مصطفى جاويش
الوضع القائم في سوريا، من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، لا يسر صديقا أو محبا لسوريا. فالسلطة الحاكمة في دمشق كثرت أخطاؤها وما زالت تعمل بعقلية الفصائل، لا بعقلية الدولة التي تراعي مصالح جميع أبنائها من كل الأطياف والأعراق، وعلى مسافة واحدة من الجميع بغض النظر عن الانتماء.
فالدولة الفصائلية التي تقود البلاد بلون واتجاه واحد، والفصائلية المتعددة التي ما زالت بعيدة عن بناء جيش وطني يحمي الشعب من تغول السلطة ويحافظ على حدود الوطن، تأتي ضمن ظروف محلية وإقليمية ودولية معقدة.
فمن جهة الجنوب، فرضت إسرائيل سيطرتها العسكرية والأمنية على ثلاث محافظات: القنيطرة، السويداء، ودرعا، وجعلتها منطقة تابعة للنفوذ الإسرائيلي. وفي الشمال الشرقي، ثلاث محافظات أخرى خارج سيطرة حكومة دمشق وهي: الحسكة، دير الزور، والرقة، بحماية القوات الأمريكية وقواعدها في المنطقة.
أما في الشمال السوري، فإن ريف حلب وإدلب خاضعان للنفوذ التركي وقواعده، وكذلك اللاذقية وطرطوس في الساحل السوري تخضعان جزئيا للنفوذ الروسي، مع وجود صراع خفي في بقية المحافظات بين أنصار بناء الدولة وأنصار المجاهدين.
كل هذه الصعوبات التي تواجه حكومة دمشق، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي والمعيشي السيئ الذي تمر به البلاد، تشكل عوامل ضاغطة على الحكومة السورية للتصرف بعقلانية وحكمة، والبدء بلغة الحوار والتفاهم بين أبناء الوطن، بعيدا عن لغة التهديد والوعيد وتخوين كل من يخالفها الرأي.
المطلوب هو الوصول إلى صيغة خطاب وطني جامع لكل السوريين، وكتابة دستور مدني يحفظ حقوق جميع مكونات الشعب السوري، ولا يستثني أحدا ولو كان فردا واحدا، مع إجراء انتخابات حرة وديمقراطية لتأسيس دولة القانون والعدالة، دولة الوطن والمواطنة المتساوية.
ورغم كل الظروف الصعبة التي تمر بها سوريا، أعتقد أن الوقت لم يفت بعد لبناء دولة مدنية إذا توفرت الإرادة السياسية لدى حكومة دمشق، إلى جانب توافق الدول المحيطة بسوريا والدول صاحبة القرار على وحدة سوريا واستقرارها، خاصة أنه لا أحد يسعى حاليا إلى خلق الفوضى فيها.
Mustafa jawish