الكورد بين مذاق طعم الحرية والخوف من عودة الديكتاتورية

فرحان مرعي

خلال أكثر من سنتين من عمر الثورة السورية تحقق للكورد السوريين الكثير من مظاهر الحرية، شعروا بشيء من الحرية بعد سنوات عجاف لاقوا خلالها صنوف الظلم والقهر، إن العيش في الحرية والشعور بها يدفع الإنسان – بعد الحرمان – إلى الدفاع عنها أكثر فأكثر، ليس سهل سنتين من عمر الحرية وليس سهل تركها هكذا كما لو جاءت كعابر سبيل، هذه الثورة التي سميت بحق ثورة الحرية والكرامة بذرت بذور الحرية على الأرض السورية وبدماء هذا الشعب الشجاع تنمو وتكبر هذه البذور لتكون شجرة كبيرة يستظل في ظلها كل الشعب.
الكورد بطبعهم يعشقون الحرية ويكرهون السلطة، فكانوا من الأوائل الذين وضعوا حجر الأساس لبناء الحرية في انتفاضة  آذار عام 2004 وكسروا حاجز الخوف الذي بناه هذا النظام الفاشي منذ عقود، ومن الصعب عليهم إن يعودوا إلى زمن الخوف مرة ثانية والقبول بالعبودية ، انتفاضة 2004 تتجذر وتصبح ثورة شاملة تعم كل سوريا، الملايين من البشر يخرجون إلى الشوارع يهتفون بسقوط الطاغية وبناء مجتمع ديمقراطي مدني علماني اتحادي، هذه الأشكال من ممارسة الحرية كانت من المحرمات والتابوات عند النظام كان يعرض من ينادي بها إلى السجن والتعذيب والقتل.

في غياب السلطة والشرطة في معظم المناطق الكوردية يمارس الكورد حياتهم شبه المستقلة، ويديرون مناطقهم ذاتياً رغم بعض العثرات والصعوبات هنا وهناك و يؤكد الكورد يوماً بعد يوم أنهم يعشقون الحرية ويعرفون ممارستها، فشكلت مكاتب ومراكز ولجان ومجالس شعبية وثقافية وأهلية وسياسية استطاعت إدارة أمورها بدرجة مقبولة رغم محاولات السلطة زرع الفتنة بين أبناء المجتمع، ولكن الكورد اثبتوا ضبطهم وسلميتهم واعتدالهم في مواجهة الأوضاع الساخنة والمشحونة طائفياً وعرقياً وحبهم في العيش المشترك مع الآخرين فانتفت في المناطق الكوردية مظاهر القتل والخطف والنهب وما يجري من بعض الحالات الشاذة هي حالات فردية  لا تعبر عن طبيعة الشعب الكوردي .

ولكن رغم مظاهر الحرية في كثير من المناطق الكوردية ينتاب الكورد حالات من القلق والخوف من سير الأمور ومن مجريات الثورة السورية، خوف وقلق مشروع من عودة الديكتاتورية إلى سوريا بأشكال مختلفة ، فالنظام ومعه المنظومة الدولية تحاول بكل الإمكانيات العودة إلى ما قبل 15 آذار 2011 مع إننا متفائلون بقدرة الشعب السوري الذي دفع أغلى ما لديه من اجل إسقاط هذا النظام الفاشي، ولكن الخوف الحقيقي هو من عودة ديكتاتورية جديدة تحت مسميات مختلفة وخاصة إن هذا النظام الشمولي كان مدرسة في تربية الطغاة وبناء الفكر الشمولي وإنتاج الفساد وما زال الفكر ملوثاً في كثير من الجهات بقذارات تلك الحقبة البغيضة ومن الصعب التحرر منه بين ليلة وضحاها ، فبعض المعارضة السورية تنسج على نفس المنوال القوموي العروبي الشمولي السابق ويفتقرون إلى الفكر والثقافة الديمقراطية والمدنية، ونحن الكورد ايضاً بيننا من يحب ممارسة الديكتاتورية إذا سمحت لهم الظروف، واليوم على ارض الواقع نعاني من بعض  الممارسات اللاديمقراطية والعقلية الاقصائية استناداً إلى مبدأ القوة، إن الشعب الكوردي الذي ذاق طعم الحرية ولو بأشكالها البسيطة خلال هذه المدة والذي فجر انتفاضة آذار 2004 والعنصر السلمي الفاعل في الثورة السورية  لن يقبل بعودة الديكتاتورية والعبودية بأي شكل من الإشكال ومن أي طرف كان ، الثورة ستستمر ولن تقف في منتصف الطريق إلى أن تحقق مطالب الشعب في الحرية والكرامة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…