خوشناف سليمان
منذ تأسيس الجمهورية السورية الحديثة، دأبت السلطات المركزية. سواء في عهد حزب البعث أو في الحقبة التالية لسقوطه. على استقطاب شخصيات دينية ذات خطاب معتدل ظاهريًا. لتقديم واجهة تصالحية تخفي البنية الأمنية العميقة للدولة. في هذا السياق الممتد. يبرز اسم حسن الدغيم كواحد من أكثر رجال الدين توظيفًا في خدمة السلطة. سواء في عهد النظام البعثي السابق أو في ظل حكومة دمشق الجديدة بقيادة جولاني أحمد شرع.
تغير الاسماء و ثبات الجوهر.
بعد انهيار سلطة الأسد كان من المفترض أن تبدأ سوريا مرحلة جديدة من الانفتاح السياسي وإعادة بناء الدولة على أسس مدنية وديمقراطية. تراعي التنوع القومي والديني. لكن ما حدث فعليًا هو انتقال النفوذ من سلطة عسكرية بعثية إلى حكومة هجينة. تجمع بين قوى أمنية وقومية عربية متشددة. تحت قيادة جولاني أحمد شرع. الذي ورث مركزية القرار ورفض اللامركزية. بل زاد عليها بقدر من الشعبوية القومية الدينية.
في هذا السياق. حافظت السلطة الجديدة على بعض الأدوات القديمة. وعلى رأسها شخصيات دينية وظيفية مثل حسن الدغيم. الذي بات يُستخدم كجسر دعائي بين الدولة الجديدة والجمهور السنّي. لتسويق الحوار الوطني. دون منح أي مساحة حقيقية للمكونات المهمشة. وعلى رأسها الكرد.
علاقة حسن الدغيم بالسلطة.. من البعث الى جولاني .
في عهد الأسد. كان الدغيم واجهة إسلامية مقبولة. تستخدم في لجان الحوار الرسمية. أما في عهد أحمد شرع. فقد تحوّل إلى شريك صريح في مشروع إعادة إنتاج الدولة المركزية بقالب جديد.
رغم أن الدغيم سبق أن هاجم شرع شخصيًا واتهمه بتهم تمسّ شرفه ونسبه. فإن مصالح السلطة جمعت بينهما في لجان الحوار التي أسّستها حكومة شرع. مما يؤكد أن ما يجمع الطرفين ليس القناعة. بل الدور الوظيفي.
وبذلك:
– حافظ الدغيم على موقعه داخل دوائر القرار. رغم تغير النظام.
– لم يطالب أبدًا بلجنة حوار تمثل القوى الكردية الحقيقية أو القوى المدنية المستقلة.
– تبنّى خطاب الدولة الجديد/القديم نفسه.. رفض الفدرالية او اللامركزية. رفض الإدارة الذاتية. وتجريم الطموح القومي الكردي.
وظيفة الدغيم في حكومة شرع.
في ظل إدارة أحمد شرع. الذي أتى من خلفية غامضة ومثيرة للجدل. تحوّلت السلطة إلى تحالف بين رموز شعبوية وواجهات دينية ومراكز نفوذ أمنية سابقة. واحتاج هذا التحالف إلى أصوات تهندس الخطاب العام بما لا يحرج المجتمع. ولا يمكّن المعارضين.
هنا يظهر دور الدغيم. كـ..
– صمام أمان ديني معتدل. يجمّل تسلّط الدولة باسم التعايش.
– ممرّ آمن لرفض حقوق الكرد. دون استخدام خطاب بعثي فج.
– ورقة تفاوضية أمام المجتمع الدولي لإظهار الحوار والتعدد.
القضية الكردية في ظل حكومة شرع تصعيد الإقصاء لا طي الملفات.
رغم سقوط النظام البعثي. فإن حكومة شرع لم تقدّم أي بادرة تجاه حلّ جذري للقضية الكردية. بل أعادت تدوير الخطاب القومي التقليدي. مع مسحة دينية أكثر خطورة. فرجال الدين. الذين يفترض أنهم ينادون بالعدالة والحق. باتوا يمارسون دور شرعنة الإقصاء القومي.
موقف حسن الدغيم من الكرد. ضمن هذا السياق:
– لا يعترف بهم كقومية لها حق تقرير المصير.
– يرفض مشاريع الإدارة الذاتية ويعتبرها أجندات خارجية.
– يروّج لمقولات وحدة التراب السوري على حساب الحقوق التاريخية.
الواجهة الدينية كأداة للهيمنة القومية ..
الانتقال من حكم الأسد إلى حكومة شرع لم يرافقه أي تغيير بنيوي في مفهوم السلطة. ظلّت سوريا دولة تنكر التعدد القومي. وترفض اللامركزية. وتُقصي الكرد سياسيًا وثقافيًا. الفرق أن أدوات الإقصاء تغيّرت..
– في عهد الأسد.. أجهزة أمنية. حزب بعث. خطاب قومي شوفيني.
– في عهد شرع.. مؤسسات هجينة. خطاب ديني قومي. واجهات مدنية متواطئة.
ضمن هذه التركيبة. يصبح حسن الدغيم رمزًا لوظيفة دينية متواطئة مع مشروع إجهاض المطالب الكردية. مهما تغيّرت أسماء الحكومات.
من الاعتدال المزيف الى الشراكة في التسلط سلوك حسن الدغيم لا يعبّر فقط عن انتهازية فردية. بل عن منهج سلطوي في توظيف الدين لحرمان الشعوب من حقوقها. لم يكن في يوم من الأيام صوتًا للمهمشين. بل كان أداة لتسويق هيمنة الأكثرية. سواء في عهد البعث أو في عهد شرع.
إن قضية الكرد في سوريا. في ظل هذه الواجهة المضللة. تواجه تحديات مضاعفة:
– من جهة حكومة لا تؤمن بالتعدد.
– ومن جهة معارضة شكلية تخشى الاعتراف بالمطالب القومية.
– ومن جهة أخرى. رجال دين يلبسون رداء الحوار. ويشاركون في تقويضه.
ما لم تُكسر هذه الحلقة. وما لم يتم تفكيك خطاب الدغيم وأمثاله. فإن أي حوار سوري سيظل محصورًا في دائرة مغلقة. لا تعكس لا الواقع. ولا تطلعات الشعوب.