تُفضل حكومة دمشق التفاوض مع وفد الإدارة الذاتية وتُجنب الوفد القومي الكردي

مسلم شيخ حسن – كوباني

في خضم المساعي الرامية الى إيجاد حل سياسي شامل في سوريا تبرز مفارقة لافتة في مواقف حكومة دمشق بقيادة الرئيس أحمد الشرع إذ يظهر جلياً تفضيلها التفاوض مع وفد “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” المؤلف من المكونات القومية والدينية في المنطقة شمال وشرق سوريا (عرب، الكرد ، سريان، آشوريون، وغيرهم). وتجاهلها المتعمد للوفد القومي الكردي  الجديد المنبثق عن مخرجات الكونفرانس الكردي المنعقد في قامشلو بتاريخ 26 نيسان الماضي والذي يحمل أجندة واضحة تتعلق بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في سوريا.

هذا التفضيل السياسي ليس وليد الصدفة بل يعكس توجهاً استراتيجياً لحكومة دمشق للتهرب من الاستحقاقات الوطنية الحقيقية المتعلقة بالقضية الكردية.  فالوفد الكردي القومي يرفع سقف المطالب ويركز بشكل مباشر على تثبيت حقوق الشعب الكردي دستورياً وضمان تمثيله القومي والاعتراف به كأحد المكونات الرئيسية للبلاد. وترى دمشق أن هذه المطالب خط أحمر إذ تتعارض مع الرؤية المركزية للدولة السورية التي لطالما أنكرت الوجود القومي الكردي لعقود وسعت إلى طمسها.

في المقابل فإن وفد الإدارة الذاتية رغم تمثيله للكرد إلى جانب مكونات أخرى لا يضع المسألة القومية الكردية في صميم مطالبه. بل ينطلق من مبادئ “الإدارة” و”اللامركزية ” التي تركز على تقاسم السلطة والإدارة الذاتية دون المساس بالبنية القومية للدولة السورية. وترى دمشق أن هذا الخطاب أكثر اعتدالاً وعقلانية وتستخدمها كواجهة لإظهار انفتاحها على “الحوار الوطني ” لكنها في الواقع تنحرف عن جوهر الأزمة وتتهرب من الاعتراف بالحقوق القومية الأصيلة التي طالما طالب بها الكرد .

تهرب حكومة دمشق من الوفد القومي الكردي واستبداله بوفد متعدد الهويات وصلاحيات مختلفة هو جزء من سياسة قديمة جديدة مبنية على كسر وحدة الموقف الكردي وتقويض استقلالية القرار الكردي. ويتحقق ذلك من خلال خلق قنوات تفاوض موازية أقل مطلباً وأكثر مرونة، تتيح لحكومة دمشق المناورة والمماطلة دون الالتزام بتغييرات حقيقية في بنية الدولة أو الدستور.

هذا النهج التفاوضي يهدد مستقبل الحل السياسي في سوريا ويعيد إنتاج الإقصاء والتهميش اللذين أوصلا البلاد إلى ما هي عليه. فلا يمكن تحقيق سلام عادل ودائم في سوريا دون ضمان الحقوق القومية المشروعة لجميع المكونات  وفي مقدمتهم الشعب الكردي الذي قدم تضحيات جسيمة من أجل الحرية والكرامة.

إن تعدد الوفود اليوم لا يمكن النظر إليه كتنوع صحي في التمثيل بل هو انقسام مدمر يهدد الحقوق التاريخية للشعب الكردي في سوريا. وإن لم تتدارك القوى الكردية هذه الثغرة وتتوحد ضمن رؤية سياسية جامعة تعبر عن تطلعات شعبها في الحرية والكرامة والعدالة فإنها بذلك تفتح الباب واسعاً أمام القوى المعادية للقضية الكردية لاستغلال الانقسام وتهميش المطالب الكردية مجدداً.

فإذا كانت حكومة دمشق جادة في بناء سوريا تعددية وديمقراطية فعليها أن تواجه مسؤولياتها الوطنية بشجاعة. ومن بين هذه الاستحقاقات الأولى الاعتراف بحقوق الشعب الكردي وتمثيله الحقيقي في أي عملية تفاوضية ودستورية مستقبلية، بعيداً عن الالتفافات السياسية والمناورات الشكلية التي لن تؤدي إلا إلى المزيد من الفوضى والانقسام.

10/7/2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…