بئس الرفاق

 درويش محمى

اليوم ومنذ ان فتحت عيني هذا الصباح, اجدني حانق غاضب على كل شيء, وكلمة صباح الخير لم اقلها لاحد, حتى اني لم اداعب كلبي المدلل “ليو”, ولم اخذه معي في نزهة الصباح المعتادة, فأنا مكتئب للغاية, ومزاجي »مقلوب على الآخر«.
احاول جمع افكاري, لعل وعسى اعرف سبب تعاستي, العشرة أيام الاخيرة امضيتها في تركيا, بعيدا عن مؤتمرات المعارضة ومشاوراتها ومشاكساتها, فالصراع حام في اروقة تلك المؤتمرات, وفيها الكثير من وجع الرأس, والكل يحاول تجاوز الاخر, والجلوس في المقعد الامامي, وتسجيل سبقا تاريخيا, اما انا ففضلت ان اقضي أيام تواجدي في تركيا, بين الصيد واكلة “اضنة كباب” والتمتع بموسم الفاكهة من تين وعنب وبطيخ أخضر وأحمر.
بعد عودتي من تركيا, وزعت وقتي بين لقاء الاصدقاء ومتابعة شؤون الثورة السورية, والباقي من الوقت امضيته بين القراءة والتمتع بالشمس الخريفية والجو الرطب, على الشرفة “البلكونة”, التي رتبتها لتكون موقع استراحتي, اشرب فيها القهوة وادخن افضل انواع التبغ المستورد من منطقة “قرص”, والبقية الباقية من الوقت اقضيها مع رفيقة عمري في استكشاف مدينة “يفليه” التي انتقلت اليها للتو.
 للوقوف على حقيقة ما الم بي اليوم من اكتئاب شديد, حاولت ان اتذكر احداث يوم البارحة, فربما اجد ضالتي هناك, كان يوما عادياً كغيره من الايام, القهوة الصباحية بصحبة فيروز, نزهة الصباح مع “ليو”, بعدها كان موعدي مع عالمي »الهوت مايل« و»الفيس بوك«, ومن ثم كان تنظيف سيارتي التي اهملتها لمدة طويلة, في المساء كان اللقاء مع صديق عزيز, وعشاء لذيذ كذلك, كان لقاء وديا للغاية, عدت للمنزل لاستمع الى نشرة اخبار »العربية« “بانوراما” بصحبة مذيعتي المفضلة منتهى الرمحي في الساعة العاشرة بتوقيت السويد, بعدها تحدثت مع احد القادة الميدانيين للثورة السورية عن طريق »الفيس بوك«, وقد اكد لي عنفوان الشباب السوري واستمرارية الثورة حتى اسقاط النظام, لانام بعدها قرير العين كطفل صغير.


حقيقة لا اعرف سبب تعكر مزاجي المفاجئ, فأنا بطبعي متفائل وقنوع وراض عن نفسي, وكل شيء على ما يرام, ثم انا امشي من الحيط للحيط, ولا مشكلة لي مع احد, سوى مع النظام السوري, فأنا اعاديه ابا عن جد, وفي السر والعلن, والبعث والشوفينيين العرب لا احبهم, سواء كانوا في صفوف النظام او مع المعارضة, خصمي الوحيد في هذا الكون, الجميع يعرفه, وانا منذ اكثر من ستة اعوام احاول النيل منه, ودائما كنت اسمي الاشياء بمسمياتها, خصمي تعرفونه حق المعرفة, ومعظم الشعب السوري اليوم يطالب بسقوطه, بل وصل الامر إلى حد المطالبة باعدامه, ومن كثرة تهجمي عليه, اخترت المنفى الاختياري, الامر الذي دفع احد اصدقائي المقربين يهمس في اذني ذات مرة ويقول: “اترك الرجل بحاله, حل عن سماه”, وقلت له يومها: “ما فشرت, يا انا يا هو”, وها هو حلمي يتحقق او يكاد ان يتحقق.


