تثبيت الكتف بين النظام السوري والمعارضة

عمر كوجري

  أفضل المتفائلين لم  يتوقعوا أن تستمر الانتفاضة السورية بهذا الزخم، وهذا الانتشار طيلة سبعة أشهر، خصوصاً أنها لا في البداية ولا الآن لم تقابل برمي الورود ورش الماء البارد على وجوه المتظاهرين السوريين لينتعشوا، ويستمروا في سلك الطريق الذي رسموه في أشهر الصيف الحار التي مضت.

 فقد واجه المتظاهرون الرصاص والقتل اليومي بصدورهم العارية، ومع كل هذا العنت الذي لم يكن ثمة أي مبرر له أو داع له، مازالت الشوارع السورية تصدح بأصوات وصرخات وآهات ودماء السوريين المنتفضين، والذين لم يقرروا رفع الراية البيضاء بعد السيل الكبير للدماء التي سالت، والفاتورة الغالية جداً التي كانت أوراقها أرواح الشباب السوري، وهم يقنعون أنفسهم قبل إقناع أي آخر بأن ما سيقدّم لن يكون أكثر مما قدّم، وأفدح مما قدم.
  كفة الترجيح تبدو والحال هذه متوازنة بين طرفي النزاع – إن صحت التسمية-  ولم تترجح لا لفريق النظام ولا لفريق المعارضة، ولعبة كسر العظم وتثبيت الكتف مستمرة، أي نحن حالياً نتفرج على مباراة، الانطباع الأولي لها هو التعادل السلبي لا الإيجابي.
ومع ذلك النظام ماض في حله العسكري – الأمني، ولا يتوانى في ضرب التظاهرات الشعبية بأيد من حديد ونار، يساعده على ذلك ولاء الجيش والأمن له، وكذلك ولاء الإعلام بجميع صوره لمعركته” إن صحت التسمية” وبالتوازي يقول إنه يقوم بإصلاحات واسعة، ويصدر بين الفينة والأخرى قانوناً جديداً أو مرسوماً جديداً، بيد أن المعارضة ترى أن عربة الإصلاحات بطيئة جداً، وبعضها فات أوانها!!
  الإعلام يحاول تجريد الانتفاضة من مبرر وجودها وجعلها جسماً ملحقاً بالخارج، وربطها بالعصابات الإرهابية المسلحة والسلفيين والإرهابيين، واستعداء كل الإقليم من أتراك والبعض اللبناني القريب من الحدود والبعض الأردني أيضاً القريب من الحدود، إضافة إلى إلصاق تهمة التحريض التي تقوم بها القنوات الفضائية” المغرضة والمعادية” والدعوة الصريحة إلى عدم التفرج إلى هذه القنوات وضرورة توليف تلفزيونات السوريين على الفضائية السورية وتلفزيون الدنيا والإخبارية السورية” التي مازالت تحت رحمة البث التجريبي منذ فترة طويلة”
  
 من جانبها المعارضة ماضية في سراحها ورواحها و”كزدرتها” في الشوارع السورية، وهي تعرف أن هذه الكزدرة ليست لعبة مسلية، فمن الممكن جداً أنه عندما يقرر أحدهم الخروج والتظاهر وحتى التواجد في الشارع المغتلي قد لا يعود مساء إلى منزله بين أولاده كتلة من حيوية ونظرة متفائلة لمستقبل أفضل له ولهم، بل  جثة هامدة.
 ثمة مَن يرى أن النظام ليس بمقدوره سحب الجيش وكف أيدي الأمن والشبيحة عن الناس، لأن إفراغ الشوارع من الحالة الأمنية والعسكرة يعني ملأها على آخرها بمنتفضين كثر جدد، كانوا يخشون على حياتهم من الموت المحتم، وبالتالي يفهم أن النظام لن يحيد عما اختطه ومنذ بداية الأحداث رغم أصوات الأشقاء” العرب” والأصدقاء في الإقليم وحتى المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة، ولو يعرف النظام أن زخم المظاهرات سيسير على المنحى الحالي دون زيادة” مفرطة” ربما لاستجاب كرمى لعيون ” الأصدقاء” الروس على الأقل، لكن لا حيلة باليد!!
والمعارضة بأنواعها الداخلية والخارجية – حسب تصنيف النظام- والعلمانية والإسلامية والمدللة وو أيضاً لا يستطيع طيف واسع منها أن يعود للمنزل والعيش في كنف العائلة بسلام ووئام، فهي ترى أن ثمن العودة أبهظ مما متوقع، وستكون العودة بمثابة الخسارة والدحر، وهذا سيمنح النظام المبرر ليفتك برموزها، وسيسري عليهم وعلى الخارج بأن الروايات التي كانت تقال عن ” إرهابية ووحشية” هؤلاء لم يكن كلاماً عبثاً، لذا يستوجب على الدولة ضرب ” القتلة” بأيد من حديد ونار، لأنها أي المعارضة” خانت وطنها، وباعت ضميرها، وارتهنت كرامة السوريين للخارج الدخيل”
إذاً: كلا الطرفين يعيشان حالة اللاثقة المتبادلة، وهذه مشكلة عويصة وللطرفين معاً.
 هل يعيش النظام أيام اللاعودة عن قرار ” الحل الأمني” ؟ وهل تعيش المعارضة مأزق عدم التراجع بعدما رفعت سقف مطالبها من شؤون وشجون مطلبية حياتية إلى إسقاط النظام، ورفض أي حوار معه؟
المشكلة الكبرى أن النظام حتى الساعة لم يعترف بالمعارضة، ولا يبدو أنه سيعترف بها مستقبلاً، وهو يرى إما معارضة على ” مقاس” أجندته ورؤاه، وما تبقى ” خونة وعملاء” فكيف سيظفر السوريون في هذه الأجواء الشديدة الاحتقان بحل قريب يرضي الجميع نظاماً ومعارضة؟؟
 المعارضة بدورها أحرقت كل مراكبها مع النظام، ولا عودة عن قرارها الذي تتبناه، وتسمعه للآخرين كل يوم.
كيف الخلاص من هذا المأزق؟
كل الحلول بأيدي النظام، وبعض الحلول بيد المعارضة، والسيناريوهات كثيرة، لعل أبسطها العمل على  استعادة الثقة بين الجانبين، والكف عن تجييش الإعلام لمصلحة النظام ضد المتظاهرين السوريين، وقرن القول بالعمل فيما يخص جدية الإصلاحات وتسريع وتيرتها، وعدم توريط الجيش مستقبلاً بهكذا موقعة خاسرة، وإعادته إلى ثكناته، والاستجابة لكل المطالب المحقة مهما غلت الأكلاف، وعظمت التضحيات.

فأيُّ سير للنظام في هذا الطريق لن يكون بمثابة قراءة الفاتحة على روحه، ولن يكون ذلك تنازلاً بقدر ما سيساهم في حقن دماء السوريين كل السوريين.
ينبغي أن يسمع النظام صوت السوريين أولاً وقبل أيِّ أحد، ولا يخطط لإرضاء هذه ” الجهة ” الخارجية” أو تلك، إرضاء السوريين أهم وأجدى وأسهل بالتأكيد.

  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…