صديق شرنخي
لطالما كانت الهوية الكردية في سوريا قضية صراع مستمر، تتأرجح بين سياسات الإنكار الممنهج من قبل الحكومات المتعاقبة وطموح شعب يتمسك بوجوده على ارضه التاريخية و بلغته وثقافته.
لم يكن النضال الكردي في سوريا مقتصرًا على المطالب السياسية فحسب، بل كان في جوهره صراعًا من أجل الوجود والاعتراف بالذات، حيث شكلت الحقوق الثقافية واللغوية حجر الزاوية في هذا النضال.
يمكن القول إن السياسات الرسمية في دمشق قامت على ثلاث ركائز أساسية تجاه الكرد: الإنكار، التهميش، والتغيير الديموغرافي. لم تكن هذه السياسات مجرد إجراءات عابرة، بل كانت استراتيجية ممنهجة لـ “عربنة” المناطق الكردية وطمس هويتها. من أبرز فصول هذه المأساة كان إحصاء عام 1962 الاستثنائي، الذي جرد مئات الآلاف من الأكراد من جنسيتهم، وحولهم إلى “مكتومي القيد”. لم يكن الهدف من هذا الإجراء مجرد سحب الجنسية، بل كان شل حركتهم اجتماعيًا واقتصاديًا، وحرمانهم من حق التملك، والوظيفة، والتعليم، وحتى السفر، مما خلق جيلًا كاملًا من الأكراد المحرومين من أبسط حقوق المواطنة.
توازيًا مع ذلك، فرضت الحكومات المتعاقبة حظرًا قاسيًا على كل ما هو كردي. كانت اللغة الكردية ممنوعة في المدارس والإعلام والوثائق الرسمية. تم تجريم نشر الكتب والصحف الكردية، بل وحتى الاحتفال بعيد نوروز، الذي يمثل رمزًا عميقًا للهوية الكردية، كان يتطلب شجاعة فائقة. لم يقتصر الأمر على ذلك، ففي إطار سياسة “الحزام العربي”، تم تغيير أسماء القرى والمدن الكردية إلى أسماء عربية، في محاولة لمحو الذاكرة التاريخية والثقافية للمنطقة. هذه الإجراءات لم تكن مجرد قرارات إدارية، بل كانت هجومًا مباشرًا على الهوية الكردية في الصميم، بهدف تحويل الأكراد إلى أقلية منزوعة الجذور ومحاصرة في وطنها.
مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، وتغير موازين القوى على الأرض، شهدت المناطق الكردية في روجافا تحولًا تاريخيًا. استغل الأكراد الفراغ الأمني والسلطوي لملء الفراغ السياسي، ما أتاح لهم فرصة غير مسبوقة لإدارة شؤونهم بأنفسهم. تمخض عن هذا التحول ولادة الإدارة الذاتية في المنطقة الكردية، التي وضعت مسألة الحقوق الثقافية واللغوية في اهتمامها. ولأول مرة في تاريخ سوريا الحديث، أصبحت اللغة الكردية لغة تعليمية معترف بها في المدارس، وباتت تدرس جنبًا إلى جنب مع اللغة العربية. هذا الإنجاز، وإن كان محصورًا في مناطق الإدارة الذاتية، يمثل تتويجًا لعقود من النضال والصمود، وخطوة أساسية نحو استعادة الهوية المسلوبة.
رغم أهمية هذه الخطوات، تظل التحديات جسيمة. فما حققه الأكراد على الأرض لا يزال بحاجة إلى اعتراف رسمي وتثبيته في دستور البلاد ،وما التجاذبات الانية في ظل حكومة الشرع في انكار الاعتراف بالحق الكوردي والمحاولات الشوفينة القومية الاسلاموية السائدة الا استمرار للنهج البائد .بحيث انه قد يطلق مرحلة جديدة للصراع في سوريا .