سوريا السلطة – المعارضة وجوهر الصراع

الدكتور عبد الحكيم بشار
 

إن السلطة الاستبدادية القمعية في سوريا التي حولتها إلى سجن كبير لشعبها ، دأبت خلال عقود من الزمن على تغيير الواقع الفسيفسائي الجميل والمتعدد القوميات والثقافات لسوريا ، وتحويله إلى لون واحد فكراً وثقافة وسياسة ، وإلغاء التعددية القومية من خلال سعيها إلى صهر القوميات الأخرى خاصة الكردية بكل السبل والوسائل ، وهي لا تحتمل تعدد الآراء والأفكار ، بل عملت قسراً على أدلجة كل المجتمع السوري بما يخدم مصلحة النظام لوحده ، واعتمدت في سياستها على شعارات براقة من قبيل (فلسطين جوهر الصراع العربي الإسرائيلي – دول الصمود – الممانعة – دعم المقاومة) وعملت على الترويج لهذه الأفكار في المدارس والمعاهد وجميع مؤسسات ودوائر الدولة وحتى النقابات والاتحادات المختلفة .

وفي الاتجاه المقابل عملت على منع الحريات والنشاط الفكري والسياسي والثقافي ، إلا تلك التي تدور في فلكها ، وبذلك هيأت المناخ لتشكيل معارضات مشوهة نسبياً في الكثير من جوانبها الفكرية والسياسية ، فرغم أن المعارضة كانت تطالب بإصلاحات ديمقراطية (سابقاً قبل الثورة) في سوريا إلا أنها هي نفسها اعتمدت نفس الشعارات التي تستعملها السلطة ولفترة طويلة ، وغالت كثيراً في النهج القومي إلى درجة الشوفينية في صراعها مع السلطة ، إلا أن تغيرات عميقة حصلت في المنطقة ودشنت الثورة السورية لمرحلة جديدة اتسمت بكسر حاجز الخوف ومواجهة آلة القمع والقتل السلطوية بصدور عارية ، والمطالبة بإسقاط النظام مما أفرزت مفردات سياسية جديدة ، ومصطلحات تنسجم مع المرحلة وتستجيب لمتطلباتها ، فاتخذ الصراع مع السلطة طابعاً آخر ، وهنا يمكن أن نميز نوعين متمايزين من الصراع :
1- الصراع على السلطة
2- الصراع من أجل مستقبل سوريا
1- الصراع على السلطة : رغم أن السعي للوصول إلى السلطة هو حق مشروع لكل معارضة وطنية سياسية من أجل تنفيذ سياساتها وبرامجها الحزبية ضمن أوطانها وهو بالتالي حق مشروع أيضاً للمعارضة الوطنية السورية بكل أحزابها وتياراتها الفكرية والسياسية .
وفي هذا الإطار فإن الصراع قد يأخذ في جانب منه صراعاً مع السلطة على السلطة وهو أيضاً في نفس الوقت صراع بين المعارضة ذاتها من أجل الوصول إلى السلطة وبناء عليه فإننا كحركة كردية قد نكون جزءاً من هذا الصراع أو لا نكون ، وهذا يعتمد على برامج تلك الأحزاب وسياساتها عامة وحول القضية الكردية على وجه الخصوص .
2- الصراع من أجل السلطة مستقبل سوريا : إن الوضع الاستثنائي الذي مر ويمر به البلد سواء لجهة تطبيق الاستبداد المطلق والقمع المفرط والقتل بحق الشعب السوري ، أو لجهة اندلاع الثورة في سوريا ، يفترض بالقوى الوطنية الديمقراطية تأجيل أجنداتها الخاصة والعمل على الاتفاق والتوافق في ما بينها حول مستقبل سوريا وكيف تراه وكيف يفترض أن يكون ، وهذا بالتحديد أحد أهم المشاكل التي تعاني منها المعارضة السورية من حيث افتقارها إلى برنامج وطني واضح ينطلق من واقع سوريا التعددي الفسيفسائي ، فبلدنا سوريا هو بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب ودون الخوض في تفاصيل هذا التعدد والذي يعبر عن نفسه واقعياً ، ألم تطرح المعارضة السورية على نفسها سؤالاً رئيسياً وهو اقتصار الثورة بشكل رئيسي على المكون العربي المسلم ، ومشاركة مقبولة من قبل الكرد بينما بقاء المكونات والأديان والمذاهب الأخرى حتى الآن صامتة ومتفرجة تجاه الثورة إن لم يكن قلقاً ، وإن مشاركة بعض النخب السياسية والثقافية من تلك المكونات لا يعني بأي شكل من الأشكال مشاركة تلك المكونات ؟ إنه سؤال واستفسار واستفهام هل إن تلك المكونات جميعها هي خونة وعملاء أو موالين للسلطة ؟ أم أن هناك شيء آخر ؟
أعتقد جازماً أن جميع تلك المكونات بكتلتها المجتمعية هي أطياف وطنية بعمق ولكن لعدم وجود برنامج وطني واضح لدى المعارضة وتأجيل رؤيتها لمستقبل سوريا إلى ما بعد التغيير ، كما نقول تخلق هواجس مشروعة لدى تلك المكونات ، لذلك فإن على المعارضة وبدلاً من تداول قضايا ثانوية بشكل متكرر في لقاءاتها ومقابلاتها التلفزيونية عليها أن تطرح برنامجاً وطنياً واضحاً وتجيب على الأسئلة المشروعة لمختلف المكونات بشكل جلي حتى تخلق لديها الاطمئنان وتوفر لها الضمانات الوثائقية والتعهدات المطلوبة بأن مستقبل تلك المكونات بعد التغيير سيكون أفضل وبذلك يتحول الصراع على السلطة ومن أجل السلطة إلى الصراع حول مستقبل سوريا بتحويلها من دولة أمنية قمعية استبدادية أحادية في كل شيء إلى دولة ديمقراطية تعددية دستورية مع ضمانات حقيقية لكل أطياف المجتمع السوري .
هذا هو جوهر الصراع الذي يجب أن يكون والذي يكفل بانخراط جميع مكونات الشعب السوري في الثورة والحراك الشبابي .
21/9/2011

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…