سوريا تتجه نحو التقسيم

عبد العزيز قاسم

ليس من المستغرب أن حكومة (الأمر الواقع)، كالحكومة السورية المؤقتة، التي أنبثقت من صلب هيئة تحرير الشام المصنف إرهابيا، ألا تُولي أي اهتمام للمشاكل الداخلية وقضايا الديمقراطية والحوار الوطني وحقوق الإنسان… لأنها لا تؤمن بالديمقراطية والعدالة والإنسانية، حتى أنها لا تؤمن بمفهوم الدولة الحديثة، وماتزال تعيش على استحضار الخلافة الإسلامية، فمن الطبيعي ألا تُولي هذه الحكومة أي اهتمام لحل المشاكل الداخلية في سوريا، التي لم يُعثر على حل لها منذ عقود.

يبدو اليوم أنها تُولي أهمية أكبر لعلاقاتها الخارجية على حساب عدم حل المشاكل الداخلية، وأيضًا لبسط وتعزيز نفوذها على الشعب السوري، وخاصة على الكرد والأقليات القومية والدينية، بدعم من بعض الدول الإقليمية كتركيا وعدد من الدول العربية. كما لوحظ أنها تحاول ربط قضية السلام مع إسرائيل باضطهاد الاقليات، أو جعل إسرائيل شريكة في جرائمها، كالأحداث المأساوية التي تجري حالياً ضد الدروز في السويداء. 

تعمل هذه الحكومة فعليا ومنذ أكثر من تسعة أشهر بدعم من تركيا وعدة دول عربية على إعادة تأسيس نظام إسلامي أحادي وديكتاتوري، خاصة بعد أن اعترفت بها الولايات المتحدة بدعم من السعودية وشطبها من قائمة الإرهاب، الأمر الذي كشف بوضوح النوايا الشريرة والحقيقية لحكومة دمشق تجاه الكرد والدروز والعلويين، وانكشفت الصورة الحقيقية لأحمد الشرع مجدداً ليظهر في هيئة تحرير الشام المصنف إرهابيا، خاصة بعد تصريح المبعوث الأمريكي إلى أنقرة وسوريا توماس باراك حول رفض الفيدرالية وحقوق المجموعات القومية والدينية في سوريا، مثل الكرد والدروز والعلويين والمسيحيين، الذين أصبح مصيرهم في خطر كبير، والذي قُرئ أيضاً على شكل رسالة خاطئة من قبل الحكومة المؤقتة وبدأت بتنفيذ مجازر وحشية في جنوب سوريا ضد الدروز، مع رفع شعارات عنصرية ضد الشعب الكردي.

واليوم كما نرى، فإن هذه الحملات التحريضية العنصرية والطائفية التي يمارسها نظام أحمد الشرع وانصاره عبر المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي ضد الكرد والعلويين والدروز، والتي ستؤدي حتماً إلى نتائج وخيمة  ومجازر مروعة كالتي نراها حالياً في جنوب سورية – من قتل المدنيين على أساس الهوية القومية أو الدينية، وإهانة واحتقار كرامة الإنسان، والاعتداء على الممتلكات وشيطنة الرموز الوطنية والدينية للطائفة الدرزية، وإعلان مقاطعة التجارة مع السويداء من قبل التجار و الصناعيين العرب السوريين لفرض حصار تجويع وتركيع على السويداء، وخطف النساء والفتيات الدرزيات والعلويات، والاعتداءات على الطلاب الدروز في جامعات حلب واللاذقية ودمشق، وإعلان النفير العام ضدهم من قبل العشائر العربية بحجة دعم العشائر (البدوية)…، كل هذا يرقى إلى مصافي الابادة الجماعية للدروز وإبادة جماعية لجميع الأديان والقوميات في سورية، تبين ذلك في تصريح وزير خارجيته الذي نفي نية الحكومة بإبادة الدروز، والنفي هو تأكيد على ذلك.

في ظل هذا الوضع المعقد والخطير، حيث تدفع الحكومة المؤقتة سوريا نحو الفوضى والانقسام من جميع الجهات، ورغم أن سوريا أصبحت عمليًا مقسمة، ولا تزال بعض المناطق مثل عفرين وسري كانيه تحت الاحتلال التركي، تواصل تركيا تهديداتها للشعب الكردي واتهامها للكرد بتقسيم سوريا، وتحاول الآن تكرار عدوانها على الكرد بذريعة منع تقسيم سوريا، بينما هي نفسها تقسم وتحتل سوريا. 

لذلك، ورغم هذه التطورات الأخيرة في جنوب سوريا، فإن الحاجة إلى الوحدة الكردية في كردستان سوريا تتزايد من جديد، واليوم هناك حاجة ماسة إلى وحدة الصف والموقف الكرديين، ومن الضروري تفعيل مقررات مؤتمر قامشلو (القامشلي)، ولا يمكن تجاهل نتائجه، ويجب على الكرد العمل بوفد موحد لأننا أمام مرحلة تاريخية وخطيرة، وقد تأخذ هذه المرحلة آفاقاً غامضة، خاصة وأن الحرب في السويداء (جنوب سوريا) خلقت وضعاً جديداً وتغير الكثير من الموازين لصالح الكرد والدروز والعلويين، وقد يكون عاملاً قوياً لإصرار الشعب الكردي على حقوقه القومية على جميع طاولات الحوار والمفاوضات، سواء في دمشق أو فرنسا أو في أي مكان آخر.

الترجمة من الكردية 

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…