عبد الجابر حبيب
في الأيام الأخيرة، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بمقطع فيديو يُظهر عناصر من الجيش السوري يقومون بإهانة شيخ طاعن في السن، بحلق شاربه على الملأ، في صورة تجسّد انحطاطاً أخلاقياً صارخاً، وعنفاً رمزياً مؤلماً يتجاوز الفعل ذاته. هذا المشهد ليس مجرد انتهاك فردي، بل تمثيل فجّ لطريقة تفكير أمنية ترى في الكرامة الشخصية سلاحاً يجب كسره، وفي رموز المجتمع أدوات لإخضاع الناس عبر إذلالهم. مثل هذا الفعل لا يجب أن يمر بلا محاسبة. لا لأنه خرق للقانون فحسب، بل لأنه ينسف ما تبقى من ثقة بين الدولة ومواطنيها، ويدفع المجتمعات نحو القطيعة التامة مع مؤسساتها.
غضب مكبوت وكرامة مغدورة:
ما يحدث في السويداء هو تراكم سنوات من الإقصاء والتهميش، في منطقة تُعرف بخصوصيتها الدينية والاجتماعية، وبموقفها المختلف منذ بدايات الحرب السورية. حافظ أبناء السويداء على الحد الأدنى من الحياد المسلح، ورفضوا الانخراط في العنف الطائفي، لكنهم في الوقت نفسه لم يسلموا من التجويع، والحصار والتهديد. واليوم، وقد خرجت أصوات تطالب بالإصلاح، والكرامة والديمقراطية، جاء الرد أمنياً، كما في كل مرة، ولكن هذه المرة باستهانة أكثر فظاعة، وبإهانة يتعذّر نسيانها.
عبء الأنظمة الشمولية
لا فرق بين الأنظمة الشمولية، سواء أكانت تلك المتطرفة دينيًا، أو يسارية مشبعة بشعارات ديمقراطية، أو يمينية تتدثر بخطاب الحريات الفردية… جميعها، متى ما استقرت على العرش بلا محاسبة، تتحول إلى تهديد مباشر لكرامة مواطنيها. ما لم تفهمه السلطة أن الكرامة ليست رفاهية سياسية، بل هي الحاجز الأخير قبل الانفجار، وهي ما يربط المواطن بالوطن قبل أن تربطه أي عقيدة أو أيديولوجيا.
وعندما يخرق النظام هذا الحاجز، فهو يطلق النار على ما تبقى من شرعيته. لقد كانت السويداء تدقّ ناقوس خطر، لا ضد الوطن، بل ضد نموذج الحكم الذي يعتبر المواطن تابعاً لا شريكاً، والصوت المعارض خيانة لا رأياً مشروعاً.
سؤال مُعلّق على هشاشة الجواب:
يُقال إن التغيير يجب أن يأتي من الداخل، لكن كيف يكون ذلك ممكناً في مجتمع لم يُسمح له أصلاً بامتلاك أدوات التغيير؟ في ظل أنظمة لا ترى في المؤسسات سوى واجهات، وفي الأحزاب سوى ديكور، وفي “أولو الأمر” وكلاء حصريين للوطن. أما القوى الدولية، فعندما تتدخل لإسقاط دكتاتور، لا تفعل ذلك حباً في الحرية، بل لتثبيت مصالحها. ولهذا، ما إن يسقط نظام شمولي، حتى تُزرع مكانه أنظمة هشة، منقسمة، قابلة للقيادة عن بُعد، دائماً بحاجة إلى وصيّ، سواء كان أميركياً، أو روسياً أو أو تركياً، أو إيرانياً رغم اضمحلال كينونتها مؤخراً.
إنها فوضى مدارة عن بُعد، تنتقل بالشعوب من الاستبداد إلى التبعية، ومن قبضة الحديد إلى قبضة الخيوط غير المرئية.
رفض الفتنة تحت سقف الدستور:
لكن لا بد من التحذير بأن الفتنة، أو التحريض الطائفي يستحيل أن يكون بديلاً عن الحل السياسي. إن الأصوات التي تحاول استغلال أوجاع الناس لدفعهم نحو المواجهة الأهلية، لا تقل خطراً عن أولئك الذين يرتكبون الانتهاكات بأسم الدولة. المطلوب اليوم هو أن نرفع صوتنا من أجل حلٍ ديمقراطي، حقيقي، عادل، تحت سقف دستور يحمي حقوق جميع المكونات، لا أن يكرّس الهيمنة أو التهميش.
صوت الشيخ المحلوق:
مشهد الشيخ الذي حُلقت كرامته أمام الكاميرات حقيقة هي واقعة مؤلمة، نعم. هو تذكير مؤلم بأن الأزمة السورية لم تكن يوماً أزمة سلطة ومعارضة فقط، بل أزمة عميقة في مفهوم الدولة والمواطنة. وما يجري في السويداء أو غيرها هو جرح ينزف منذ سنوات، لكنه اليوم ينزف أمام الملأ. المطلوب هو إيجاد حل سياسي وأخلاقي، يعيد الاعتبار للمواطن، ويعيد بناء الدولة على أسس المشاركة،
لا التبعية…. على أساس المواطنة الحقيقية، لا على زخرفة الجمهورية السورية بكلمة العربية التي تقصي المكون الكردي تماماً، وبعد ذلك ياتي من يقول: هكذا كان اسم سورية وهو يعرف تماماً أن كلمة العربية من صنع البعث البائد.