️ خوشناف سليمان
لا يمكن الحديث عن دولة و لا عن سلطة و لا عن أمن. حين يعجز أي طرف عن كبح فوضى السلاح المنفلت. و حين تتحول العشائر المسلحة والفصائل الجهادية إلى سلطات واقعية تمارس العنف والتهديد والترويع في وضح النهار. وبتغطيات متعددة الأوجه.
واقع كهذا لا يفتح بابًا لحوار. بل يعمّق الشعور بأن هناك من يراهن على الفوضى كسلاح تفاوضي. فبدلًا من حوار يستند إلى مبدأ الشراكة الوطنية تطرح مشاريع تفرض على الطرف الأكثر تنظيمًا—الذي استطاع حماية مناطق واسعة من خطر الإرهاب—شروطًا أقرب للتجريد الكامل من أدوات الدفاع والمؤسسات. ليست هذه حلولًا. بل محاولات لإعادة تشكيل الجغرافيا بالقوة أو الابتزاز السياسي.
حين تتحول المطالب إلى عناوين تتضمن تسليم السلاح. الانسحاب من مناطق شاسعة. والتخلي عن مصادر الاقتصاد والإدارة. يصبح واضحًا أن المقصود هو دفع هذا الطرف إلى التلاشي الذاتي. كل ذلك يحدث بينما يُغضّ الطرف عن القوى الأكثر تشددًا والتي ترفض أصلًا أي فكرة عن التعدد والحقوق والمواطنة.
الواقع يزداد خطورة حين تتقاطع هذه الضغوط مع إملاءات خارجية تطالب بحلّ التشكيلات المدافعة عن الاستقرار. وتُبقي على الجماعات المتطرفة كأدوات جاهزة للتوظيف. ما يحدث ليس حوارًا بقدر ما هو إدارة للفوضى تجري باسم مستقبل سوريا. لكنها تُدار لخدمة حسابات لا علاقة لها بمصير السوريين ولا بحقوقهم.
إن ضبط الجغرافيا. و وقف النزيف الأمني. وإنهاء التشظي المؤسساتي. لا يمكن أن يتم دون مواجهة حقيقية مع سلاح العشائر والفصائل والميليشيات. ولا يمكن بناء سوريا جديدة دون حضور فعلي لجميع مكونات المجتمع. وفي مقدمتهم القوى التي شكّلت توازنًا عسكريًا وأمنيًا خلال سنوات الانهيار.
تثبيت الاستقرار لا يتم بمصادرة من حارب الإرهاب. بل بإزالة الأسباب الحقيقية التي كرّست التوحش. وعلى رأسها ازدواجية السلطة. وتعدد مصادر العنف. وتغوّل العصبيات المسلحة. ومن دون مقاربة جذرية. لا حديث ممكن عن دستور جامع. و لا عن دولة تُبنى على المواطنة والكرامة. و الديمقراطية و التعددية و اللامركزية
ما يُطلب اليوم من أحد الأطراف الأكثر تنظيمًا ليس تنازلًا. بل انتحار سياسي وعسكري. وما يُطرح كحلول لا يعكس أي نضج سياسي. بل تكرار لنفس العقلية التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه.. مزيج من العنف. والانقسامات. ورفض الاعتراف بالآخر.
أي حديث عن مستقبل سوريا يجب أن يبدأ من هذا السؤال.. هل نريد دولة مدنية تتشارك فيها المكونات دون وصاية. أم مجرد خريطة تتقاسمها سكاكين التطرف و الارهاب باسم الدولة