صديقي مشعل التمو فارساً للموقف

إبراهيم اليوسف

سنوات جد طويلة، مرت على تعارفي -لأول مرة- على صديقي المناضل مشعل التمو، بعد أن جمعتنا دروب الكلمة، و الموقف،حيث كادت لقاءاتنا تغدو شبه يومية، بل  ويكاد ذلك اليوم الذي لم نكن نلتقي فيه -هو وأنا وآخرون- ومن بيننا معشوق الخزنوي -أحياناً- ومن لا أسميهم لاعتبارات كثيرة، كنا لنحس بأنها أيام عجفاء، بتراء،  وكنت أشعر في قرارتي- بعد كل لقاء معه- بأنني أضفت شيئاً جديداً على حياتي، لأن مشعل التمو الذي يعرفه بعضهم سياسياً-فحسب-إنما هو أديب، وكاتب، وعقل متنور استثنائي.
كان مشعل التمو-مع فيصل يوسف وزردشت محمد ومن ثم قلة آخرون تالياً-  من أوائل المثقفين الكرد في سوريا، ممن اشتغلوا على نطاق وطني، ووسعوا دائرة تناول القضية الكردية في سوريا، على نحو وطني، فوضعوا بذلك اللبنات الأولى  للعلاقة بين المثقف الكردي، وأخوته السوريين، ممن باتوا ينفتحون على القضية الكردية، وإن كان هناك من سيحافظ على رؤيته وموقفه من الكردي، بعقلية تكاد لا تختلف عن عقلية “اللانظام” نفسه.
ثمة تجربة طويلة، تمت بيني وصديقي التمو، شهدت فيها عن قرب  مواقفه البارزة، ولعلي هنا، سأتذكر نقطتين مهمتين -وهما غيض من فيض- كان لأبي فارس دوره البارز فيها، ودلتا على أنه-بحق-فارس الموقف، وكلتاهما من” بحر” ذكريات ووقائع انتفاضة 12 آذار2004
الأولى، إنه أثناء هذه الانتفاضة، وتمكين الاستبداد الأمني الحصار على كرد سوريا -بشكل عام- وكرد قامشلي-بشكل خاص-لعب صديقي مشعل دوراً بارزاً  خلالها، ومن بين ذلك قيامه بمهمة كبرى، لم يكن أحد يستطيع القيام بها، حيث غامر بروحه، والتقانا –وهو برفقة حرمه- بعد أن أنجزتلك المهمة، لينضم اسمه-في هذا المجال- إلى أسماء شبان أبطال، خدموا العملية الإعلامية، وذلك عبر قناة محددة، فأكبرت موقفه، ومواقف هؤلاء الشبان-ممن أتمنى من الله-أن يمنحني من العمر ما أتمكن من أن أفيهم جميعاً حقهم بالكتابة التي توثق بطولاتهم.
الثانية، وهي أيضاً، كانت في فترة الانتفاضة المباركة نفسها، عندما طلب بعض ممثلي لجان المجتمع المدني وحقوق الإنسان أن يأتوا إلى –قامشلي- ليقفوا على حقيقة ما يجري، في الوقت الذي جربت ماكنةالإعلام الكاذب تزويرها بحق الكردي، وكان أن اتصلوا بأحدهم، فوضع العقبات أمام مجيئهم، بيد أن مشعل بادر على الفور-وكنا ببيتي ومعنا بعض الأصدقاء وقال لأحد هؤلاء: تعالوا غداً، وجاؤوا حقاً في اليوم التالي، وعقدنا لقاء جماهيرياً مفتوحاً في ساحة بيتي، وبقي هؤلاء أياماً، وكتبوا تقريراً مطولاً فيه الكثير من النقاط المنصفة التي سنظل نحتكم إليها، كوثائق عن الانتفاضة، وإدانة الاستبداد، لأنها كتبت من قبل حقوقيين سوريين، وأتذكر أن الراحل إسماعيل عمرساعدنا بتغطية جزء كبير من نفقات مقدم وإقامة هؤلاء، والبقية من الحديث يعرفه الشهود المطلعون.
إن إيراد هاتين النقطتين- من “معجم” مواقف التمو- وعبر هذه الوقفة العاجلة، قد يكون-في حقيقته إجحافاً بحق شهامة وشجاعة الرجل، بيد أن في ذاكرتي  آلاف المواقف المضيئة له،  آملاً أن أتمكن من تدوينها-إنصافاً- لهذا الكاتب، والقائد السياسي، والمناضل البارز.
وداعاً صديقي أبا فارس،  وثق أن الحلم الذي كان يساور روحك، من أجل سوريا جديدة، يكون فيها الكردي شريكاً في وطنه، لا ضيفاً طارئاً كما روج لذلك العقل الشوفيني، لهو قريب، حيث سنطلق اسمك على المراكز الثقافية، وعلى شوارع المدن، ليس في قامشليتك-فقط- بل في سوريتك من أقصاها إلى أقصاها،  سوريا التي كانت محورآخر حديث بيننا في ظهيرة هذا اليوم الأسود.

7-10-2011

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…