المُثقف القاتل

حسين جلبي


إختار الآبوجيون قلب فؤاد الصغير ليطلقوا عليه رصاصة مُباشرة مزقته و أوقفته عن الخفقان إلى الأبد.

فؤاد بشير علي هو شاب في مُقتبل العشرينيات من العُمر من قرية السويدية، كان يحمل في قلبه من أصبحت زوجةً لهُ منذُ سبعة أشهر فقط، إضافةً إلى طفلٍ كان يقوم بتهيئة مكانهُ إلى جانبها، و كان يحمل على ظهره ما يسدُ به رمق عائلتهُ الصغيرة تلك، أحضره لها من إقليم كُردستان.
بسبب الوضع المُزري في المنطقة (المُحررة) أُضطر فؤاد مثل غيره للعمل على الحدود المُشتركة مع إقليم كُردستان ليُعيل أسرتهُ الصغيرة، و ليُهيأ ما يحتاجه زائرٌ صغير يتوقع قدومه في القريب.

لم تكن الأشياء البسيطة التي يحملها فؤاد تُمكنهُ من المرور عبر معبر(سيمالكا إخوان) لدفع المعلوم لحيتان التهريب فيه، فكان خطأه القاتل في المرور بجانبه و الذي كلفهُ حياته، و قد نفى الأشاوس في البداية أي علم لهم بموضوعه إلى أن تسرب خبر مقتله من مشفى ديرك.
و هنا يطرح السؤال نفسهُ: لماذا لا يعتبر الكُردي الذي يُقتل برصاص الكُردي الآخر بشراً مثل قاتله؟ لماذا يتم تجاهله بهذه الصورة الرخيصة المُريبة التي تصل
 إلى حدود التواطؤ؟ تُرى ألم يكن فؤاد ليُعتبر شهيداً و تقام لهُ مراسم العزاء اللائقة لو كانت خلفهُ قوة مُسلحة تشبه تلك التي أطلقت النار عليه؟ ألم يكن مثقفونا الأشاوس، كتاباً و شعراء و مدونين ليندفعوا حينها لنظم المعلقات في بطولاته و هو يكسر الحصار المفروض على أهله؟ أما و إن الحال لكذلك فقد إعتبروا مقتله مع من سبقهُ من المغدور بهم مُجرد أرقام عابرة تجاهل الكثيرين حتى المرور عليها أمام المقدسات المُزيفة كالفدرالية و الإقتتال الأخوي و منع الفتنة، و الحقيقة أن الأمر يتعلق بالخوف و المصلحة لا شئ سوى ذلك.
لقد قرأتُ بعض كلمات التعزية في الشاب المغدور الذي نُشرت نعوته، جُلها يتناول الواقعة و كأن المرحوم قد مات على فراش المرض أو في حادثٍ مروري عابر، لا أحد يستنكر الجريمة أو يدعو للتحقيق فيها أو تقديم القتلة للعدالة، لكن الذي صدمني حقيقةً هو أني لم أجد بين الُمعزين أسماء لفطاحل الثقافة الذين يتبارون في إستغلال مثل هذه المُناسبات للتذكير بوجودهم و لإظهار لونهم الأدبي.

يا إلهي ما الذي جرى للناس؟ ما الذي جرى للمُثقف الكُردي؟ لماذا أصبح ذيلاً مُتهالكاً تلطخهُ كل القاذورات أثناء خوضهُ رحلةً إختيارية خلف متبوعه؟ لماذا أصبح خطهُ البياني يوصل إلى سيد جاهل و ليس إلى إنسان حُر؟ لماذا فقد إحترامه و أصبح ما يكتبه لا يقرأه أحدٌ سواه؟ ألهذه الدرجه عقد الخوف لسانهُ و أصبح جباناً و إنتهازياً يتجنب إغضاب القتلة و يخاف على مصالحه الدنيئة في سبيل زيارة إلى الوطن على سبيل المثال أو غير ذلك من الأشياء الرخيصة حتى لو كانت مصالحه تمر عبر الخوض في دماء الأبرياء؟ أليس مثل هذا السكوت المُخزي توقيعاً على صكٍ أبيض يخول القتلة الإستمرار في القتل؟ أقولُ قولي هذا و يتجسد أمامي خلال ذلك نماذج من إمعات إمتطت الثورة و إستفادت منها و هي غير مستعدة لقول كلمة الحق خشية أن تكلفها فقدان بعض إمتيازاتها ما دامت الضحية هي الآخر، أمامي كذلك نماذج أكثر سوءاً جعلت من هؤلاء إنموذجاً تسعى لتقليده و اللحاق به بكل ما تملكه من قوة.

تُرى لماذا أصاب التصحر الثقافة الكُردية فأصبح المُثقف يختار القضايا الأسهل التي تدر عليه المغانم و تجنبهُ المغارم؟ تُرى لماذا لم أعُد أقرأ آلامي و آمالي في كل ما يُكتب بحيثُ أقول و أنا أقرأ أي شئ: لقد وضع الأُصبع على الجُرح و ها هو في سبيله إلى الشفاء؟ تُرى لماذا تحول المُثقف إلى رصاصة خُلبية في يد أُمته و لماذا تحول صمتهُ المتعمد إلى رصاصة مُتفجرة في يد القتلة في الوقت ذاته؟ تُرى لماذا مات المثقف و يتجسد أمامنا الآن كومة من الغرائز منها غريزة البقاء؟ لماذا لم يعُد الناس يرون فيما يُكتب خطوطاً مستقيمة توصل بين الحقيقة و العقل في حين أنهم يلمسون خطوطاً متعرجة تزيد خسائرهم و خيباتهم؟
رحم الله الشهيد فؤاد و صبر ذويه، الخزي و العار للقتلة و المتواطئين معهم من خلال صمتهم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…