صلاح عمر
في تصريح لافت، أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، “تامي بروس”، أن واشنطن لا تعارض الفيدرالية أو الحكم الذاتي في سوريا. هذا التصريح، الذي قد يبدو للبعض عاديا، يحمل في طياته تحولًا استراتيجيًا في الرؤية الدولية إزاء طبيعة الدولة السورية المستقبلية، ويضع النقاط على الحروف بعد أكثر من عقد من الحرب والدمار والانقسام والخذلان.
لقد أثبتت التجربة السورية، بما لا يدع مجالًا للشك، أن المركزية القهرية التي حكمت سوريا لعقود لم تنتج سوى الاستبداد، والتمييز، والإقصاء، والانفجارات المتتالية في الجغرافيا والمجتمع والهوية. دولة القبضة الأمنية، التي أُسّست على إنكار الآخر وسحق التنوع، وصلت إلى نهايتها، وما يجري اليوم في السويداء، كما جرى بالأمس في الساحل، ومن قبلها في عفرين و الجزيرة الكردية، هو نتيجة طبيعية لسقوط ذلك العقد الاجتماعي المشوّه.
إن تصريح الولايات المتحدة يأتي في توقيت بالغ الحساسية، بعد مجازر ارتكبتها السلطة في السويداء، وسقوط شهداء من شباب المدينة الذين حملوا مطالبهم بكرامة وواجهوا الاستبداد بصدورهم العارية. هؤلاء، مثلهم مثل أبناء كوباني وعفرين وقامشلو، لم يكونوا دعاة انفصال، بل منادين بالحرية والكرامة والعدالة. هؤلاء يستحقون نظامًا يحتضنهم، لا يسحقهم.
الفيدرالية ليست شتيمة، وليست مؤامرة، وليست تقسيمًا. الفيدرالية هي شكل من أشكال العدالة السياسية التي تحتضن التعدد، وتمنع الاحتكار، وتوزع السلطة والثروة على كل المكونات. هي ضمانة وحدة وطنية حقيقية، لأن لا وحدة دون احترام، ولا وطن دون شراكة.
إن هذا التصريح الأميركي يجب أن يكون جرس إنذار ودعوة تأمل. لن تعود سوريا إلى ما كانت عليه قبل 2011. ومن يظن أن الزمن يمكن أن يرجع إلى الوراء فهو أعمى عن حقائق التاريخ والمجتمع. الحل في سوريا ليس عودة الاستبداد بقناع جديد، بل ولادة دولة جديدة، تشبه شعوبها، وتضمن حقوقهم، وتبني على الألم حلمًا قابلًا للحياة.
وإذا كانت السويداء اليوم قد شرّعت أبوابها نحو اللامركزية، فإن الكرد كانوا منذ سنوات على هذا الطريق، حين أسسوا إدارة ذاتية في ظل الحرب والخذلان الدولي. واليوم، لا خيار أمامنا، نحن أبناء هذه الأرض، إلا أن نمد الجسور بيننا، ونعيد تعريف الوطن بوصفه عقدا من الكرامة والعدالة والاعتراف المتبادل، لا سجنا كبيرا تديره طغمة من المتسلطين.
في هذا المنعطف التاريخي، مطلوب من الكرد والدروز وكل المكونات المهمشة أن يكونوا في طليعة مشروع سياسي جديد، جامع، ديمقراطي، لا مركزي، يؤمن أن سوريا لن تكون قوية إلا حين تكون عادلة، ولن تتوحد إلا حين يعترف الجميع بحق الجميع.
الفيدرالية ليست نهاية سوريا… بل بداية نجاتها.