اعتقد والله اعلم, وخلال بحثي المضني عن سبب تعاستي, انها المذيعة الرائعة “منتهى الرمحي”, والخبر غير السار التي نقلته لنا مساء أول من امس, حول استخدام الصين وروسيا لحق النقض الفيتو في جلسة مجلس الامن, وما يعنيه ذلك من استمرار عمليات القتل والتنكيل لفترة اخرى, وبقاء النظام السوري لفترة اطول.
لشدة غضبي على الرفاق الروس, السوفيات سابقاً, ولشدة نقمتي على البلاشفة والرفيق فلاديمير ايليتش لينين, والرفيق تروتسكي والرفيق يوسف ستالين, وخصوصاً الرفيق صاحب الثورة الثقافية والحركة الفلاحية ماوتسي تونغ, لشدة غضبي من هؤلاء, وبمجرد انتهائي من كتابة هذه المقالة, ساحرق مجلدات لينين العشرة, التي احتفظت بها لاكثر من ثلاثة عقود, وقرأتها كلمة كلمة, سأرمي بكتاب »رأس المال« لكارل ماركس في اقرب حاوية قمامة, اما الكتاب الاحمر لماوتسي تونغ فساحتفظ به, وساستخدمه فقط في لف جميع انواع السندويشات وخصوصاً سندويشة الفلافل, حتى اشفي غليلي من الصين الشعبية وروسيا السوفياتية, وسانسى الى الابد انني كنت صاحب سوابق وميول يسارية.
* كاتب سوري
com.d.mehma@hotmail
السياسة

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، نحتفل مع الشعب السوري بمختلف أطيافه بالذكرى الأولى لتحرير سوريا من نير الاستبداد والديكتاتورية، وانعتاقها من قبضة نظام البعث الأسدي الذي شكّل لعقود طويلة نموذجاً غير مسبوق في القمع والفساد والمحسوبية، وحوّل البلاد إلى مزرعة عائلية، ومقبرة جماعية، وسجن مفتوح، وأخرجها من سياقها التاريخي والجغرافي والسياسي، لتغدو دولة منبوذة إقليمياً ودولياً، وراعية للإرهاب. وبعد مرور…

إبراهيم اليوسف ها هي سنة كاملة قد مرّت، على سقوط نظام البعث والأسد. تماماً، منذ تلك الليلة التي انفجر فيها الفرح السوري دفعة واحدة، الفرح الذي بدا كأنه خرج من قاع صدور أُنهكت حتى آخر شهقة ونبضة، إذ انفتحت الشوارع والبيوت والوجوه على إحساس واحد، إحساس أن لحظة القهر الداخلي الذي دام دهوراً قد تهاوت، وأن جسداً هزيلاً اسمه الاستبداد…

صلاح عمر في الرابع من كانون الأول 2025، لم يكن ما جرى تحت قبّة البرلمان التركي مجرّد جلسة عادية، ولا عرضًا سياسيًا بروتوكوليًا عابرًا. كان يومًا ثقيلاً في الذاكرة الكردية، يومًا قدّمت فيه وثيقة سياسية باردة في ظاهرها، ملتهبة في جوهرها، تُمهّد – بلا مواربة – لمرحلة جديدة عنوانها: تصفية القضية الكردية باسم “السلام”. التقرير الرسمي الذي قدّمه رئيس البرلمان…

م. أحمد زيبار تبدو القضية الكردية في تركيا اليوم كأنها تقف على حافة زمن جديد، لكنها تحمل على كتفيها ثقل قرن كامل من الإقصاء وتكرار الأخطاء ذاتها. بالنسبة للكرد، ليست العلاقة مع الدولة علاقة عابرة بين شعب وحكومة، بل علاقة مع مشروع دولة تأسست من دونهم، وغالباً ضدّهم، فكانت الهوة منذ البداية أعمق من أن تُردم بخطابات أو وعود ظرفية….