العقار السوري وترامب السمسار

 المهندس باسل قس نصر الله

منذ دخوله البيت الأبيض في الولاية الأولى، لم يتعامل دونالد ترامب مع سورية كدولة، بل كعقار مطروح للتفاوض، وربما للبيع. نظرة سريعة على تصريحاته وتحركاته تكشف عقلية “السمسار” التي حكمت مقاربته للملف السوري، عقلية لا تعبأ بالتاريخ ولا بالجغرافيا، بل بما يمكن قبضه نقداً.
ففي كانون الثاني 2019، وصف ترامب سورية بأنها “بلد الرمل والموت”، وهو توصيف يعكس بوضوح احتقاره لأي قيمة سياسية أو إنسانية للأرض السورية. هذا ما يليق بتاجر عقارات يرى في الصحارى فرصة للربح لا أكثر. وفي كانون الأول 2018، أعلن انسحاب قواته من شرق سورية، مفوضًا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإدارة المنطقة، وكأن الأمر لا يتعدى تغيير “مستأجر” أو منح “وكالة حصرية” في سوق مضطرب.
في تموز 2017، توصّل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى اتفاق لخفض التصعيد في جنوب غرب سورية، شمل محافظتي درعا والقنيطرة، وتم البدء بتنفيذه خلال يومين فقط. اتفاقات سريعة، دون أدنى اعتبار لتعقيدات الواقع، تماماً كما تُبرم صفقات أراضٍ في مزاد علني.
أكثر من ذلك، اتصل ترامب بأردوغان في تشرين الثاني 2017، متعهداً بعدم تزويد “وحدات حماية الشعب” الكردية بأسلحة. لم يكن القرار مبنياً على استراتيجيا بعيدة المدى، بل على مساومة آنية، ووعود قد تُسحب في التغريدة التالية، وفي عهده أصبحت القرارات السياسية عبارة عن تغريدات.
ترامب، كما قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، “يؤمن بأن شخصاً واحداً يجب أن يفوز بينما يجب أن يخسر الآخرون”، وهي بالضبط طريقة تفكير السمسار الذي يرى في أي تفاوض صفقة، لا شراكة. وما سورية في عينيه سوى ملف تفاوض مع روسيا من جهة، ومع تركيا من جهة أخرى، ومع إسرائيل من جهة ثالثة، ضمن لعبة شد الحبال الإقليمية والدولية.
حتى عندما تحدّث عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول في أول خطاب له بعد فوزه في تشرين الثاني 2016، كان يقصد ضمناً أنه لا مانع لديه أن تتولى دول أخرى إدارة “العقار السوري”، طالما أنها لا تُعطّل مصالحه.
في النهاية، لم يكن غريباً أن يعلّق ترامب نسخاً مزيّفة من غلاف مجلة “التايم” بصورته على جدران نوادي الغولف التي يمتلكها. تماماً كما زيّف الحقيقة السورية، وعلّقها ترويجاً لصورة زائفة عن “رئيس صانع سلام”. والحق أنه لم يكن أكثر من سمسار يُفاوض على أرض ليست له، وعلى دماء لا تعنيه.
سورية، بالنسبة لترامب – من الولاية الأولى إلى الثانية الآن -، ليست سوى “رمل وموت” … لكن بثمنٍ مناسب
وما علينا إلا انتظار المشتري
اللهم اشهد بأني بلّغت

 

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…