلة لاستمرار وجودها على أسس عوامل تكوينها وهنا أمكن علماء الاجتماع والسياسة والتاريخ في الجمع بين الفئتين من القادة والمبدعين وتسميتهم بالعباقرة والمبدعون.
    
إن عظمة وسمو الإنسان وأيضاً الجماعات والأمم تأتي من الأفكار والأهداف التي تشغل فكره ووجدانه أولا ً وأخيرا ولا توصف أو تأتي بالضرورة مع تحقيق الأهداف فقط بل بالسير وراء تحقيقها , أي لا يعني بأن ترتبط صفة العظمة والسمو بتحقيق الأهداف حتى النهاية وإنما بقدر قدرة هؤلاء الرجال التمسك بالأهداف والأفكار التي يمثلونها في حياتهم وأعمالهم وحين يعرفون بين شعوبهم والمحيط الذين يعيشون فيه من خلال تلك الأهداف والأفكار والأعمال .

فحين الملاحظة والتمعن في منحى وتصاعد الأحداث والمستجدات في الشارع السوري نجد عامودا نموذجا حيا لهذا الوصف والتوصيف وأن هذا الطور الارتقائي والإبداعي يثيران التساؤل والجدل وتأتي هنا أيضاً الدور العظيم للقائمين على مثل هكذا أعمال حتى لو شملت معظم أفراد الجماعة (الجماعة الحيوية) وخاصة رجالاتها من الناحية الفكرية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية والقومية والإنسانية وهنا لن نستطيع المقارنة بين جماعة وأخرى إلا من ما تنتجها من مفاهيم وقيم التي تكون السبب الأول في تحررها من التقاليد والموروث القديم لأجل الحداثة والتطور مثلما لا توجد لدينا أسس ترخص لنا المقارنة بين معدنين من نوع واحد ذو خصائص وصفات واحدة لهذا لا يمكن للباحث أو المؤرخ أن يقوم بهذا العمل .

فمثلا أن الذهب لا يقارن مع الذهب بل مع معادن أقل قيمة تختلف في خصائصها الفيزيائية والكيمائية.

وهكذا جاءت أسس مقارنة عامودا مع غيرها من المدن الكردية الأخرى على هذا المنهج وهذا لا يعني أبداً التقليل والحط من شأن الطيبين من المدن الأخرى إ وستبقى عامودا هي الأولى وفي الصدارة إلى أن تجد من تنافسها ..

  27/10/2011

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…