صلاح بدرالدين
في ندائي الثالث بعد :
الأول – ” لاتضعوا السوريين امام خيارين احلاهما ” مر “١٦ – ٧ – ٢٠٢٥ .
والثاني – ” عطفا على ندائنا السابق للإدارة الانتقالية بدمشق.. لا تفوتوا فرصة الإنقاذ “. ٢١ – ٧ – ٢٠٢٥ .
هذه هي المواصفات الحقيقية للقضية الكردية السورية
القضية الكردية السورية ترشحت للتشكل منذ اليوم الأول لاتفاقية سايكس – بيكو قبل نحو مائة عام ، عندما تقرر ضم جزء من الشعب الكردي ومن وطنه الى سوريا من دون توفير اية ضمانات قانونية دولية موثقة لامنه ، واستقراره ، ومستقبله .
وتوفرت جملة من عوامل ظهور القضية الكردية السورية كقضية شعب من السكان الأصليين ، عندما تم تجاهله الوجودي في اول دستور منبثق عن المؤتمر السوري ١٩١٩ – ١٩٢٠ ، والدساتير المعدلة الأخرى بعد الاستقلال وخلال الأنظمة والحكومات المتعاقبة الى يومنا هذا ، بالرغم من مشاركة شخصيات من أصول كردية في صياغة الدستور الأول .
لم تمنع تلك السياسات الشوفينية ، والممارسات المناهضة للوجود الكردي مشاركة الكرد في النضال الوطني ضد الانتداب ومن اجل الاستقلال والتاريخ شاهد على ذلك .
واكتملت شروط تبلور القضية الكردية السورية كمسالة شعب يعيش على ارضه محروم من الحقوق الأساسية ( القومية ، السياسية ، الديموقراطية ، الإنسانية ) ، ومهدد بالتهجير ، والتعريب ، وتغيير التركيبة القومية لمناطقه ، في عهد نظام البعث طيلة خمسين عاما ، .
كان موضوع الكرد السوريين في صلب مداولات اتفاقية سايكس – بيكو ، ومؤتمري سيفر ولوزان ، ومؤتمر السلام بباريس ، والبروتوكولات المشتركة بين الانتداب الفرنسي وتركيا ، وتناولته البعثة الامريكية الى الجزيرة خلال عهد الانتداب في تقريرها ، كماتضمنته عشرات المراسيم الجمهورية ، ومئات القوانين ، وآلاف القرارات الإدارية ، والتقارير الأمنية التي كانت تصب في مجرى الاضطهاد ، والقمع ، والمخططات الشوفينية العنصرية .
انطلقت الحركة السياسية الكردية السورية منذ نحو مائة عام ، متجسدة في البدايات بحركة – خويبون – كنواة أولية ، ثم تطورت الى جمعيات ، ونوادي ، وتشكيلات ثقافية الى ان انبثق التنظيم السياسي الكردي السوري الأول عام ١٩٥٧ ، ومنذ البداية وخلافا لمعظم الحركات الكردية بالجوار انفردت الحركة الكردية السورية بانتهاج النضال السلمي ، من اجل استعادة الحقوق القومية الأساسية ، وتحقيق الديموقراطية لسوريا .
ثم اندمج النضال السياسي الكردي منذ عقود بالنضال الوطني الديموقراطي للشعب السوري ضد الدكتاتورية ، والاستبداد ، ومن اجل الاستقلال والحرية ، والسيادة ، والتقدم ، انتهاء بمشاركة الحركة الوطنية الكردية الحقيقية بالثورة السورية في آذار عام ٢٠١١ .
عندما نقول الحركة الوطنية الكردية السورية التي ليست الان تشكيلا مركزيا موحدا لاسباب موضوعية وذاتية ، نقصد بها : الجمهور الوطني الكردي الواسع من مختلف المناطق ، والطبقات والفئات الاجتماعية ،ونشطاء الفكر ، والصحافة والاعلام ، والفنون ، والمتعلمون ، وتعبيرات المجتمع المدني ، وبعض المنظمات السياسية .
