حمدو يوسف
إنّ نقل المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية وحكومة دمشق إلى باريس، برعاية ثلاثية غربية (فرنسا، بريطانيا، وأمريكا)، يمثل تصعيداً دبلوماسياً ذا دلالة، يعكس توجهاً حقيقياً نحو تدويل تسوية شرق الفرات، بعيداً عن الرعاية الروسية والتركية والإيرانية.
تحمل هذه الخطوة أبعاداً سياسية واستراتيجية عميقة، تعكس تحولاً في موازين القوى، وتبدلاً في التوجهات الدولية تجاه الملف السوري، لا سيما ما يخص منطقة شرق الفرات.
من أبرز الدلالات الرمزية والسياسية لنقل المفاوضات إلى باريس، أنه يمنح هذه المحادثات طابعاً دولياً رسمياً، ويضفي عليها غطاء دبلوماسياً غربياً، ويُظهر أن الدول الكبرى باتت معنية مباشرة بتنظيم العلاقة بين دمشق و”قسد”.
وتكمن إحدى أهم الرسائل في تحييد الدور الروسي والتركي والإيراني جزئياً، إذ لطالما جرت المفاوضات داخل سوريا تحت أعين هذه القوى. أما نقلها إلى باريس، فيشير إلى سعي واضح لإخراج هذه الأطراف، أو على الأقل تقليص تأثيرها في هذه المرحلة.
كما يُعدّ اختيار فرنسا مكاناً للتفاوض، محاولة لتوفير بيئة محايدة نسبياً، إذ إنها ليست طرفاً مباشراً في النزاع السوري، كما هو حال روسيا أو تركيا أو إيران، مما يمنحها موقعاً مقبولاً من الطرفين، وخصوصاً من “قسد” التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع كل من باريس وواشنطن.
أما الرسالة الضمنية الأهم من نقل هذه المفاوضات إلى الخارج، فهي أنّ المجتمع الدولي – أو جزءاً مهماً منه – لم يعد يرى أن مستقبل شرق الفرات يمكن حسمه ضمن التوازنات المحلية أو الإقليمية فقط، بل إنه بحاجة إلى تسوية دولية.
لهذه الأسباب، جاء هذا الانتقال الدبلوماسي إلى باريس، تحت رعاية ثلاث دول كبرى، ليعكس التوجه نحو تدويل القضية، أو على الأقل إعطائها طابعاً دولياً لا يمكن تجاوزه في ترتيبات ما بعد الحرب السورية.
ومن زاوية الواقعية السياسية، ينبغي الاعتراف بأن أحمد الشرع ليس صاحب القرار الوحيد في حل الأزمة السورية. كما أن الدولة السورية، في وضعها الراهن، لا تمتلك الحد الأدنى من أدوات القوة لفرض إرادتها على طاولة المفاوضات. فالخيارات المتاحة أمامها محدودة، ولا تتيح لها رفاهية الاختيار.
وجود فرنسا وبريطانيا – الدولتين اللتين وضعتا اتفاقية سايكس-بيكو التي قسّمت الشرق الأوسط قبل قرن – يذكّر بذلك الإرث الاستعماري، ويعيد إلى الأذهان أن حدود المنطقة ليست نهائية، وأن القوى الكبرى لا تزال تملك سلطة إعادة رسم الجغرافيا السياسية.
الرعاة الثلاثة (فرنسا، بريطانيا، أمريكا) يملكون أدوات ضغط متعددة، سياسية واقتصادية وحتى عسكرية، وهم لن يسمحوا بتسوية لا تتماشى مع مصالحهم، سواء من حيث مكافحة الإرهاب، أو احتواء النفوذ التركي والإيراني والروسي، أو ضمان ترتيب وضع الكرد بطريقة تساهم في استقرار سوريا والمنطقة، وربما دفع تركيا إلى تسريع حلّ المسألة الكردية لديها أيضاً.
من هنا، يبدو أن الحلّ المحتمل سيكون مزيجاً من الواقعية السياسية على الأرض، ومصالح القوى الغربية، مع رمزية لا تخطئها العين تعيدنا إلى مفهوم “سايكس-بيكو جديد”، بصيغة أكثر نعومة، ولكن ليست أقل تأثيراً.
الخميس 31 تموز/يوليو 2025