أوهام السوريين و أساطير الأولين

أحمد عبدالقادر محمود 

الإيمان بأمرٍ ما ، يحتاج إثبات على صحته  ،و إلّا يكون إعتقاداً وهمياً ، تبنى عليه ممارسات و أفعال من جنسه ، مما يفتح الأبواب أمام كوارث تصيب المجتمع في مقتل ، و تجعل من أفراده كائناتٍ غير مدركة و غير واعية ، بحيث تبدو الأغلاط و الأخطاء في العرف المجتمعي الصحي وحسب المبادئ العامة القويمة ، أمامهم هي الصحيحة التي لا تشوبها أي شائبة ، هؤلاء الأفراد يتحولون بفعل هذا التراكم المعرفي الوهمي إلى سيوفٍ مسلطة على رقاب الناس المخالفة لهم ، مما يبرز حالة عدائية ، تصل إلى حد القتل . 

كان لا بد من هذا التوضيح ، كي نشير إلى أن أي دولة ستكون فاشلة ، مهما كان شكل الحكم فيها إذا ما افتقدت القانون الناظم لحياة الناس المختلف الأشراب ، وهنا أعني القانون المدني ، كون وجود مكونات مختلفة الأعراق و الأديان يعيشون جنباً إلى جنب ، وخير مثال هو حال الدولة السورية الآني ، فبعد أن قفز المتحدثين باسم الله سدة الحكم ، مستغلين الفوضى العارمة  التي ضربت أرجاء الدولة السورية و تصدروا المشهد السياسي فيها ، تحولت سوريا من حالة الاضطراب السياسي إلى الفوضى العقائدية والمذهبية ، بالتالي بروز الإرهاب الديني ، وعلى رأس المتحدثين باسم الله هم من تبنوا السلفية الجهادية التي وضع نظريتها سيد قطب في كتابه الشهير معالم في الطريق ، كمبدأ حاكمية الله ، تطبيق شرع الله بالقوة ، و الطلب في ذلك على أي بقعةٍ جغرافية في الأرض لا تحتكم لشرع الله ، مما أسس لنشوء حركات جهادية كالقاعدة و فيما بعد دولة الإسلام في العراق و الشام ، التي أفرزت جبهة النصرة التي ضمت تحت لوائها فصائل أخرى و تحول أسمها لهيئة تحرير الشام ، التي طرحت نفسها نتاجاً للثورة السورية !؟ ، الكل بات يعرف كيف وصلوا لسدة الحكم !،  لكنهم وصلوا ، فرح الناس بسقوط الطاغية المجرم ونظامه الفاسد ، ولكن سرعان ما أستفاق بعض الناس من سكرة الفرح هذه ، وعادوا للرشد بعد أن تبين لهم أنه لم يكن سقوطاً للنظام أنما هو فقط تغير في الوجوه والأشخاص ، فالأستئثار بالسلطة هوهو و الفساد هو هو و الإجرام بحق المخالف هو هو ، لا بل هناك إضافة لم يكن النظام السابق رغم إجرامه وفساده  ‘يعمل عليها و هو الخضوع لإرادة الدول الأقليمية و ما بعد الإقليمية على حساب الشعب ، ومغازلت الغرب ، وإرضاء إسرائيل و أمريكا بكل السبل ، وهنا برزت أيضاً فئة موهومة من الشعب السوري آمنة بهم ليس لكونهم بناة لسورية الحديثة المفيدة ، بل لأوهام و أخيلة في تصورهم بأنهم بزرة إعادة قيام الخلافة الإسلامية ، التي ستكون منطلقاً لتحرير بقية الدول الكافرة بنظرهم و على رأسها تحرير القدس من الصهاينة كما وعدهم شيخهم المغوار أبو محمد الجولاني ،  و الحال هذه أنقسم السوريين إلى واهم مطبل ، ومرتزق مهلل و مصدومٍ معتل ، و معارضٍ مستبسل ، و مستنفعٍ متوسل .

ختاماً سوريا دولة و شعب امام سلطة حراكها مضاد للمستقبل و اتجاهها نحو الماضي . 

هولير \إقليم كردستان  

شارك المقال :

1 1 vote
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 Comment
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Jihan
Jihan
3 شهور

المقال يستحق النجمات الخمس ، شكرا لك استاذي 🌸🌸🌸🌸

اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…