تعريف – قسد –
تشكلت قوات سوريا الديموقراطية – قسد – عام ٢٠١٥ في الحسكة ، وهي مثل التسميات الأخرى المتتالية ( حزب الاتحاد الديموقراطي – الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا وباقي المسميات ) تنبثق من مركز الحزب الام – ب ك ك – في – قنديل – الذي نشأ با الثمانينات ، وتمدد وترسخ بسوريا بدعم مباشر من عائلة حافظ الأسد ، ونظامه الأمني ، لذلك نقول ان هذه التشكيلات العسكرية بالأساس لم تنبثق تاريخيا عن الحركة الكردية السورية التي تزيد عمرها على حزبهم الام بنحو سبعين عاما ، اما مشكلة – قسد – الأساسية مع العهد الجديد مابعد نظام الاستبداد ( والتي نتمنى حلها سلميا بأسرع وقت ) فهي ذات صبغة عسكرية تتعلق بمسالة الاندماج مع قوات وزارة الدفاع ، وتسليم السلاح ، وعودة الإدارة السورية الى مناطق نفوذها ، واستلام الموارد الطبيعية ، والمعابر ، والسجون ، ولم يتضمن بيان العاشر من آذار بين الطرفين أية بنود بخصوص حل القضية الكردية في سوريا ، من جهة أخرى فان مشكلة – قسد – وكل المسميات الأخرى ترتبط ارتباطا وثيقا بمآلات السلم والحرب على الصعيد الإقليمي لحزب العمال الكردستاني بعد قرار زعيمه بحل الحزب وتسليم سلاحه بالمركز والفروع ، في حين ان الكرد السوريين وحركتهم السياسية لادخل لهم بشكل مباشر بذلك الجانب وتعقيداته الإقليمية .
ماذا عن مشكلة الطوائف السورية
هناك الكثير من أوجه الاختلاف بين القضية القومية الكردية ، والمسألة الطائفية المذهبية ، فالكرد قومية تختلف من حيث اللغة والثقافة ، والتاريخ عن القومية العربية ، والقوميات الأخرى ، وكذلك من حيث الحقوق والمطالب ، والطوائف السورية من دروز ، وعلويين ، وغيرهم لاتنفي انتماءها القومي العربي ، بل ان معظم رواد القومية العربية ، وقادة حزب البعث الحاكم لمدة خمسين عاما كانوا من أبناء الطائفتين الى جانب السنة ، وشاركوا – كافراد – أيضا في اضطهاد الكرد وحرمانهم من الحقوق ، ومن الواضح ان جميع السوريين وبكل قومياتهم وطوائفهم يستحقون التنعم بالحرية والديموقراطية ، والحياة السعيدة الامنة في عهد مابعد الاستبداد ، ويجب تحقيق العدالة في ماحصل بمناطق الساحل ، والسويداء ، ومحاسبة الجناة من أي طرف كان .
بحسب تجارب العديد من الشعوب والبلدان التي شهدت فتنا طائفية ، وتحولت الى حروب أهلية مدمرة ، فان ذلك خلق حذرا شديدا من الطائفية السياسية التي هي ” استخدام الانتماءات الطائفية (الدينية أو المذهبية) كأداة لتحقيق أهداف سياسية، وغالباً ما تتجلى في استغلال هذه الانتماءات لتقسيم المجتمع وتأجيج الصراعات، بهدف تحقيق مكاسب سياسية أو سلطوية ” ، والظاهرة هذه تتفرع عن منهج الإسلام السياسي بشكل عام .
وماذا بعد
هناك البعض من الكرد ، وغير الكرد ، والبعض الاخر من موالي الإدارة الانتقالية الحاكمة ، عن وعي او قصور ، يجهدون من اجل ربط القضية الكردية عن سابق تصميم بمشكلة – قسد – ومقارنتها باحداث مؤسفة ومدانة تجري في السويداء ، وقبل ذلك بالساحل السوري ، وفي هذا المجال واقولها بكل وضوح وبمنتهى الصراحة اذا أصرت الإدارة الانتقالية بربط القضية الكردية السورية بمشكلة – قسد – فانها تقترف خطيئة كبرى ، وتحاول التهرب من الاستحقاق الكردي مابعد الاستبداد ، وتوجه ضربة الى الوحدة الوطنية ، والعلاقات التاريخية الكردية العربية ، وكلنا امل ان تعود الى الاستجابة لنداءاتنا الثلاث بكل بنودها التي لاتتجزأ والمنشورة على الملأ .